إن دول جنوب شرق آسيا لم تشارك في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة بشكل رسمي، ولكن لها دور مهم وكبير في هذا المشروع، وقد جرى توظيفها من قبل أمريكا بشكل ظاهر، لا سيما لماليزيا وإندونيسا باعتبار أنهما أكبر البلاد الإسلامية في المنطقة.
فقد اجتمع رؤساء أجهزة الشرطة في دول رابطة جنوب شرقي آسيا (الآسيان) في ماليزيا يوم الثلاثاء، 26 تموز/يوليو 2016، لبدء مؤتمرهم الذي يستمر أربعة أيام وتتصدر مكافحة الإرهاب جدول أعمال الاجتماع بعد أسابيع من وقوع أول هجوم لتنظيم الدولة في ماليزيا على حد زعم الحكومة الماليزية، حيث قالت الشرطة الماليزية "إن الهجوم بقنبلة يدوية الذي استهدف ملهى ليلياً بالقرب من العاصمة كوالالمبور يوم 28 حزيران/يونيو الماضي تم بناء على أوامر مقاتل ماليزي ينتمي لداعش". وقال رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق، في كلمته أمام الحفل الافتتاحي للمؤتمر الـ36 لرؤساء أجهزة الشرطة في رابطة الآسيان (آسيانابول)، "إن الحوادث الإرهابية في العالم دليل على أن الإرهاب أصبح أكبر مما كان في الماضي".
من المتوقع أن الاجتماع تناول موضوع تعزيز دور دول جنوب شرق آسيا في سيرها ضد ما يسمى بالإرهاب بعد أن أصبحت هذه الحرب مطلبا عالميا لا سيما لدول جنوب شرق آسيا. ومما ساعد على ذلك بعض الأعمال الإرهابية التي ادُّعي أن من قام بها هو تنظيم الدولة، مصاحبة لتواتر التخويف من أمريكا صاحبة القيادة لهذه الحرب الجديدة وأعوانها أستراليا وسنغافورة وروسيا وغيرها من خطر التنظيم في جنوب شرق آسيا بالتحديد. الجديد منها ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء 26 تموز/يوليو 2016، على هامش مشاركته في فعاليات اجتماعات "آسيان" في فينتيان عاصمة لاوس: "إن الإرهاب يمثل خطرا كبيرا على العالم برمته، مضيفا أن منطقة جنوب شرق آسيا بدأت تشعر بقدر متزايد بوجود هذا الشر، وتواجه عواقب سلبية ناجمة عن أنشطة تنظيم "داعش" الإرهابي".
وبالتزامن مع اجتماع رؤساء أجهزة الشرطة في دول رابطة جنوب شرقي آسيا، نقلت وكالة الأنباء الماليزية (برناما)، يوم الخميس، 28 تموز/يوليو 2016، تصريحات رئيس الوزراء الماليزي عبد الرزاق عن تجديد عزمه لمواصلة تنفيذ التدابير اللازمة لحماية أهل ماليزيا من التهديدات الإرهابية. وقال نجيب "إن الحكومة الماليزية سنت العديد من القوانين والتشريعات لهذا الغرض استجابة لطلب من أجهزة الأمن"، مضيفاً "أن هذه القوانين ضرورة لمنع انتشار التهديدات الإرهابية". وأكد نجيب: "الآن هو الوقت المناسب لنا للتوحد ولعب دور أكبر مع المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب".
وفي يوم الاثنين، 1 آب/أغسطس 2016، بدأ تطبيق هذا القانون الجديد لمكافحة الإرهاب في ماليزيا، الذي ينص على تشكيل مجلس أمن قومي، يترأسه رزاق، الإعلان عن "مناطق أمنية" يمكن من خلالها القيام بعمليات اعتقال ومصادرة دون مذكرات رسمية. ويمكن أن يحدد المجلس إحدى المناطق لتكون "منطقة أمنية" لأجل غير مسمى، حتى يتم إنهاء التهديد.
لا شك أن مثل هذا القانون هو قانون قمعي يمثل خطرا على الأمة، علما بأن مصطلح الإرهاب لا يعني عندهم إلا الإسلام والمسلمين، خاصة الإسلام السياسي الذي لا يرضى بالقيم الغربية وسيطرة الدول الاستعمارية. وهذا ما يجري في إندونيسيا أيضا حيث جرت محاولات من قبل الحكومة الإندونيسية لتعديل القانون ضد الإرهاب، واستعمال القوة العسكرية في مكافحة الإرهاب، استغلالا للأعمال الإرهابية خاصة منذ تفجيرات جاكارتا في شهر كانون الثاني/يناير من هذا العام.
لكن الأخطر من تلك القوانين هو دور البلدين إندونيسيا وماليزيا في الترويج لما يسمى بالإسلام الوسطي المعتدل الذي يعني التنازل عن بعض الأحكام الإسلامية مثل جهاد الكفار ووجوب التحاكم لشرع الله، والمسايرة مع مشروع الغرب وقيمه. لأجل هذا أقيمت الندوات والمؤتمرات تدعو إلى هذا الوصف الجديد للإسلام. وآخرها المؤتمر الدولي عن "وسطية الإسلام ومكافحة الإرهاب والطائفية"، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع مجلس علماء إندونيسيا، بجزيرة لومبوك الإندونيسية، والذي تم افتتاحه من قبل رئيس جمهورية إندونيسيا جوكو ويدودو، يوم السبت، 30 تموز/يوليو 2016. ومن أهم توصيات هذا المؤتمر وضْعُ خُطةٍ استراتيجيةٍ متكاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف الطائفي في آسيا بكل صورِه وأشكالِه، والاستفادةُ في ذلك من التجربة الرائدة للسعودية، والتعاونُ مع المجتمع الدولي في ذلك، وأن تتخذ رابطة العالم الإسلامي الإجراءاتِ اللازمةَ لذلك مع الجهات المختصة رسميةً وشعبية. وأيضا أوصى المؤتمر بدعم التعليم الديني في دول آسيا وتطوير مناهجه، وإنشاء مدارسَ ومَعاهدَ إسلاميةٍ تَفي باحتياجات المسلمين التعليمية، وتُزوِّدُهم بالأئمة والمدرسين الذين يُبيِّنون خطرَ الإرهاب والطائفية، ويؤَصِّلون وسطيةَ الإسلام واعتدالَه.
لا ريب أن مثل هذه الدعوة خطر على الدين عقائديا وشرعيا، فكيف يوصف التمسك بالأحكام الشرعية كالجهاد وتحكيم شرع الله والبراءة من الكفر وأهله، كيف توصف بالإرهاب، والتنازل عنها اعتدال؟! في حين إن الغرب حارب وقصف ودمر بلاد المسلمين ليلا ونهارا ولم يوصف ذلك بأنه إرهاب. لكن لم يعد خافيا على المسلمين أن هذا الترويج من قبل هؤلاء الثلة من المسلمين بما فيه من جرأة على الله وأحكامه إنما هو مكر الغرب بامتياز. قال تعالى: ﴿وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ وقال: ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾.
بقلم: أدي سوديانا
رأيك في الموضوع