منذ أن أعلنت أول صرخة في الشام المباركة في آذار لعام 2011، ومنذ أن أعلن أهلها كسرهم لقيود الولاء لسفاح العصر وعميل الغرب الكافر، ومنذ أن رسم أهل الشام مشروعهم والضربات تتواصل عليهم والمؤامرات تنهال والمكائد مستمرة وتنتقل ما بين تركيا وقطر والسعودية وفينا وآخرها أستانة.
مكائد ومؤامرات جل همها واهتمامها كسر إرادة أهل الشام وحرفهم عن توجههم وفطرتهم الإسلامية، لم تفصح في بدايتها عما تحوك من خبث لأهل الشام بل كانت تظهر حرصا لها بالمحافظة على دمائهما وحقوق أهلها.
فمن بدايات تشكيل المجلس الوطني في 2 من تشرين أول لعام 2011 حتى الوصول لتشكيل ائتلاف قوى المعارضة السورية كانت محاولات لسرقة تضحيات أهل سوريا سياسيا.
وكان في حينها العمل بخفية من قبل المتآمرين بإظهار حرصهم أنهم مهتمون بمطالب أهل الشام وداعمون لهم والذي سرعان ما تغير بعد أن كشف أهل الشام كيد هذا الحرص بإظهار وعيهم بأنه ليس إلا لسرقة ثورتهم والتضحيات التي بذلوها في سبيل ما وصلوا إليه من اشتداد عودٍ وثقةٍ بأن نصرهم قد اقترب.
تطل حلقة جديدة من سلسلة التآمر على هذه الثورة اليتيمة كان مسرحها هذه المرة من عند من اعتبره الكثير من الثوار وعلى مر سنوات مضت بأبرز الداعمين لهم، والذي كانت خطاباته الرنانة وتباكيه على أهل الشام بارزة في كل ظهور له من تركيا التي كشر فيها النظام الأردوغاني الحاكم بأنه ليس إلا جزءاً من حلقات سلسلة التآمر التي يصوغها الغرب الكافر على أهل الشام وثورتهم.
واضعاً يده بيد الروس الحاقدين الذين أذاقوا أهل الشام حمم أسلحتهم الفتاكة ودعمهم المطلق لسفاح دمشق بمؤتمرهم الذين دعوا له بالعاصمة الطاجيكية أستانة، الذين قبل أن يُدعوا له مارسوا ألاعيبهم القذرة كل بحسب دوره المرسوم له لبدوّ المشهد كما يريدون حصرا منهم على إنهاء معاناة أهل سوريا وإيقاف مسلسل مآسيهم.
يأتي مؤتمر الأستانة في ظل اتفاق مسبق بين الأطراف الراعية لأزلامها في الداخل بهدنة كانت وكعادتها من قبل طرف واحد اكتفى بتسجيل خروقات الطرف الآخر والذي كعادته استغل تبعية الفصائل لداعميها ليزيد رقعة سيطرته على مزيد من الأرض والتي كانت الضحية هذه المرة وادي بردى الذي استخدم فيه نظام أسد كافة أنواع الأسلحة ليسيطر عليها والتي انتهت وكالعادة بمفاوضات قد تفضي إما لصلح وبتسليم السلاح الثقيل والعفو عن البقية بغية القضاء عليهم لاحقاً، وإما بإفراغ المنطقة من أهلها ونقلهم لمنطقة ثانية كما فُعل بباقي المناطق كداريا والمعظمية وغيرها، كما وأنه قد بدأ عملية واسعة بريف دمشق الشرقي والذي يعد أكبر تجمعات الجيش الحر مستغلا عامل عزل المناطق عن بعضها التي يستغلها عند عقد كل هدنة معه ليتقدم بذريعة وجود فصائل إرهابية مستثناة من الهدنة المفروضة.
تأتي كل تلك الأعمال في ظل تطمين مستمر من قبل الثعلب الأممي ستيفان دي مستورا لقوات أسد بأن تمارس عملها بكل راحة وطمأنينة بقضم المنطقة تلو المنطقة وأن الهدنة ما زالت قائمة لم يتخللها إلا القليل من الخروقات التي لا تؤدي لتكون سببا لإعلان فشلها، وأن جل قلقه ليس إلا من جهة المعارضة التي كانت سببا بمنع خبراء ومختصين معالجة مشكلة مياه الفيجة المغذية لملايين الناس في دمشق من خلال منعها قوافل خبراء أمميين ومهندسين من إصلاح الأعطال الفنية التي أصابت شبكة المياه والتي بفعلها هددت الناس بحرمانهم من مياه الشرب نتيجة المعارك التي يفتعلونها بمنطقة وادي بردى والفيجة والتي على إثرها تم عقد مؤتمرين في موسكو وتركيا الأطراف الداعمة للهدنة لدفع الأطراف لحل الأمر كي لا يتعكر صفو المجتمعين ولتبقى الهدنة سارية المفعول.
ويأتي عقد مؤتمر الأستانة بعد مسرحية حلب التآمرية والتي كان الهدف منها والغاية كسر شوكة أهل الشام بإسقاط أبرز معاقل ثورتهم المباركة، المسرحية التي كانت بعض الفصائل جزءاً منها؛ تلك الفصائل التي احتضنها أهل حلب وتحملوا فاتورة احتضانهم دماء سفكت وأعراض انتهكت ودور دمرت، فصائل بذل لأجلها الكثير، كل تلك المسرحية ما كانت إلا لتظهر للناس مدى قوة النظام وأحلافه وإمكانية استعادة أي معقل من معاقل المعارضة ودون أي جهد يذكر، ولكن أهل الشام وكعادتهم تجاوزوا محنة سقوط حلب كما غيرها بل كان سقوطها سبباً ليسقط خلفه كل خائن عميل مرتاب وسببا لإعادة روح الثورة لصدور أبنائها الذين خبت في صدورهم.
يأتي مؤتمر الأستانة في ظل ظروف إنسانية صعبة لا تتوفر فيها أدنى درجات العيش يعيشها أهل الشام يوميا وعلى كافة الصعد نتيجة الضغط الدولي عليهم ليكسر صمودهم ويجبرهم أن يخضعوا لما قرره الغرب الكافر كمصير لثورتهم بأنها يجب أن تنتهي سياسيا كما رسموا وخططوا لها بحسب مقررات مؤتمراتهم التآمرية التي عقدوها بدءاً من جنيف1 وجنيف2 ومؤتمر فينا وآخرها الأستانة.
مؤتمر كشفت التحضيرات له واقع الداعين والمشاركين فوضح دور تركيا كمتحكم بقرارات الفصائل ودور مالها السياسي بمصادرة القرار، وأنها لم تعدُ عن كونها تستغل ذلك لتنفذ أجندة سيدتها وربيبتها أمريكا وأنها لا تستطيع تعدي الدور المكتوب لها، وأوضح أن الفصائل المدعومة من قبلها لا تملك سوى أن تنفذ ما يختاره داعمها، وبان ذلك خلال تصريحات رئيس الاستخبارات التركي الذي اجتمع بالفصائل وقرر عنها الحضور دون شروط، وأوضح دور روسيا كرجل مقاولات ينفذ فقط المخططات التي تصله ولا يملك من أمره التعديل عليها ومدى وضاعة نظام الأسد الذي لم ينبس ببنت شفة عما قرره المقاول ومن خلفه سيده، وأظهر أنه لا دور للمعارضة السياسية إلا الموافقة والقبول بما سيتم التوصل إليه.
يأتي عقد مؤتمر الأستانة بعد كل الذي مر على أهل الشام من قصف وتدمير وقتل وتشريد والذين لا ترى فيهم إلا صمود الجبال الرواسي وكأنه لم يمر عليهم شيء، نعم إنها الثورة الكاشفة الفاضحة التي لم تبق من الخائنين المرتابين أحداً إلا وأظهرت سريرته وكشفت زيغ حرصه عليهم.
كل ذلك الذي حصل على مر ست سنوات كان في ظل معارضة عميلة هزيلة لا تملك من أمرها إلا السمع والطاعة بعد ممانعة مصطنعة علها تنجح بإلباس خداعها على أهل الشام، ولكن أمرها بات مكشوفا واضحا بعبوديتها لسيدتها الراعية أمريكا.
وفي ظل فصائل امتلكت وامتهنت ومارست دين المصلحة والمفسدة لتبرر للناس أفعالها فضح الله سريرة ما يدعون وعراها، أما أهل الشام فأسقطوا عنها الشرعية وأرفقوها في صف أعدائهم.
كل أولئك تم دعوتهم للأستانة ليقرروا مصير ثورة أهل الشام؛ من سفاح لا يرتوي إلا من دماء أطفال الشام، إلى معارضة هزيلة عميلة ذليلة، إلى فصائل مكشوفة مفضوح واقعها، إلى دول عميلة تنفذ أوامر أسيادها، إلى منظمة أمم ومبعوثين قد أخذوا دورهم بمسلسل التآمر، إلى دول حاولت أخذ نصيبها من معاناة أهل الشام ففشلت فآثرت الحضور لتحافظ على ما بقي من ماء وجهها، حتى الوصول للاعب الأول بالمشهد السوري أمريكا المخطط والراعي والموجه.
كلهم سيجتمعون ليقرروا مصير أهل الشام وشكل نظام حياتهم الذي سيعيشون وفقه.
ولكن لأهل الشام رسالة يوجهونها للمؤتمرين أن تبا لكم ولمؤتمراتكم وللمقررات التي ستصدرونها فقد أعلنا هويتنا وحددنا نظامنا أن لن يكون إلا خلافة راشدة على منهاج النبوة مهما حاولتم تشويهها ومهما صدحت حناجر زعمائكم بمحاربتها كما ذكر لافروف، فهذه هويتنا التي مات تحت رايتها أجدادنا والتي بذل لأجلها رسول الله r حياته لتكون، فلم يخضع لضغوط ولم ينثن لمغريات ولم يحرف لمصلحة، هي هويتنا التي لن نتخلى عنها حتى نوجدها حقيقة على أرض الشام، فاعقدوا مؤتمراتكم وأعدوا سياسييكم وارسموا مشروعكم فقد كفرنا بهم جميعا ووجهنا وجهنا لله فاطر السماوات والأرض، فهي إما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيض العدى.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾
بقلم: عبدو الدلي
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع