منذ انطلاق معركة (تحرير) الموصل في 17/10/2016 والحرب تشتد حينا وتخفت حينا بين القوات العراقية من جيش وشرطة، وقوات (البيشمركة)، والحشد العشائري والحشد الشعبي ما يرفع عددهم إلى (مائة) ألف أو يزيدون، تساندهم قوات أمريكية بما يربو على (خمسة) آلاف مقاتل، في الصفوف الخلفية للقتال لتقديم الدعم والمشورة، وغطاء جوي من طائرات التحالف الدولي... يقابلهم في الطرف الآخر بضعة آلاف مقاتل من تنظيم "الدولة". وقد كانت الخطة الأمريكية العراقية المشتركة أن يتم الهجوم من ثلاثة محاور من جهات الموصل الجنوبية والشرقية والشمالية، على أن يترك محورها الغربي مفتوحا لإتاحة الفرصة أمام المسلحين للهروب من الموصل باتجاه سوريا عبر قضائي (تلعفر) و(البعاج) المتاخمين للأراضي السورية..! وأيدت ذلك صحيفة (الديلي تلغراف) بقولها: إن أمريكا قد لا تحاصر المدينة بالكامل وإنما تترك مخرجا في الجهة الغربية يسمح بخروج المسلحين لتفادى وقوع الكثير من الخسائر بين المدنيين. وأضافت الصحيفة نفسها أن الكثير من قادة "التنظيم" هربوا ليلا باتجاه الحدود السورية والتركية نقلا عن سكان من مدينة الموصل.
فمع بداية الهجوم على الموصل تقدمت القوات العراقية المشتركة من تلك المحاور الثلاثة محرزة مكاسب، تمثلت بالسيطرة على قرى وبلدات تقع في الأطراف البعيدة عن مركز المحافظة، وتمكنت من تمشيطها ثم تأمينها... وبات القادة يشيدون بدقة الخطط المرسومة، وحسن التعاون بين فرقاء القتال، لا سيما بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة، كما أعلن ذلك مسعود بارزاني مثمنا جهود المقاتلين، ومبشرا بقرب الانتصار على "التنظيم" الإرهابي - على حد وصفه. وبدأت أنباء الإنجازات العسكرية تتوالى من هناك، فقد أعلن الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي أن "العمليات العسكرية مستمرة ولا يوجد هناك توقف لها". "وأن ما يجري الآن هو تنظيف للمناطق المحررة". وأفادت إحصائية رسمية للجيش العراقي "أن القوات الأمنية تمكنت منذ انطلاق العمليات العسكرية لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل من تحرير أكثر من (140) قرية وناحية وقضاء وحيّاً ومنطقة في محيط المدينة وداخلها". (شفق نيوز).
وأعلن التلفزيون العراقي في خبر عاجل تابعته الأناضول أن "قوات مكافحة الإرهاب دخلت صباح الجمعة (11/11) إلى حي القادسية في شمال شرقي الموصل، وأن الاشتباكات مستمرة (حتى ساعات الظهر) مع تقدم القوات في الحي المذكور وتحرير أجزاء منه". وعلى صعيد متصل، قال ضابط في الجيش العراقي لوكالة الأناضول: إن "قوات مكافحة الإرهاب والجيش عززت وجودها في حي (الزهراء) شرقي الموصل تمهيدا للتقدم باتجاه حي (التحرير) المطل على الجسور الرابطة بين الجانب الأيسر (شرق النهر) والجانب الأيمن (غرب النهر) من المدينة". (خارطة الأنباء).
لقد نجحت الخطة المرسومة في دفع مسلحي "التنظيم" من المحاور الجنوبية والشرقية والشمالية للموصل، وأجبرت أكثرهم على الانسحاب إلى مركز المدينة، تاركة محورها الغربي مفتوحا للأسباب المشار إليها آنفا... إلا أن إصرار مليشيات الحشد الشيعي على التوغل جنوب مدينة (تلعفر) لغرض احتلالها، عقد سير العمليات العسكرية، وكانت الخطة المرسومة - وفق تقارير عسكرية عراقية - تقضي بإنزال عسكري على طرفي الجسر الرابع (القادسية) الذي يربط جانبي المدينة الأيسر والأيمن والقريب من معسكر (الغزلاني) ومطار الموصل، بتغطية وحماية طائرات الأباتشي التي يهابها مقاتلو "التنظيم"، ليتم إعلان الانتصار على التنظيم وتحرير المدينة، ورفع الأعلام العراقية على أطراف الجسر الكبير، خاصة وأن الأمريكيين قد نشروا - فعلا - 1700 مظلي من قواتهم في قواطع العمليات، استعدادا لتنفيذ عملية الإنزال، فحصل إرباك في سير العمليات العسكرية، وأجل النصر الذي كان مخططا له ليتزامن مع الانتخابات الأمريكية. (جريدة العرب).
ما أجبر مقاتلي "التنظيم" المنسحبين من المحاور الثلاثة نحو الموصل، ليتحصنوا فيها ويعززوا قواتهم داخلها، خصوصا في جانبها الأيمن وهو الأكبر، ولم يغادروها باتجاه سوريا كما كان متوقعا، لأنهم علموا بانطلاق مليشيات الحشد من شمال القيارة، صعودا إلى جنوب قضاء (تلعفر) للاستيلاء عليه، لضمان قطع الطريق البري الذي يربط القضاء بمحافظة الحسكة السورية، ما يخلق متاعب لهم إذا قرروا التوجه نحو سوريا، وهذا الأمر فرض على مقاتلي التنظيم، خوض المعركة داخل الموصل. هكذا كان يفترض أن يكون سيناريو نهاية معركة تحرير الموصل كما خططه ضباط عراقيون وأمريكيون وأكراد، بقيادة الفريق الأول الركن طالب شغاتي قائد العمليات المشتركة، ولكن دخول مليشيات الحشد - كما ذكرنا آنفا - على خط المعركة أفسد الخطة وغير بعض تفاصيلها. (جريدة العرب).
وفي أجواء التنافس بين فرقاء القتال، واختلاف مقاصدهم وولاءاتهم... فإن حصول انتهاكات وأعمال انتقامية أمر متوقع لا سيما من مسلحين شحنوا طائفيا، ما يقود إلى تقسيم العراق، الأمر الذي حذر منه أمير عبد اللهيان المسؤول الإيراني وثيق الصلة بالحرس الثوري الإيراني، وكأنه حريص على مستقبل العراق! فوقعت انتهاكات - وإن بوتيرة أقل - فقد اتهم تقرير دولي مقاتلين يرتدون زي القوات العراقية، بتعذيب سكان قرى وإعدامهم ميدانيا عقب وقوعهم في الأسر جنوب مدينة الموصل مركز محافظة نينوى. وفي تقرير نشرته منظمة العفو الدولية على موقعها الإلكتروني، الخميس (10/11)، جاء فيه أن أدلة جمعتها تثبت أنه جرى إعدام 6 أشخاص في بلدتي الشورة والقيارة، أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ل"الاشتباه بوجود صلات لهم مع تنظيم "الدولة". وقالت منظمة حقوقية: إن 37 رجلا على الأقل اشتبه في صلاتهم بالتنظيم اعتقلوا من جانب قوات عراقية وكردية عند نقاط تفتيش ومن قرى ومراكز فحص ومخيمات للنازحين في محيط الموصل والحويجة جنوبا. (جريدة العرب). وربما ساهمت التحذيرات التركية للمليشيا الطائفية من أي اعتداء على سكان الموصل عامة وتلعفر خاصة، فضلا عن شراسة القتال والمعوقات الكثيرة كالألغام والأحزمة الناسفة التي اعتادها مقاتلو "التنظيم"، ربما ساهم ذلك في تقليل الانتهاكات.
وأخيرا، فإن وكالات الأنباء المتنوعة نقلت أخبار قتال شرس بين الطرفين، وسط أجواء يحبس الناس أنفاسهم فيها بانتظار الفرج بعد ما يزيد على عامين من القمع والقتل واستلاب الأموال وفرض العقوبات الصارمة عليهم من رجالات "التنظيم" بمجرد الشبهة، وصارت الطائرات العراقية - اليوم - تلقي ملايين المنشورات والصحف على مدينة الموصل، تتضمن توصيات لأهل الموصل وأخبارا عن الانتصارات التي تحققت وتطالبهم بالاستعداد للانقضاض على "التنظيم" الذي شرع مقاتلوه بنقل عوائلهم إلى الجانب الأيمن من المدينة... وقيام سكان بعض المناطق - كحمام العليل - بتدمير منازل عناصر "التنظيم" بعد فرارهم منها. (موسوعة هذا اليوم). فنسأل الله أن يحقن دماء المسلمين، ويعزهم ويحفظ كرامتهم في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة لترعى مصالح رعاياها بأحكام شرعة الإسلام الحنيف، وتحمل هذا الدين العظيم بالدعوة والجهاد إلى العالم أجمع، وما ذلك على الله بعزيز.
بقلم: عبد الرحمن الواثق
رأيك في الموضوع