منذ أن بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وحتى هدم الخلافة العثمانية؛ أكثر من ثلاثة عشر قرناً من الزمان كان واضحاً عند الأمة أن تشريع الأحكام والقوانين هو حق الله وحده، ولذلك كان أساس كل تشريع في الحكم أو السياسة الداخلية أو الخارجية أو الاقتصاد أو الاجتماع أو غيرها؛ أساسه العقيدة الإسلامية فلا أحد يشرع ولو قانوناً واحداً حسب هواه، وإنما يرجع في كل أمر من الأمور إلى كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة أو القياس الشرعي، وطريقة إنزال الأحكام على الوقائع الجارية والحوادث المستجدة طريقة واحدة لم تتغير، ولن تتغير وهي؛ الاجتهاد الشرعي الذي يقوم على فهم الواقع المراد إعطاء حكم الله فيه دراسة وافية عميقة، ثم الانتقال للبحث في النصوص للخروج بحكم الله في المسألة؛ هذه هي الطريقة الشرعية الوحيدة التي كان عليها المسلمون طوال عصورهم عندما كانت لهم دولة تقوم على أساس عقيدتهم، وتسوسهم وترعى شؤونهم بناءً على أحكام الوحي وليس الوضع والهوى.
وهذا الذي قلناه؛ هو فرض على المسلمين، لا خيار فيه، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾.
وعندما هدمت الخلافة، منذ ما يقارب القرن من الزمان، تسلط الغرب الكافر على بلاد المسلمين، واحتلها ففرض دساتيره وقوانينه عليها، وأقام المدارس والمعاهد والجامعات على أساس وجهة نظره في الحياة؛ التي تقوم على فصل الدين عن الحياة، وبالتالي فصل الدين عن السياسة، وإقامة الحياة كلها وأنظمتها على أساس أهواء الرجال بل أهواء الكافرين؛ فكانت دساتير بلادنا السودان وغيره من بلاد المسلمين صورة مشوهة عن دساتير الغرب الكافر، وكانت القوانين التي تنظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجنائية وغيرها؛ قائمة على هذا الأساس الباطل الذي حذر منه المولى عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم والأمة بقوله: ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ فالأمر إما أن يكون حكماً بما أنزل الله كاملاً؛ دستوراً وقوانين وتشريعات، وإما أن يكون اتباعاً للهوى وفتنة يحذر الله منها، وهكذا عشنا عقوداً من الزمان نأخذ أحكامنا وقوانينا من حيث نُهينا؛ من الكافرين تاركين أحكام رب العالمين خلف ظهورنا، ولما كان الناس في هذا البلد يتوقون إلى الحكم بالإسلام، ويشتاقون إليه؛ رفع النظام البائد شعارات الإسلام؛ فدغدغ بها مشاعرهم، إلا أنه ظل مثله مثل باقي الأنظمة السابقة يقوم على الأساس الديمقراطي الجمهوري في الحكم، ويخضع لروشتات صندوق النقد الدولي القائم على الأساس الرأسمالي الجشع في الاقتصاد، إلا أنه أدخل بعض القوانين الحدية في العقوبات؛ مثل حد الردة رغم أنه لم يطبقه في أرض الواقع، بل تنصل منه في أواخر أيامه عندما تدخل الرئيس المخلوع البشير لإلغاء حكم الردة الذي أوقعه أحد القضاة على امرأة ارتدت عن الإسلام، وبعد سقوط النظام البائد تسلق بعض الحاقدين على الإسلام إلى السلطة، وبدأوا مراجعة القوانين مركزين على الأحكام الشرعية منها تحديداً كان آخرها هذه التعديلات التي أبرزها إلغاء حد الردة؛ ليس لأنهم يرون مخالفته للإسلام، وإنما مجاراة للغرب الكافر باسم الحداثة؛ حيث قال وزير العدل في اللقاء الذي أجراه معه تلفزيون السودان مساء السبت 11/7/2020م: "فإذا كان هنالك شخص يريد أن يغير دينه فأنت لا تملك الحق في قتله، هذا أمر غير مقبول في العصر الحديث"، وهذا طبيعي من نظام لا يقوم أصلاً على عقيدة الأمة؛ فيكفي هذا النظام بطلاناً الوثيقة الدستورية؛ التي هي أساس الأنظمة والقوانين؛ فإنها تقوم على أساس غير الإسلام بل على أساس الشرعية الدولية، التي هي شرعة كفر بلا جدال، وهؤلاء الحكام عندما قاموا بهذه التعديلات كان الغرض الأساسي هو إرضاء الكافرين وكان هذا واضحاً في تغريدة السفارة البريطانية في الخرطوم حيث قالت: "مبروك نساء السودان، المساواة والعدالة حقوق أساسية وليست عطية. وأضافت أنه يوم مشهود لنساء وفتيات السودان، لقد أصبح الختان جريمة". (السودان نيوز، 12/7/2020م).
فإننا بوصفنا مسلمين، يجب أن نستسلم لحكم الله الذي يعلو ولا يعلى عليه، وهو أن من ارتد عن الإسلام بالغاً عاقلاً دعي إلى الإسلام ثلاث مرات وضُيق عليه فإن رجع وإلا قتل؛ هذا هو حكم الله لا معقب لحكمه ولا راد له، يقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، ويقول الرسول ﷺ في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وروى البيهقي والدارقطني: (أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها أم قرفة كفرت بعد إسلامها فلم تتب فقتلها). وهنا نحذر أولئك الذين يبحثون عن مبررات لهؤلاء الحكام العملاء أن الله سبحانه يقول لكم: ﴿وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾.
ختاماً نقول: إننا مسلمون عبيد لله عز وجل ولسنا عبيداً لأحد يشرع لنا من دون الله، وعلى المسلمين في هذا البلد أن يثوروا ليس من أجل إلغاء بعض أحكام الإسلام فقط، وإنما من أجل إسقاط أنظمة الظلم والجور التي تأخذ حق الله في التشريع، وتعبد الناس لغير رب الناس؛ فما تقوم به هذه الحكومة أمر طبيعي في ظل سكوتنا على تأسيس الحياة كلها على أساس دساتير وضعية باطلة، وعندما سلمنا أمورنا إلى عملاء الغرب الكافر يقودوننا بحضارته الآسنة.
إن الحق الذي يجب أن يعمل له كل مسلم غيور على دينه يتطلع إلى مرضاة ربه، ويسعى لإحداث تغيير حقيقي يحيل حياة الضنك التي نعيشها إلى حياة آمنة مطمئنة؛ هو أن يعمل مع العاملين لإقامة دولة الإسلام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة؛ فهي وحدها القادرة على أن تعيد الحياة حياة إسلامية؛ فتزيل التشوهات القانونية من حياتنا، وتضع الدستور الذي مصدره الوحي موضع التطبيق والتنفيذ، وتسن جميع التشريعات والقوانين على أساس الوحي العظيم، وتقطع يد الكافرين العابثين ببلادنا وبلاد المسلمين الطامعين في كفرنا بتبديل شرع الله القويم بشرعة الطاغوت، يقول الله عز وجل: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾.
إن شرف العصر ينتظر الرجال الرجال ليعيدوها خلافة راشدة على منهاج النبوة محققين وعد الله القائل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ وبشرى رسوله عليه الصلاة والسلام القائل: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع