لم تكن المعاناة التي يعاني منها المسلمون في بورما حديثة عهد، وإنما تعود إلى زمن طويل، بدأ مع احتلال بريطانيا لهذا البلد في القرن التاسع عشر، ثم بدأ يأخذ منهجا رسميا منذ الستينات من القرن الماضي، حين حصل انقلاب عسكري في بورما بقيادة الجنرال العسكري نيو وين في عام 1962م. فعقب هذا الانقلاب تعرض المسلمون لاضطهاد من الحكم العسكري المتعصب بوذياً وقام هذا الحكم بتهجير أكثر من 300 ألف مسلم إلى بنغلادش. وكان قد طرد أكثر من نصف مليون مسلم إلى الخارج عام 1978م، مات منهم أكثر من 40 ألفاً من الشيوخ والنساء والأطفال حسب إحصائيات وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وزادت المعاناة على إخواننا في بورما بعد إصدار القانون العنصري في عام 1982 الذي سحب الجنسية من مسلمي الروهينجا بدعوى أنهم ليسوا من سكان البلاد الأصليين. ونتيجة لذلك، فقد الروهينجا حقوقهم الأساسية كحرية التنقل والخدمات الصحية والتعليم والمياه، حيث يحتاجون للحصول على إذن للتنقل بين البلدات، ويحتاجون للحصول على إذن للزواج، وغير مسموح لهم بإنجاب أكثر من طفلين، بالإضافة إلى أنهم فقدوا أيضا الحقوق السياسية حيث ترفض طلباتهم للترشح في الانتخابات والتصويت فيها.
وبلغت مأساة إخواننا ذروتها في عام 2012 حين بدأت عمليات الإبادة الجماعية والتصفية العرقية التي قام بها البوذيون بتواطإ الحكومة البورمية معهم، فأصبح المسلمون ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻻﺿﻄﻬﺎﺩ القاتل في داخل بورما وبين الهروب المهلك عبر البحار. وذلك أن ﺍﻟﺮﻫﺒﺎﻥ البوذيين صرحوا ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺃﻱ ﻣﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﺃﺭﺍﻛﺎﻥ، ونشروا الدعوات لقتل مسلمي الروهينجا وحرقهم، وحققوا فعلا ما دعوا إليه؛ فآلاف من البيوت دمرت، وآلاف من المسلمين حُرقوا وقتّلوا، وآلاف منهم ماتوا من الجوع، وآلاف منهم غدوا في ملاجئ تفتقر لأبسط الحاجات، وآلاف منهم قضوا نحبهم في البحر، وآخرون عالقون في القوارب المهترئة المهلكة.
ثم تتابعت الأحداث بشكل مذيب للقلب فيما يقع على أهلنا من انتهاكات تجاوزت حدود بلدهم الأصلي في بورما إلى الدول التي يفرون إليها لاجئين (تايلاند، وبنغلاديش، وإندونيسيا، وماليزيا)، حيث رفضت تلك البلاد الإسلامية أن تقبل المهاجرين المسلمين إلا بعد أن أصرت الشعوب الإسلامية على قبولهم، فقبلت بعدد محدود منهم لمدة مؤقتة كما اتفقت عليها ماليزيا وإندونيسيا.
ثم شهدت الأحداث الأخيرة تسليطًا للضوء على ما يتعلق بأحداث الاتجار بالبشر اللاجئين الفارين في بعض الدول ومنها تايلاند. والاتجار بالبشر مصطلح ارتبط دائمًا في الأذهان بتجارة الرقيق، وبيع النساء خاصة، والأطفال؛ لأعمال تنافي الآداب وتنتهك الأعراض والحرمات وتخالف القانون...
إلى أن انتشرت الأخبار بعد مضي ثلاث سنوات من تشريد إخواننا أهل بورما، عن عثور السلطات الماليزية على مقابر جماعية رجح مسؤولون أنها تحوي عددا كبيرا من الجثث لمهاجرين "غير شرعيين". وقال وزير داخلية ماليزيا، زاهد حميدي، لصحيفة "ستار" المحلية إن "المقابر اكتشفت بالقرب من معسكرات استخدمت في تهريب الأفراد بالقرب من الحدود مع تايلاند".
وكان عدد كبير من المقابر الجماعية قد اكتشفت أيضا في تايلاند على الطرق التي استخدمت كممرات لتهريب الفارين من الاضطهاد من بورما، والهاربين من الفقر من بنغلاديش. وهذا إضافة إلى ضحايا القتال الذي حدث بين المهاجرين الذين انقطعت بهم السبل في بحر أندمان بعد أن رفضت دول الجوار استقبالهم، تقاتلوا على بقية ما بقي من طعام وشراب قليل معهم.
إن كل هذه المظالم تجري على مرأى ومسمع من العالم كله، من الأمم المتحدة، والدول الغربية الديمقراطية، وحكام البلاد الإسلامية، ووسائل الإعلام العالمية، والمعارضة الديمقراطية البورمية، والعديد من منظمات حقوق الإنسان الذين اختاروا تجاهل كل تلك المظالم.
فقد ترافق تصعيد منتظم في عملية الإبادة المنهجية الرسمية لمسلمي لروهينجا في عام 2012 مع إطلاق سراح أونج سان سو تشي، فما الذي فعلته زعيمة المعارضة الشهيرة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، عالميا؟ بل هي التي سحبت المسلمين من قوائم مرشحيها كما حدث في الانتخابات الأخيرة.
أما الأمم المتحدة والهيئات الدولية فهي تشارك في عملية الاضطهاد والإبادة بصورة أخرى، فهي توفر الغطاء السياسي لجرائم حكومة العسكر في بورما بصمتها وسلبيتها، بل بأكثر من ذلك مثل إقرارها إلغاء الروهينجا من قوائم عرقيات بورمية.
أما أمريكا وأوروبا وكلاهما محور الشر الذي يقود ويدعم ويساند أي اضطهاد للإسلام والمسلمين، ففي ظل تطهير بورما من المسلمين، انهالت عليها الهبات والمنح الدولية، خصوصا من الجانب الأمريكي. وكما أﺷﺎﺩﺕ ﻭﺯﻳﺮﺓ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺍلأﻭﺭﻭﺑﻴﺔ ﻓﻴﺪﻳﺮﻳﻜﺎ موغيريني ﺑﺎﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ التي سحب فيها حق المسلمين، بقولها "ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻲ ﺍﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ أﻥ ﻳﻘﺒﻞ ﺟﻤﻴﻊ الأطراف ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ، ﺑﺮﻭﺡ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ" فأي مصالحة ووطنية تقصده إلا دعم البوذيين.
أما العالم الإسلامي، وما أدراك ما العالم الإسلامي، 57 دولة، وما يزيد عن مليار ونصف مليار نسمة، و30% من ثروات المعمورة، فالموقف أشد خزيا وعارا خاصة لحكامهم، كما شهدت تلك الأزمات المتتالية مدى خذلانهم لأمتهم.
إن هؤلاء الحكام لا يرجى منهم الخير، بل الشر منهم أسبق، ولن يعود الأمن للمسلمين في تلك البلاد إلا إذا عادت الخلافة التي استظلوا بها منذ عهد الخليفة هارون الرشيد لأكثر من ثلاثة قرون ونصف... فالخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله هي فقط التي توفر لهم الأمن وتنشر الخير في ربوع العالم، اللهم عجل بها.
رأيك في الموضوع