يقول المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾: إن الصيام فرض على الأمم السابقة قبل بعثة الإسلام، وليس هذا بدعا من القول، فقد روى الطبري في تفسيره قوله سبحانه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ عن قتادة قوله: "الدين واحد، والشريعة مختلفة". وهذا مصداق قوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْبَعَثْنَافِيكُلِّأُمَّةٍرَّسُولاًأَنِاعْبُدُواْاللَّهَ وَاجْتَنِبُواْالطَّاغُوتَ﴾. وفي تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ قال ابن عباس يقول: دينكم دين واحد، أي هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم. وقال رسول اللّه r: «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد».
وفي تفسير القرطبي: "لما ذكر الأنبياء قال: هؤلاء كلهم مجتمعون على التوحيد؛ فالأمة هنا بمعنى الدين الذي هو الإسلام"، إذن الأنبياء كافة قدموا بالرسالة ذاتها: توحيد الله سبحانه وإفراده بالعبودية بعد نبذ الطواغيت كافة مهما كانت أشكالهم وصورهم، وبهذا المعنى فأمة المسلمين تمتد عبر الدهور والعصور لتشمل كل من آمن بالله سبحانه واتبع رسله.
وقد جاءت الآيات القرآنية لتؤكد معاني الأخوة بين المسلمين، وحرمة دمائهم وأعراضهم وأموالهم، وبينت الأحاديث الشريفة أن «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وكيف أن المرء لم يستوثق عرى الإيمان ما لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، لا بل جاء في الحديث «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا»...
ومن هنا نجد أن الشعائر التعبدية في الإسلام حرصت على توكيد البعد الجماعي في نفسية المتعبد، ومن ذلك أن المصلي يقرأ الفاتحة في كل ركعة من صلاته، نفلا كانت أم فرضا، سواء صلى في جماعة أم منفردا، في بيته أم في مكتبه أم في مسجده، وفي سورة الفاتحة نجد الآيات الكريمة تستعمل ضمير الجماعة لا المفرد ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ وفي هذا لفتة للمصلي أنه دوما جزء من جماعة المسلمين عبر الزمان والمكان، وكذلك نجد في معاني الصيام اشتراك جميع المسلمين الصائمين في هذه الشعيرة التي هي ركن من أركان الدين، فضلا عن ركن الحج الجامع الذي يجمع حجاج بيت الله على صعيد واحد متسربلين بلباس الإحرام الذي يذيب أي تفرقة بينهم، فلا يتبين الغني من الفقير ولا الأمير من الخادم ولا ولا... (أذكر مرة أني كنت في الحرم ارتاح هنيهة بعد أن انهيت شعيرة العمرة فقلت أتشارك الحديث مع جاري الذي كان يلبس مثلي لباس الإحرام فلما تعارفنا تبين لي أنه جنرال ركن في أحد الجيوش العربية)..
السؤال هنا كيف نربط بين كل ما سبق وما نسمعه ونقرأه عن حمام الدماء الذي لا يكاد يتوقف، ومن ذلك تفجير استهدف مسجد "سالم" في مدينة أريحا بريف إدلب، في أثناء تناول عناصر وقادة في "جبهة النصرة" طعام الإفطار، حتى وصل الأمر في الكويت إلى تفتيش المصلين على أبواب المساجد بعد التفجير الذي استهدف أحد المساجد.
فكيف تردى بنا الحال حتى صار المصلي يحسب حسابا لارتياده بيت الله؟ وأين حرمة دماء المسلمين؟ ومن أين أتت هذه العقليات المنحرفة التي لا تبالي بقتل النفس الحرام؟
وقد جاء في الحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا»، فما بال هؤلاء القوم لا يفقهون حديثا؟
ثم أليس لنا أن نتساءل: من يقف وراء هذه الأحداث الدامية التي تعصف ببلادنا من مصر إلى ليبيا واليمن والعراق والشام؟
وكيف نفهم تصريح روبرت فورد سفير الإجرام الأمريكي السابق في سوريا (في مقاله على موقع معهد الشرق الأوسط 19/6/2015) الذي توقع فيه تفتيت سوريا إلى ستة كانتونات مع استمرار القتال فيما بينها في محاولات لتوسعة رقعة كل كانتون؟ وهذا يذكرنا بالتصريح الشهير لدنيس ماكدونو مستشار أوباما للأمن القومي، في حزيران 2013، بأن استمرار القتال في سوريا بين حزب الله والقاعدة يخدم المصلحة الأمريكية ولا داعي لإيقافه.
آن الأوان لأن يعتصم المسلمون بحبل الله المتين، فكلهم يؤمنون برب واحد ونبي واحد وكتاب واحد وقبلتهم واحدة فما بالهم ينجرفون وراء دعوات مريضة سقيمة تستبيح الدم الحرام للمسلمين الصائمين المصلين، بينما العدو الكافر في مأمن من بأسهم وبطشهم. الكل يعلم أن العقيدة القطعية تقوم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والإيمان بنبوة محمد ومن سبقه من الأنبياء والرسل، والإيمان بأن القرآن كلام الله المنزل دون تحريف ولا زيادة ولا نقصان، فمتى اجتمع المسلمون على حقيقة العقيدة القطعية والأحكام الشرعية القطعية، فلا يضيرهم تعدد الأفهام في المسائل الظنية أيا كانت، فلا يملك مجتهد ما أن يلزم غيره باجتهاده فضلا عن تكفيره وهدر دمه.
لقد نجح حزب التحرير خلال عمله عبر عقود في بناء رابطة الأخوة الإسلامية وفي بناء تكتل يعمل لإعلاء كلمة الله بتطبيق شرعه بإقامة دولة الخلافة، وضم في صفوفه المسلمين من شرق العالم الإسلامي إلى غربه بل وفي دول الغرب وفي قلب روسيا وآسيا الوسطى وصولا إلى القرم، ولم يقف في طريقه عثرة اختلاف المشارب ولا العرقيات ولا تعدد المذاهب بين المسلمين؛ فكلهم يَسَعُهُمُ الإسلام وكلهم مكلف بعبادة الله بتطبيق شرعه، فنهيب بكل غيور على هذا الدين صادق الإيمان أن يضع يده بأيدينا لنفوز ببشرى رسول الله بإقامة الخلافة على منهاج النبوة، فقد تصدع الملك الجبري الذي فرضه الغرب الكافر عبر عملائه من الحكام الخونة، وأزف فجر الخلافة الصادق، وإننا لنترقب وعد الله الحق: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ وعسى أن يكون قريبا.
رأيك في الموضوع