نقل موقع مصراوي الجمعة 4/6/2021م، تعقيب شيخ الأزهر خلال كلمته في احتفالية الأمم المتحدة باليوم العالمي للبيئة على ظاهرة خطيرة، ظهرت حديثاً، وهي "ادِّعاء" مِلْكيَّة بعض الموارد الطبيعية والاستبداد بالتصرف فيها بما يضر بحياة دول أخرى، وقال: إنَّ الدِّين - عند مَن يؤمن به ويحترم قوانينه - يَحكُم حُكماً صريحاً بأنَّ مِلْكيَّة الموارد الضروريَّة لحياةِ النَّاس هي مِلْكيَّةٌ عامَّة، ولا يصحُّ بحالٍ من الأحوال، وتحتَ أي ظرفٍ من الظُّروفِ، أن تُترك هذه الموارد مِلْكاً لفردٍ، أو أفرادٍ، أو دولةٍ تتفرَّدُ بالتصرُّفِ فيها دونَ سائر الدُّول المشاركة لها في هذا المورد العام أو ذاك، مشدداً على أن هذا من أمسِّ ما يتعلق بموضوع الإفساد في الأرض، ويجب أن يتكاتف العالم لوقفه قبل أن تنتقل عدواه إلى نظائره من البيئات والظروف المتشابهة، وأكد أن "الماء" يأتي في مُقدِّمة الموارد الضروريَّة التي تنصُّ شرائع الأديان على وجوبِ أن تكون ملكيتُها ملكيةً جماعيةً مشتركة، ومَنْعِ أن يستبدَّ بها فردٌ أو أناسٌ، أو دولةٌ دون دولٍ أخرى. فهذا المنع أو الحجر أو التضييق على الآخرين، إنما هو سَلْبٌ لحقٍّ من حقوقِ الله تعالى، وتصرفٌ من المانعِ فيما لا يَمْلِك.
في حديث عام تحدث شيخ الأزهر أمام الأمم المتحدة خلال احتفالية اليوم العالمي للبيئة استدعى فيه أحكاما شرعية ووضعها في غير موضعها ولم يطرح الحلول الشرعية للأزمة التي أشار إليها في حديثه. هذا هو لسان حال شيخ الأزهر في خطابه، وكأنه أراد أن يريهم علمانيته بوضوح والتزامه بالوثيقة التي وقع عليها سابقا مع بابا الفاتيكان عندما تحدث عن الدين والوحي السماوي والإيمان بالدين وأحكامه دون الإشارة للإسلام وأن هذه أحكامه وأنها واجبة التطبيق في دولة إسلامية يعرفها شيخ الأزهر ويعرف شكلها الشرعي ويدرك وجوب وحتمية إقامتها.
لقد قسم الإسلام الملكيات إلى ثلاث؛ منها الملكية العامة وتشمل المياه التي أشار إليها شيخ الأزهر هنا وهي الأعيان التي جعل الشارع ملكيتها لجماعة المسلمين، وجعلها مشتركة بينهم، ومنع الأفراد من تملكها، وهي تشمل كل الموارد الدائمية وشبه الدائمية وليست المياه فقط، فمنها المعادن المدفونة في باطن الأرض من نفط وغاز وذهب وحديد وغيره، ومنها الكهرباء ومولداتها ومحطاتها، فكل هذه وأمثالها ملكية عامة مملوكة لجماعة المسلمين، مشتركة بينهم، وتكون مورداً من موارد بيت مال المسلمين، توزعها الدولة عليهم، وفق الأحكام الشرعية، فهل تفعل الدولة المصرية ذلك يا شيخ الأزهر؟! ألا تفرط الدولة في نفط مصر وغازها وحتى مائها يا شيخ الأزهر؟! إن الدولة وإن كانت هي التي تقوم بإدارة الملكية العامة، إلا أن كل ما كان داخلاً فيها من مثل النفط، والغاز، والمعادن العدّ، والبحار، والأنهار، والعيون، والساحات، والأحراش، والمراعي، والمساجد، فإنه لا يجوز للدولة أن تملّكه لأحد، فرداً كان أو جماعة أو شركة؛ لأنّه ملك لعامة المسلمين، فما الذي يفعله النظام المصري بنفط مصر وغازها وذهبها؟ ألم يملّك هذه الثروات لشركات الغرب الرأسمالية بما يسمى منح حق الامتياز؟ حتى العقود بين الدولة وهذه الشركات لا يعلم أهل مصر عن بنودها شيئا!
يا شيخ الأزهر! إن ما تكلمت عنه من أحكام هي من شريعة الإسلام التي تعلّم ولا توجد في دين آخر وإن كان سماويا، فقد أنزل الله نبيا خاتماً بدين خاتم مهيمن على غيره من الأديان والرسالات، فعندما نتكلم عن وحي وشريعة وأحكام يجب نسبتها إلى هذا الدين الخاتم وهو الإسلام بأحكامه وشريعته الواجبة والتي تعلم أنت قبل غيرك وجوب تطبيقها في ظل الدولة الإسلامية، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
يا شيخ الأزهر! لقد فرط النظام المصري ورأسه في كل حقوق مصر وعلى رأسها مياه النيل ليرضي عنه هؤلاء الذين تخاطبهم وتسميهم بالجهات المسؤولة محليا ودوليا، وكل تفريط في حقوق مصر تم ويتم برعايتهم بل وبإشارة منهم، وهم الناهب الأكبر لثروات البلاد وخيراتها ولا يعنيهم أهل مصر لا من قريب ولا من بعيد، بل لا يعنيهم إلا كم ينهبون من ثروات مصر وغير مصر.
إن العلاج الوحيد لأزمة المياه ضمن إطار الأحكام الشرعية يوجب ضمان أن تكون كل منابع الأنهار تحت سلطان الدولة وهي وحدها المتصرف فيها وصاحبة السلطان والسيادة عليها، ولو تطلب هذا الأمر إعلان الحرب وخوضها حتى لا يتحكم أحد في أقوات المسلمين ومائهم، إلا أن هذا الإجراء وهذا التفكير لا يقوم به حكام عملاء مهمتهم ووظيفتهم التي وجدوا من أجلها هي رعاية مصالح الغرب وتمكينه من ثروات بلادنا، ولكن تقوم به دولة مبدئية سلطانها ذاتي تحمل مشروعا لرعاية شئون الناس بأحكام الإسلام.
ولهذا نجزم أن خلاصة القول في أزمة المياه وغيرها أنها كلها أعراض لمرض الأمة الحقيقي وقضيتها المصيرية وهو غياب دولة الإسلام، الخلافة، عن الوجود وتفرق الأمة وتقسيمها إلى كيانات مهترئة أسموها زورا وبهتانا دولا بينما هي حظائر وسجون تحيط بأبناء الأمة تمنعهم من المطالبة بحقهم الأصيل في أن يحكمهم الإسلام في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
ولهذا فكل علاج يطرح دون الإشارة لوجوب توحيد الأمة وتوحيد قوتها وثرواتها وقراراتها في دولة إسلامية واحدة هو ضرب من العبث، فعودة الأمة لشرع ربها هو الحل الحقيقي والوحيد لكل مشكلات الأمة والضمانة الوحيدة لرفاهية الناس ورغد عيشهم، وهو ما يجب أن يكون طرحك ومدار حديثك وخطابك يا شيخ الأزهر، ومثلك كل شيوخ الأزهر وعلماء مصر حتى تقام للمسلمين دولة عزهم الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. عجل الله بها اللهم اجعل مصر حاضرتها واجعلنا من جنودها وشهودها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع