بعث الخليفة الراشد عثمان بن عفان (رضي الله عنه) الصحابي الجليل "الحكم بن عمرو الغفاري" إلى الصين. ثم توالت البعثات بعد ذلك، لكن مرحلة الفتح لهذه البلاد بدأت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، على يد قائده الباسل "قتيبة بن مسلم" الذي تمكّن في الفترة من (83هـ - 94هـ) من السيطرة على ربوع التركستان ونشر الإسلام بين أهلها، بل ترتب على ذلك أن فتحت الصين أبوابها للمسلمين من أجل التجارة والدعوة إلى الله عقب مصالحة تمت بين إمبراطور الصين والقائد "قتيبة بن مسلم"، وتوثقت العلاقات التجارية بين المسلمين والصين، وحصل بعض التجار المسلمين على ألقاب صينية رفيعة، بل صار المسلمون ذوي حظوة لدى ملوك الصين وعلى الأخص في عهد أسرة "سونج" في القرن العاشر الميلادي، وسُنَّت قوانين لحمايتهم، ولكن أكبر تحول كان في عهد زعيم التركستان ستوف بغراخان خاقان الإمبراطوية القراخانية عام 323هـ وقد أسلم معه ما يقارب مليون نسمة.
وفي عهد الخليفة العباسي "أبي جعفر المنصور" تعرض الإمبراطور الصيني "سو" لتمرّد، فاستغاث بالخليفة، فأغيث، هكذا كنا أيام كانت لنا دولة تصول وتجول بجنود لو أرادوا خلع الجبال لخلعوها على حد قول ملك الصين عندما استنجد به كسرى لحرب المسلمين، هكذا أوجدت الدولة الإسلامية رأيا عاما عالميا تهابها الدول القائمة حينها، وتسن القوانين لتحمي المسلمين وتحفظ مصالحهم، أما اليوم وبعد أن فقدنا هذه الدولة القوية حامية الحمى تعرض مسلمو الإيغور لحرب إبادة وتطهير عرقي، وعانوا التمزيق والتهجير والتغيير الديموغرافي ووعوداً كاذبة بالحكم الذاتي، والإفقار، بل أبعد من ذلك، فقد عمدت إلى تفريغ تركستان من السكان الأصليين من الإيغور، وتوطين (الهان) محل الإيغور لتغيير البنية السكانية، وكلها إجراءات منظمة، واتخذ المكتب السياسي للجنة الدائمة للحزب الشيوعي الصيني في آذار/مارس 1996م قرارًا سريا في معالجة قضية تركستان الشرقية، عرف بالوثيقة رقم 7 التي تضمنت تطبيق 10 إجراءات صارمة تبدأ بحظر التعليم الإسلامي، ومنع النشاط الديني، واستعمال القمع والاغتيال والإعدام لمن يعارض الحكم الشيوعي أو يدعو إلى استقلال وانفصال تركستان الشرقية عن الصين وفي هذا الإطار، ذكرت "صنداي تايمز" أن الصين أقنعت باكستان وكازاخستان بتسليمها ناشطين من الإيغور, حيث تقوم بمحاكمتهم سراً قبل أن تعدمهم.
كما أنشأت الصين - وفقًا لمعلومات الصحيفة - شبكة واسعة من المخبرين، ونشرت قوات من شرطة مكافحة "الإرهاب" المقنعين بالسواد حول المساجد والأسواق وفي طرقات شينجيانج. ومن بين الإجراءات الموغلة في الوحشية أن الصين أقدمت على سحب جوازات سفر الإيغور, فلم يعد أي منهم يستطيع أن يخرج من البلد حتى إلى الحج إلا بشروط معينة ورغم أن الإقليم يتمتع بحكم ذاتي شكلي منذ عام 1955م، فإن الحكومة المركزية في بكين هي المتحكم الفعلي في إدارة ثرواته من النفط والغاز والمنتجات الصناعية، والتي تذهب معظم عوائدها إلى أبناء عرقية "الهان"، الذين يتدفقون منذ سنوات بشكل منتظم إلى الإقليم. وبمساعدة الحكومة الصينية، صار أتباع عرقية "الهان" هم المسيطرين على غالبية المصانع والشركات في "سينكيانج"، ولا يقبلون عمالة بها من غيرهم؛ مما اضطر الإيغوريين إلى امتهان أعمال متدنية؛ مثل الخدمة في المنازل، وأصبح الإيغوريون رعايا من الدرجة الثانية، كما لا يُسمح لهم باستخدام لغتهم في المدارس، وتفرض الصين عليهم حالة من العزلة، كما تقيد ممارستهم للشعائر الدينية في بلدهم، وتمارس رقابة دينية وتدخلًا قسريًّا، يطال تنظيم النشاطات الدينية والثقافية ودُور النشر، حتى المظهر والسلوك الشخصي لأفراد شعب تركستان الشرقية. وتفرض رقابة على المساجد، وتطهّر المدارس من المعلمين والطلاب المتدينين، وتراقب الأدب والشعر بحثًا عن إشارات سياسية معادية، وتعتبر كل تعبير عن عدم الرضا إزاء سياسات بكين "نزوعًا انفصاليًّا"، وهو يعتبر حسب القانون الصيني جريمة ضد أمن الدولة، تصل عقوبتها إلى الإعدام.
إن مسلمي الإيغور من أمة الإسلام، جزء لا يتجزأ منها، يربطهم رباط العقيدة الإسلامية، والدولة الإسلامية حامية الحمى مهابة الجانب، دولة كما القلب للجسد تضخ الدماء فيتحرك الجميع لنصرة المظلوم قال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾. ولكن الإيغور فقدوا النصرة يوم فقدوا الخلافة الإسلامية، واستفرد بهم تنين ملحد ماكر، يحسب نفسه قوياً ولكنه لا يساوي شيئا أمام نار الإسلام التي ستحرق عقائده الباطلة والظلم عندما تبعث في أمة الإسلام كرابط يربط فيعيد الجسد كله للحركة فتتحرك الجيوش بقيادة خليفة المسلمين ليشهد حكام الصين اليوم بما شهد به أسلافهم من جند الخلافة الذين يخلعون الجبال إن أرادوا.
ونحن في رمضان النصرة نستذكر كيف تكون نصرة المسلمين عندما استنصر عمرو بن سالم رسول الله e على قبيلة بكر حليفة قريش التي قتلتهم ركعا وسجدا بذات الحقد الذي يدفع الصين لاستئصال الإيغور اليوم قال تعالى ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾، فنصره الرسول e وفتحت مكة.
إن حل مشكلة مسلمي الإيغور وغيره لا بد لها من دولة مبدئية إسلامية، خلافة راشدة على منهاج النبوة؛ تجيش الجيوش لنصرة المستضعفين، فتقيم الحق، وتبطل الباطل، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
رأيك في الموضوع