منذ أن تم فصل الدولار عن الذهب عام 1971 بعد إلغاء أمريكا اتفاقية بريتون وودز من طرف واحد، عمدت أمريكا إلى استعمال البترول كغطاء للدولار حيث تمكنت من جعل الدولار العملة الرئيسية لبيع البترول في الأسواق العالمية، وقد نجحت عام 1973 بإقناع السعودية خفض إنتاج البترول ما أدى إلى ارتفاع سعر البترول ليصل حوالي 20 دولارا للبرميل. ومنذ ذلك الوقت وجد اصطلاح البترودولار الدال على الربط المحكم بين قيمة الدولار وسعر البترول. وقد استعملت أمريكا هذه العلاقة الوطيدة كأحد الأدوات المهمة في الهيمنة على العلاقات المالية والاقتصادية على مستوى العالم. وقد عملت أمريكا من خلال علاقتها المهيمنة على السعودية وإيران والعراق على التحكم بإنتاج النفط وتسعيره ليكون أداة لتنفيذ سياساتها خاصة فيما يتعلق بروسيا والصين وإيران. ولا يخفى على أحد أن روسيا قد تضررت كثيرا بسبب انخفاض سعر النفط حيث إن 70% من اقتصاد روسيا يعتمد على تصدير النفط.
ومن هنا فإن اجتماع أوبك الذي دعت له روسيا ودول أخرى خارج أوبك جاء لبحث إمكانية تخفيض إنتاج النفط من قبل الدول الأكثر إنتاجا. والمقصود هنا بالدرجة الأولى السعودية ودول الخليج الأخرى خاصة الإمارات. إلا أن السعودية قد استبقت الاجتماع المقرر في فينا بالإعلان عن بيع سندات دين بقيمة 15 مليار دولار، وقالت إنها تتشاور مع مستثمرين من أمريكا حول هذه الخطوة. ما يعني أن السعودية لا تنوي حقيقة خفض إنتاجها من أجل رفع أسعار النفط بشكل كاف لإعادة الاستقرار لاقتصاديات الدول المتضررة خاصة روسيا. وقد جاء على لسان هليما كروفت رئيس الهيئة العالمية للاستراتيجية المالية أن "السعودية تسعى لجعل الاقتراض أولوية لديها للتعويض عن النقص الناتج عن خفض أسعار البترول". ما يشير إلى أن السعودية ليست من أولوياتها العمل على رفع أسعار النفط، إذ هي تعمل على إيجاد بدائل عن مال البترول. وقد ورد على لسان مسؤولين سعوديين أنها ستعمل على التخلص من العجز في ميزانيتها مع حلول عام 2020 دون اللجوء إلى زيادة أسعار النفط. وبالتالي فإنه من غير المتوقع أن تعود أسعار النفط للارتفاع إلى ما كانت عليه قبل سنتين حيث زاد سعر البرميل عن 100 دولار. ولكن من المتوقع أن يستقر السعر ما بين 50-60 دولاراً خلال السنتين القادمتين على الأقل. وذلك أنه من غير المحتمل أن تخفض دول أوبك مجتمعة إنتاجها من النفط بحوالي مليوني برميل يوميا، وهو التخفيض اللازم لإحداث ارتفاع ملحوظ بأسعار النفط. كما أنه ليس من المتوقع أن تقوم روسيا بتخفيض إنتاجها بشكل أحادي لأنها سوف تتضرر أكثر، إذ إن أسعار النفط لن ترتفع بشكل كاف وبالتالي فسوف تخسر روسيا حجم مبيعاتها الحالي. وكذلك إيران التي لم يصل إنتاجها إلى المستوى المطلوب أصلا. وبالتالي فإن خفض إنتاج النفط غير متوقع بشكل كاف خلال اجتماع أوبك+2 في فينّا، ولا حتى نهاية 2016 وبداية 2017.
ومن المهم أن نعلم أن السعودية خاصة ثم إيران والعراق لا تصدر قراراتها النفطية عن مصلحة خاصة بها وبناء على استراتيجيات واضحة المعالم لهذه الدول تم تبنيها بناء على مصلحة هذه الدول. بل إن هذه الدول تعمل وتنفذ ما تمليه عليها أمريكا وما يحقق مصلحة أمريكا بالدرجة الأولى. فالسعودية مستعدة أن تصبح دولة مدينة وتبيع سندات دين بدلا من بترول حتى لا يرتفع سعر النفط إلى درجة تعطل على أمريكا سياساتها التي ترمي إلى إحكام السيطرة والهيمنة على العالم. وكذلك الأمر بالنسبة لإيران والعراق.
أما دعوة روسيا لاجتماع أوبك ووعدها بالعمل على التخفيف من أزمة روسيا الناتجة عن خفض أسعار البترول فهي ليست إلا جزءاً من سياسة الجزرة التي تتبعها أمريكا مع روسيا خاصة فيما يتعلق بالحرب الدائرة في سوريا. فأمريكا تمني روسيا بأنها ستعمل على تخفيف أعبائها المالية عن طريق رفع أسعار النفط. ولإثبات مصداقيتها فقد طلبت من عملائها في أوبك دعوة روسيا لاجتماع حول خفض الإنتاج للبترول. ولا يخفى أن مثل هذا الاجتماع سيصل إلى طريق مسدود حين تبحث الأطراف نسبة خفض الإنتاج لكل دولة، والتي ستصطدم منذ البداية بعدم رغبة روسيا بالتخفيض، وعدم مقدرة إيران على التخفيض، وبالتالي يفشل الاتفاق على النسب. ويتوقع المراقبون أن لا يتعدى خفض الإنتاج نصف مليون برميل على أحسن تعديل، وهو أقل بكثير مما هو مطلوب.
والحاصل أن مؤتمر أوبك المزمع عقده والذي دعيت له روسيا لن يكون أكثر من إعلان دول الخليج والسعودية عن خططها القادمة للتكيف مع أسعار متدنية للنفط، وهو ما ظهر من إعلان السعودية عن طرحها لسندات دين بقيمة 15 مليار دولار وقد سبقتها قطر والإمارات بطرح حوالي 10 مليار دولار لكل منها.
وإن ما يثير الأسى أن تكون أهم ثروة حبا الله بها بلاد المسلمين أداة طيعة بيد أعداء الأمة تستعملها بشكل فظيع للسيطرة على بلاد المسلمين ولحرق المسلمين أحياء في حلب، ولاستئجار آلة حرب روسيا لتشيع الدمار والقتل في سوريا. فلولا نفط بلاد المسلمين لما كان للدولار أية قيمة سوى الحبر الذي يستعمل لطباعته. ولولا نفط بلاد المسلمين الذي بات خاضعا للهيمنة الأمريكية لما استطاعت أمريكا وأوروبا أن تبسط هيمنتها واستعمارها على مختلف أصقاع الأرض. ففي الوقت الذي حرم الله أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيلا، هُرع حكام المسلمين في إيران والعراق والسعودية والخليج ليجعلوا للكافرين سبيلا ليس على المسلمين فحسب بل وعلى العالم أجمع.
رأيك في الموضوع