إن الأثر الأبرز لغياب دولة الإسلام هو غياب الدولة الحقيقية، فالأمة أصبحت بلا دولة، بلا راع بلا إمام يقاتل من ورائه ويتقى به، وإذا كانت الدول تقام لخدمة المبدأ أو الأمة أو لخدمة فئة معينة، فإن الدول التي أقيمت في بلادنا بعد هدم دولة الخلافة، أقامتها الدول الاستعمارية عدوة الأمة الإسلامية، وأنشأت فكرتها، ودساتيرها، وحدودها لخدمة مصالحها، فالدول في بلادنا صممت في أساسها لخدمة المستعمرين فقط.
والدولة الحقيقية التي يجب أن تخدم المبدأ الذي تعتنقه الأمة وترعى شؤونها بما انبثق عنه من أنظمة فقدت من حياة الأمة، فمنذ هدم الخلافة والأمة بلا دولة بكل ما تعنيه هذه الحقيقة المرة من واقع مرعب، حيث أصبحت كالأيتام على موائد اللئام، ليس لها راع يذود عن مقدساتها، ويحقن دماءها ويصون أعراضها، وأصبحت ضائعة وبلادها محل أطماع وشرور الدول الاستعمارية.
منذ أنشأ الغرب هذه الدول بعد هدمه للخلافة والأمة الإسلامية تعيش في ضنك، فهي لا تمتلك ثرواتها، فثرواتها موزعة بين المستعمرين، ولم تستفد من موقعها الاستراتيجي في ظل فقدان إرادتها السياسية، ولن تقوم لها قائمة في ظل وجود تلك الدول المقسمة بهذه المقاسات الصغيرة التي لا يمكن أن يتوحد فيها قرار الأمة السياسي ويصبح لها شأن في الموقف الدولي.
فقد كان جوهر خطط المستعمرين تقسيم الأمة الإسلامية إلى أقفاص تسمى دولا، هذه الدول بهويتها الهشة لن تستطيع أن تقف أمام عدو خارجي، وبسياساتها الاقتصادية لا تستطيع أن ترعى مصالحها أو توفر الحياة الكريمة لأهلها، فتبقى الأمة الإسلامية فقيرة ضعيفة ومقسمة ولا تستطيع أن تعود كدولة أولى في العالم.
هذا هو واقعنا في ظل هذه الأقفاص الوطنية، لا نجد من يدافع عنا، فاستبيحت بلادنا ودماؤنا وأعراضنا، نعيش حياة الفقر والعوز، ولا يوجد من يرفع الراية ليقاتل من أجل دماء المسلمين، ويقف ضد أعداء الأمة الذين استباحوا دماء أهل فلسطين والعراق وأفغانستان والشام والقائمة طويلة، لا يوجد من الأنظمة من يعمل لتحرير المسجد الأقصى أو أي جزء من بلاد المسلمين المحتلة والمستباحة بالقواعد العسكرية والنفوذ الأجنبي، لا أثر في هذه الدول المصطنعة لمن ينفق على الأمة من ثرواتها فيخرجها من حالة الفقر والعوز، لا وجود لدولة تضع الخطط الاقتصادية لجعل الأمة تعيش في رفاهية بل إن كل الخطط موجهة لإضعاف الأمة خدمة للمستعمرين وضمان نهبهم لثروات الأمة.
ولا يمكن أن تخرج الأمة من هذه الأوضاع إلا بهدم هذه الدول الأقفاص والحدود المصطنعة، وقلع هؤلاء الحكام الخونة، وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
والأمة الإسلامية قادرة على استعادة دولتها وخلافتها وعزتها ومكانتها بين الأمم بما تمتلك من مبدأ وهو الإسلام العظيم الذي يشكل دافعية لشبابها ويضع أيديهم على مكمن قوتهم وغاية وجودهم في هذه الحياة الدنيا، فهي أمة عظيمة مليئة بالشباب زاخرة بالطاقات، أمة لديها الموقع الاستراتيجي العظيم، وبلادها زاخرة بالثروات العظيمة، فهي تمتلك كل مقومات الدولة العظمى.
وعلى الأمة والقوة الفاعلة فيها أن يلتفوا حول العاملين المخلصين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وعلى الجيوش أن يعطوا النصرة لحزب التحرير الذي يصل ليله بنهاره لإقامتها، كما أعطى الأنصار النصرة للرسول ﷺ وأقام دولة الإسلام الأولى في المدينة، فإلى بيعة خليفة يحكمنا بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ ندعوكم فهلم لمرضاة ربكم واستجيبوا لما يحييكم.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع