لقد ابتليت الأمة الإسلامية منذ هدم الخلافة الإسلامية وحتى يومنا هذا بالكثير من البلايا، ابتليت بعدو كافر مستعمر نَهِم لا يرقب في إنسان إلاًّ ولا ذمة ولا همَّ له إلا مصالحه ولو على حساب ملايين الأرواح من البشر والشجر، وابتليت بحكام عملاء أذناب لا همَّ لهم في هذه الدنيا إلا أن يكونوا عبيدا مخلصين لأسيادهم الذين يسيرونهم كيفما شاؤوا، فهم ينفذون مخططاتهم ليل نهار دون أن يفكروا ببلادهم وأبناء بلادهم، بل لا هم لهم إلا رضا أعداء بلادهم المستعمرين، وابتليت بمشايخ سلطة، لا عمل لهم ولا فتوى إلا تزيين ظلم الحاكم وقلب شرِّه خيراً وخيانته أمانة وإجرامه شهامة، وابتليت بوسائل إعلام تنطق بلغتها لتحارب هويتها وتقلب أدمغتها، فتصور الشيطان ملاكا والوحش وديعا، وابتليت بأحزاب سياسية تدور مع مصلحتها حيث دارت ولو كانت مصلحتها بالتحالف مع الشيطان وتزيين شيطنته، لوجدتهم يزمرون للشيطان وينظمون فيه الأشعار..
إن كل ما سبق نراه متجسدا واقعا حقيقيا نراه بأعيننا ونسمعه بآذاننا في اليمن، الذي كان سعيدا، قبل أن يجتمع فيه المذكورون أعلاه، فنرى الكفار المستعمرين يتصارعون على خيراته وعلى ثرواته ويحرقون من أجل مصالحهم أبناءه وأرجاءه، أخضره ويابسه، ويسخّرون في حربهم أذنابهم الحكام العملاء، لينفذوا لهم مخططاتهم كما يرسمونها لهم بأموال المسلمين وأهليهم، فيحرقون أراضي المسلمين وأبناءهم وثرواتهم وأموالهم من أراضي المسلمين وبأبنائهم وثرواتهم، ثم يستخدمون وسائل الإعلام لتجعل الظالم مظلوما والمظلوم ظالما والمقتول قاتلا والقاتل مقتولا، فتغير الحقائق وتزيف البدهيات، ثم تأتي أحزاب المصالح لتهتف وتصفق وتتآمر، وبعد ذلك كله يخرج من يلبس الحق بالباطل فيفتي ويبارك..
إن محاولة تصوير عاصفة الخزي والخيانة، عاصفة إلقاء أبناء الأمة في أتون الاقتتال الداخلي فيما بينهم بينما يسرح أعداء الأمة ويمرحون في بلاد المسلمين، على أنها حرب الأمة العظيمة وجهادها المنتظر، وخلاصها الموعود، لهو أخون خيانة، وأسذج سذاجة وأكبر أكذوبة..
• فإن قيل هي حرب لإعادة "الشرعية"، فهل هي شرعية دين الله وأحكامه التي لم تطبق يوما في عهد هادي ومَنْ قبله، أم هي شرعية نفوذ الكافر المستعمر الذي نصب هادي حاكما ليلتف على ثورة أبناء الأمة ويجهضها ويبعد عنها دين الله؟ فإن كانت الأولى غير موجودة أصلا لأن دين الله لم يكن هو المطبق في حقبة هادي ومن قبله بل كان يُحارَب جهارا نهارا، فلم يبق إذن سوى الشرعية الاستعمارية الشركية، فهل يخوض أبناؤنا حربا من أجل تكريس أحكام الكافر المستعمر؟..
• وإن قيل هي حرب للجم إجرام الحوثيين ووقف إفسادهم في البلاد، فسبحان الله العظيم! وهل سألنا أنفسنا من فتح الباب للحوثيين ليعيثوا في البلاد فسادا دون أي مقاومة تذكر من أجهزة الدولة وجيوشها؟ وهل أجرم الحوثيون الذين لا يشكلون عددا ولا نسبة ولا يملكون سلطة من أبناء اليمن أكثر مما أجرم من يحاربهم ممن تعج سجونهم بالمظلومين من المسلمين المخلصين، وتغرق صفحاتهم في دماء من قتلوهم من المسلمين؟ أم أجرموا أكثر من بشار والسيسي؟..
• وإن قيل أنه قتال لتحرير اليمن من قبضة الحوثيين، فالله أكبر، هل حُررت فلسطين من قبضة يهود حتى نحرر اليمن من بضعة مجرمي عصابة مسلحة؟
• وإن قيل هي حرب لنصرة مستضعفي اليمن من بطش الحوثيين، فماذا نقول عن مستضعفي الشام ومصر وفلسطين وبورما والعراق وأفغانستان وإفريقيا وباقي بلاد المسلمين، فهل أجرم الحوثيون أكثر من يهود وأمريكا وبريطانيا وبشار والسيسي والمالكي وبوذيو البورما؟ وهل نصرة أهل اليمن واجب وباقي المسلمين لا نصرة لهم؟ وهل تكون نصرة أهل اليمن بإطلاق الطائرات لقصفهم، فبدلا من أن يحتموا من إجرام الحوثيين على الأرض سيبحثون عن حماية من الأرض ومن السماء، وحسبنا الله ونعم الوكيل..
• وأخيرا، فإن قيل هي جهاد في سبيل الله لقتال الوثنيين، فلا نملك سوى أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، حيث قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَاأَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾ فهي حقا مصيبة أن نر ىهكذا أقوال، ليست إلا ضحكا على بعض اللحى، أو من بعض اللحى على أتباعهم، فلا الحكومة السعودية أعلنت الجهاد أو أنها تقاتل لأجل العقيدة بل كان كلامها واضحا أنها تريد عودة الشرعية والمفاوضات، ولا القذائف التي تلقيها الطائرات تميز رأس مسلم شيعي من مسلم سني، وهل القتال ضد أتباع الإثنى عشرية، هو قتال ضد وثنيين؟؟!! ولوقالوا بذلك فلماذا لم يجاهدوا بشار وهو يقتل في المسلمين منذ سنوات؟ فهل يقول ذو عقل بمثل هذا القول وهو ير ىسكوت نظامه عن اليهود في فلسطين والصليبيين في كل مكان؟ ثم بعد هذا التناقض العجيب يخرج علينا من يفتري على دين الله في قول هو جهاد في سبيل الله!! ولاحول ولا قوة إلا بالله..
في مقابل ذلك، وعلى الطرف الآخر نجد من يصرخ تنظيرا وتنديدا بهذه الحرب حزنا على الحوثيين ليظهرهم بمظهر المعتدى عليهم ويتغافل أنهم كمن يقاتلهم مجرمون يتاجرون بأراضي الأمة الإسلامية وخيراتها ودماء أبنائها من أجل إرضاء أسيادهم الكفار وتنفيذا لمخططاتهم، كما يخرج علينا من يقول لو كانت الحرب ضد يهود لكنا جنودا فيها، في نفس الوقت الذي يحمي جنوده يهود، ويذبحون المسلمين في الشام..
فليعلم هؤلاء كلهم أن أكاذيبهم وأخاديعهم لم تعد تجدي مع أمة آن أوان استيقاظها.. فالمخلصون الواعون من هذه الأمة يزدادون وعيا على أن هؤلاء ليسوا إلا أدوات لتنفيذ مخططات أسيادهم، وأن لا خير فيهم ولا في حروبهم ولا مؤتمراتهم ولا خطاباتهم، وأن الأمة ستلفظهم وتتخلص منهم قريبا بإذن الله، وليتق الله المشايخ والعلماء وليستيقظ الجاهل الغافل منهم، وليعلم أن الساذج الذي لا يستطيع قول ما يمنع تنفيذ مخططات الكفار وتوحيد المسلمين في وجههم لا يحق له التجرؤ على دين الله، فلينكفئ جانبا ويصمت، وليترك مخلصي الأمة يقودون أبناءها نحو ما يوحدهم في وجه أعدائهم وأذناب أعدائهم، فيقودهم إلى رضا الله ورسوله..
رأيك في الموضوع