المظاهرات والاحتجاجات ضد النظام الحاكم في السودان تدخل أسبوعها الرابع، في ظل استقطاب حاد من القوى السياسية لتوجيه دفة الحراك لصالحها، فبعد أن كانت حركة الجماهير في بدايتها عفوية، سببها الظلم الذي لحق بها جراء ارتفاع الأسعار، الذي ظل يسير في حركة تصاعدية يومية بلا كابح، إضافة إلى شح الوقود والنقود، حتى صار منظر الصفوف أمام محطات الوقود والمخابز، وصرافات النقود منظراً مألوفاً، والحكومة عاجزة عن الحل، تدعو الناس للصبر، وتعدهم بحلب السحاب حتى ضاق الحال بالناس، فانفجروا متظاهرين محتجين. هنا بدأت بعض الأحزاب السياسية والقوى المعارضة للنظام في الظهور، محاولة قيادة التظاهرات، وكان واضحاً أن هناك تياراً علمانياً صريحاً يحاول سرقة الثورة التي قامت ضد الظلم والفساد، لتتحول الشعارات إلى إسقاط النظام و"حرية وعدالة وسلام"، وغيرها من الشعارات، فاستشعر النظام بالخطر فحشد مؤيديه في الساحة الخضراء لإرسال رسالة للعالم وللمعارضة معا أنه ما زال قوياً، وأن له حشوداً تسانده. وفي هذا الحشد قال البشير: (إن هناك جهات تتآمر على السودان وتسعى لتركيعه)، مؤكداً (وجود أجندات خارجية تسعى لتدمير السودان... وأن المتظاهرين ضد الحكومة هذه الأيام يدارون من دول معادية للسودان). إلا أن الحراك لا زال مستمراً، وما زال الكر والفر هي السمة الغالبة، وسقوط الضحايا بين قتيل وجريح جراء كل حراك وتظاهرة مستمرا، ويبدو أن النظام الذي أعياه هذا الحراك، وفشل في معالجة أسبابه حتى اليوم، إلا من الوعود التي لا يثق فيها الناس من كثرة ما وُعدوا به دون إيفاء، فبدأت لهجة بعض منسوبي الحزب الحاكم تتجه إلى التهديد والوعيد، فالنائب الأول السابق، علي عثمان محمد طه، والأمين العام السابق للحركة الإسلامية يقول في هذا السياق: (كتائبنا جاهزة للدفاع عن النظام بأرواحهم)، ثم جاء حديث الفاتح عز الدين، أمين أمانة الفكر والثقافة بحزب المؤتمر الوطني، ورئيس لجنة مناصرة رئيس الجمهورية، الذي هدد المشاركين في هذه الاحتجاجات: (أدونا أسبوع والراجل تاني يمرق، وأي زول شايل سلاح حنقطع راسو)، وكعادة أهل هذا النظام الظالم الذي لم يحكم يوماً واحداً بالإسلام، فإنهم دائماً في الملمات يلجأون لدغدغة المشاعر بالإسلام، فقد قال الرجل في المكان نفسه الذي هدد فيه: (سعينا لله ولن نحيد، ونحن إخوان مسلمون ولن نلاقي الله على نفاق).
إن السودان مثله مثل بقية بلاد المسلمين، دولة وظيفية، مهمتها تنفيذ مخططات الغرب الكافر المستعمر، سياسياً واقتصادياً...الخ ، فبالرغم من أن هذه البلاد غنية بثرواتها الظاهرة والباطنة، إلا أنها تعيش فقراً مدقعاً بسبب السياسات المفروضة على أهله؛ ففي مجال السياسة يُحكم السودان بالنظام الجمهوري، الذي خلفه الاستعمار الإنجليزي، وهذا النظام مهمته تنفيذ ما يفرضه الغرب عبر مؤسساته السياسية، ولن نذهب بعيداً لندلل على هذا القول، فما سمي بالحوار الوطني، وما تمخض عنه، كان أجندات أمريكا في السودان، فإن المبعوثين الأمريكيين كانوا يفتشون لجان الحوار حتى نهايته، والاطمئنان على السير حسب البرنامج الموضوع لهم... وقبلها كان فصل الجنوب برعاية أمريكية وتنفيذ من النظام، فقد اعترف البشير بأن أمريكا هي من فصلت جنوب السودان! وكل متابع للسياسة يعلم ذلك، ولكن من هم الأدوات؟! لقد كان نظام البشير ومتمردو جنوب السودان هم الأداة التي بها مزقت أمريكا السودان وهيأت باقي أقاليمه للتمزيق والتفتيت. أما في الناحية الاقتصادية فمعلوم أن البنك الدولي هو الذي يرسم للدولة في السودان سياساتها الاقتصادية، ويكمل الدور صندوق النقد الدولي بروشتاته الكارثية، وهي السياسة والروشتات ذاتها التي أوصلت البلاد إلى هذه المرحلة؛ من الأزمات التي صُنعت بعناية فائقة من أمريكا وصويحباتها، للسيطرة على مقدرات السودان وثرواته.
فإذا سارت الأمور هكذا دون تفكير في حل جذري ينهي هذه الدوامة التي نعيش فيها لأكثر من ستة عقود من الزمان هي عمر ما يسمى بالدولة الوطنية (حكومة حزبية، فانقلاب عسكري، فثورة، فحكومة حزبية، فانقلاب عسكري، فثورة شعبية، فحكومة الأحزاب، فانقلاب عسكري فثورة...) إن الحل الجذري في فكرة سياسية واضحة تقوم على مبدأ الأمة؛ مبدأ الإسلام العظيم، فتعيد الأمور إلى نصابها، باعتبار أن أحكام الإسلام هي أحكام رب العالمين، خالق البشر أجمعين، ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، إن الحاكم في الإسلام لا يحكم بتشريع من عنده، أو بتشريع غيره من البشر، وإنما يحكم بشرع الله، فهو إذن منفذ للشرع، وخادم للأمة، يرعى شئونها بأحكام الإسلام، فالحكم في الإسلام ليس (كيكة) كما يقول السياسيون اليوم، وإنما مسئولية وأمانة كما قال النبي e: «وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» رواه مسلم.
لذلك فعلى الذين ثاروا على النظام أن يطالبوا بتحكيم شرع الله حتى لا يُخدعوا كما خُدعوا في تشرين أول/أكتوبر 1964م، وفي نيسان/أبريل 1985م، عندما ثار الشعب على أنظمة الفساد، فعاد الأمر اليوم كما كان. إن تحكيم شرع الله هو المخرج للعيش الكريم في الدنيا، والفلاح في الآخرة... وها هم شباب حزب التحرير بينكم ومعكم، يرشدونكم إلى ما فيه صلاحكم، فاعملوا معهم من أجل التغيير الحقيقي، الذي هو فرض فرضه الله علينا جميعاً لنعيش بالإسلام، قال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، وقال سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾، والحكم بالإسلام في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هو وعد من الله سبحانه القائل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، وبشرى المصطفى e القائل: «... ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع