خلال لقاء رئيس الوزراء العراقي العبادي بالقيادات الأمنية والعسكرية - للتهنئة بمناسبة عيد الفطر - أكد على أهمية استمرار حيادية القوات المسلحة، وإبعادها عن الخلافات والصراعات السياسية، وأن تقوم بعملها لحماية المواطنين. وجدد تأكيده على "حصر السلاح بيد الدولة، وأن أي سلاح خارج هذا الإطار يعد سلاح تعدٍّ وفوضى، وأن العمل جار لتنفيذه". وأن "المعركة التالية ستكون مع الفساد، ووجوب إبعاد المؤسسة الأمنية عن مظاهر الفساد، وإبقائها نزيهة وفوق الشبهات"، وأن "التحقيق جار في أي شبهة". (شفق نيوز).
لقد دأب العبادي على رفع شعار مكافحة الفساد منذ توليه رئاسة الوزراء عام 2014، وروج الإعلام المأجور - حينها - أن الكافر المحتل يدعم العبادي في حملته لمكافحة الفساد بكل صوره. وهو زعم باطل إذ لو كانت أمريكا تريد الإصلاح، ما سلّمت مقاليد الحكم لأمثال هؤلاء الأذناب، ولمكّنت رئيس الوزراء من خصومه الفاسدين، ليلقوا جزاءهم العادل بكل شفافية..! وكذلك الادعاء بأن المرجعية (الشيعية) وقفت خلفه بالتأييد، فلم يستفد منه، سيما وأن العبادي استمرأ الفساد وأعان أربابه، أو قُل تستّر عليهم. فلماذا لم تصدر فتوى بسحب الثقة عنه كما أصدرت فتوى (الجهاد الكفائي) لقتال تنظيم الدولة؟! ولمّا يئس الشارع أن يرى أثرا لإصلاحاته الموعودة، أدار ظهره، وبات العبادي مادة للتندر والسخرية، مع أن المحتل كان قد تبنى حملة لتسويقه مخلّصا للشعب مما أصابه من عسف وطائفية، وأنه سيقود سفينة البلاد إلى بر الأمان..! لا سيما بعد الخراب الشامل أثناء ولاية سلفه المالكي الذي عم فساده وطمّ خلال ثماني سنوات شداد، إذ قام بتسليم ثلث مساحة العراق - شمالا وغربا - لعدة مئات من أزلام تنظيم الدولة بأوامر أمريكية لتمزيق نسيج العشائر (السنية) وتخريب ديارهم، وإغراق البلاد في معارك وهمية دمرت الاقتصاد والبنى التحتية.
ولو أنعمنا النظر في سياسة العبادي لأدركنا أن فشله في اقتلاع الفساد وإصلاح أوضاع العراق، كان متوقعا.. ذلك أنه من حزب الدعوة نفسه الذي اختاره المحتلون لتدمير البلاد ونهب خيراتها، فعن أي إصلاح يتكلم؟! ألم يكن تابعا ذليلا لأسياده الأمريكان في تنفيذ كل مشاريعهم وخططهم الخبيثة، التي تمثلت في التزام الدستور الجائر واعتباره مرجعا لحل الأزمات؟ ألم يساهم في تكريس الفساد المالي والإداري الذي تمثل في توقف المشاريع المنتجة، وانسداد أفق التنمية، وانعدام فرص النهوض باقتصاد البلد، أو تخفيف وطأة البطالة والكساد؟ ألم يوافق الكافر المحتل في ترويج كذبة تنظيم الدولة - وهي صناعة أمريكية خالصة بدعم إيراني - فأزهق أرواح الأبرياء وهدم الدور فوق رؤوسهم، وأغرق العراق في ديون فلكية سيعجز عن سدادها؟
ولنعد الآن لخطط العبادي ووعوده بمطاردة الفساد والمفسدين، التي أطلقها - مرة أخرى - لا لينفذها، بل ليزيد مساحة الدعاية لنفسه كصاحب أعلى رصيد في الفوز بولاية ثانية حسب إعلامنا المسيس، وجمهورنا المضلل، الذي تقاسمته الأحزاب وقادة المليشيات:
أولا - أما تأكيده على حيادية القوات المسلحة، وإبعادها عن الخلافات والصراعات السياسية فمحض خيال وأحلام يقظة؛ ذلك أن عناصر القوات الأمنية - ابتداء - موزعة الولاء بين الكتل والأحزاب السياسية، فليس لجيش العراق وقواته الأمنية بكل صنوفها عقيدة عسكرية واضحة المعالم، لا سيما بعد الخراب الشامل الذي أصاب البلاد وسائر مؤسساته، فضلا عن جمٍّ غفير من عناصر المليشيات إيرانية الهوى والتمويل والتوجيه، تم دمجهم في المؤسسة العسكرية، حتى بات ولاؤها لا لشعب العراق بكل أطيافه بل لطائفة منهم دون غيرهم..! فعمّ يتشدق العبادي؟!
ثانيا - وأما عزمه على حصر السلاح بيد الدولة، وإلا كان تعديا وفوضى، فكذلك هو من قبيل التدليس وخلط الأوراق لغايات خبيثة تضمرها الطغمة الحاكمة الممسكة بمفاصل الحكم الحقيقية. والبرهان على ما ذهبنا إليه، أن حملات كثيرة وكثيفة قامت بها مجاميع موالية للمحتل في بداية الاحتلال، وما تلاه من مناسبات لجمع الأسلحة من المناطق (السنية) حصرا، وعموم المناطق في العاصمة وغيرها بمستويات أخف..! وعلقت يافطات على مداخل الأحياء السنية بعبارة "المنطقة منزوعة السلاح"، أما سواها (الشيعية) فهي ثكنات ومعسكرات ومخازن تحوي كل أنواع الأسلحة الثقيلة بعتادها، والصواريخ والمدرعات وناقلات الجند..! ولم تزل حوادث تفجّر العتاد المخزون بين الدور السكنية تفتك بالأرواح وتخرب العمران، لكنها تقابل بالصمت والتكتم..! فالمليشيات والأحزاب الشيعية هي من يمتلك السلاح خارج نطاق الدولة.
وختاما، فإن شعب العراق سيبقى في تقلبه من سيئ إلى أسوأ، ولن ينقذه من الظلم والتبعية إلا حاكم رباني يرعى شؤونهم بتطبيق شرع الله تعالى، ويحمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد في ظل دولة العزة والكرامة، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي ستطهر بلاد المسلمين من أوساخ الكفار، وتضع حدا لبغيهم وإذلالهم لهذه الأمة الكريمة... ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد الرحمن الواثق – العراق
رأيك في الموضوع