بدأت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يوم الخميس 19/11/2015م جولة جديدة من المفاوضات بين حكومة السودان والحركة الشعبية/ قطاع الشمال؛ التي تقود تمرداً مسلحاً في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وحركات دارفور المسلحة؛ والتي تقود حرباً في إقليم دارفور. وتتم هذه المفاوضات برعاية "الوساطة الإفريقية" وعلى رأسها ثامبو أمبيكي، وستكون المفاوضات بمسارين، مسار يناقش قضايا المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، بين وفد الحكومة برئاسة مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود حامد، ووفد الحركة الشعبية برئاسة ياسر عرمان. أما المسار الآخر فهو يختص بإقليم دارفور، ويقود وفد الحكومة في مفاوضاته أمين حسن عمر، بينما يمثل حركات دارفور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، وقيل إن هذه المفاوضات ستركز على وقف العدائيات للتمهيد للدخول لتسوية سياسية، وترتيبات أمنية، ثم لقاء تحضيري مع لجنة الحوار (7+7) في أديس أبابا للاتفاق مع الحركات، وإقناعها للمشاركة في الحوار الجاري في الخرطوم منذ العاشر من تشرين أول/أكتوبر 2015م لإيجاد تسوية شاملة لقضايا الحكم والإدارة والهوية وغيرها.
وكالعادة دائماً نسمع اختلافات وانسحابات في الجلسات، وتبادل اتهامات بين الأطراف، ومطاولات، وكأن الأطراف متباينة تبايناً لا يمكن حسمه، ثم تأتي ورقة وساطة لتقريب وجهات النظر، ويحدث شد وجذب، وربما تنتهي الجولة كسابقاتها بلا اتفاق، فبحسب "سودان تربيون" أن الاجتماع الذي امتد لنحو خمس ساعات، ناقش ردود وفدي الحركة الشعبية والحكومة على مسودة الوساطة التوفيقية، بعد أن أظهر كل طرف تحفظاته وشواغله حيال الورقة. وقررت الوساطة تشكيل لجنة رباعية تضم شخصين من كل طرف، وجرى تسمية كل من ياسر عرمان وأحمد عبد الرحمن من الحركة الشعبية بجانب جمال عدوي وحسين حمدي من الحكومة. وهكذا تعنتات ومعمعات في هذه الجولات، وكل ذلك مقصود منه أن يمل الناس من تكرار هذه الجولات ويتمنون أن تنتهي بأي ثمن، وهو المطلوب، فما هو الثمن المطلوب أصلاً، ومن هو الطالب؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد أن نذكّر بما حدث قبل اتفاقية الشؤم (نيفاشا)؛ التي قصمت ظهر البلاد بفصل جنوب السودان عن شماله، وهيأت بقية الأقاليم للانفصال، وهي ذاتها التي أثمرت ما يسمى بالحركة الشعبية/ قطاع الشمال؛ الذي أصبح شوكة في جنب الحكومة، وجنوباً جديداً.
كما وأوصلت لمسألة أخذ الحقوق عبر السلاح حتى غدا السودان بلد الحركات المتمردة، التي تتكاثر وتتناسل كالأميبيا، حيث ظلت جولات الحوار في ميشاكوس التي وضع فيها الاتفاق الإطاري في تموز/يوليو 2004م، وتطاولت المفاوضات في ضاحية نيفاشا في كينيا، وفود تذهب، وأخرى تعود، ورفض وقبول. ثم كانت الاتفاقية الكارثة التي وافقت فيها الحكومة بحق تقرير المصير (حق الانفصال)، الذي كان يعد قبل ذلك خيانة عظمى حتى بالمفهوم الوطني.
أما الثمن المطلوب فهو تفتيت السودان وتمزيقه حتى تسهل قيادته ونهب ثرواته من قبل الغرب الكافر، وبخاصة أمريكا التي سعت عبر اتفاقية نيفاشا لفصل الجنوب، وكان لها ما أرادت، وهي مهندسة الحوار الجاري الآن في الخرطوم، وهي أيضاً راعية حوار أديس أبابا عبر عميلها المخضرم (أمبيكي). ومخرجات كل هذه الحوارات تصب في نهر التمزيق والتفتيت للسودان بأيدي أبنائه (متمردين كانوا أم سياسيين، في السلطة أو خارجها)، وهم يعلمون هذا المخطط، فقد قال وزير الإعلام أحمد بلال عثمان في مؤتمر إذاعي يوم 17/05/2013م: (هناك مخطط خارجي يستهدف تقسيم السودان إلى خمس دويلات مرتكزاً إلى انفصال الجنوب). وقد اعترف رئيس الدولة عمر البشير أمام جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس 30/9/2010م أنهم عرضوا وحدة السودان إلى خطر، حيث قال: (لقد عرضنا وحدة البلاد للخطر مقابل تحقيق السلام عن طريق انفصال الجنوب) وقد سارت الحكومة في مشروع التمزيق خطوات جادة عندما وقعت اتفاقية الدوحة التي أعطت إقليم دارفور حكماً ذاتياً موسعاً، وبذلك هيأته للانفصال، ولذلك فلا غرابة إن سمعنا ذلك صراحة من بعض المتمردين في دارفور، فهو ذات السيناريو الذي فصل به جنوب السودان؛ حكم ذاتي إقليمي ثم تقرير المصير ثم انفصال، وبعد ذلك تبريرات للفعلة المنكرة، وكل فريق يسعى للتبرؤ من خيانة الله ورسوله والمؤمنين، وهو يعلم علم اليقين أنه ضالع في المنكر. هذا هو الثمن المطلوب من هذه المفاوضات العبثية، فهل نرضى بذلك حتى يأتي يوم لا نجد فيه سوداناً، ونقول هنا كانت دولة تسمى السودان؟!
إن المطلوب من أهل السودان جميعاً قبل وقوع الفأس في الرأس، والبكاء على الأطلال، أو اللبن المسكوب، أن لا يسمحوا لهذه المؤامرات أن تتم كما تمت مؤامرة فصل الجنوب. ولا بد للجميع أن يعوا أولاً، وبعين البصيرة لما يحاك ضد السودان، والعمل الجاد مع المخلصين من أبناء هذا البلد على منع وقوع هذه المؤامرات، بكشفها وتعرية السياسيين الضالين في تنفيذها، والعمل من أجل إقامة دولة مبدئية تقوم على مبدأ أهل السودان (الإسلام العظيم) الذي يقطع يد الغرب الكافر، العابث في بلادنا، ويقيم الحياة على أحكام رب العالمين، فيوحد البلاد والعباد، ليس داخل قطر السودان فحسب، وإنما مع إخوانهم المسلمين في كل مكان ليقيموا صرح الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ليحملوا رسالة ربهم للعالمين مبشرين ومنذرين، وما ذلك على الله بعزيز.
رأيك في الموضوع