إنها قرابة الساعة السادسة مساء يوم الجمعة 27/9/2024م، بتوقيت بيروت والمدينة المنورة، دوي عشرة انفجارات ضخمة جداً في ضاحية بيروت الجنوبية، معقل حزب إيران، بعد قليل من انتهاء كلمة نتنياهو الوقحة المتحدية أمام قاعة شبه فارغة من الوفود الرسمية والسياسيين، إلا من جمهور أحضره معه، ليصفق له. ثم مغادرته بشكل مفاجئ إحاطةً صحفيةً، بعد أن همس في أذنه سكرتيره العسكري! لتنتشر بعد قليل صور لنتنياهو قيل: إنه كان يعطي الأمر بتنفيذ العملية الكبيرة، وما لبث أن نشرت بعد قليل صور لوزير جيش كيان يهود يوآف غالانت ورئيس الأركان ورئيس سلاح الجو، قيل: إنها وهم يتابعون تنفيذ العملية ضد صيد ثمين، في تنافس مقيت على دماء المسلمين، بإلقاء أطنان من القنابل الخارقة للتحصينات لتسوية - بكل ما في الكلمة من معنى - مجمع سكني من عدة بنايات بساكنيها بالأرض، بحجة وصول هدف ذهبي - كما وصفه يهود - إلى أنفاق تحت الأرض في مكان الاستهداف، إنه الأمين العام لحزب إيران اللبناني حسن نصر الله ومجموعة كبيرة من القيادات.
صباح يوم السبت، أكد يهود قتل نصر الله، بينما تأخر بيان حزب إيران اللبناني حتى عصر اليوم نفسه. وأعلنت إيران كذلك مقتل قياديين كبار كانوا في المكان.
مما لا شك فيه أن ما حصل هو خطوة كبيرة في المشهد السياسي اللبناني وفي المنطقة، لا سيما أن سلسلة الهرم القيادي العسكري للحزب قد تمت تصفيتها في هذه الضربة، وفيما سبقها من ضربات لقيادة وحدة الرضوان مجتمعةً يوم الجمعة 20/9/2024م، وقيادات أخرى تمت تصفيتها بالاغتيال الفردي، منذ انطلاق أحداث طوفان الأقصى عبر غارات جوية مركزة.
منذ بدأت عملية طوفان الأقصى في 7/10/2023م، دخل حزب إيران على خط ما صار يصفه هو بجبهة (الإسناد والمشاغلة) في 8/10/2023م، واستمر فيها حتى الآن. يعتمد فيها القصف الصاروخي وبالمسيرات لأهداف عسكرية لكيان يهود، متجنباً الأهداف المدنية، حتى لا يتجاوز ما يسمونه قواعد الاشتباك، بينما داس كيان يهود كل هذه القواعد وصولاً لقتل نصر الله، وقيادات كبيرة من الحزب وإيران، وقتل مئات الضحايا من المدنيين، في سبيل الوصول لهذه الأهداف.
جاء في مجلة الوعي العدد 217 الصادر في آذار/مارس 2005 ما نصه: (إن عمليات الاغتيال للشخصيات السياسية اللامعة لا تتم بقرار محلي، بل لا بد لها من غطاء دولي من دولة كبرى أو أكثر، وهو ما يُطلق عليه "رفع الغطاء السياسي" عن الشخصية المستهدفة. وقد يأتي القرار بالتصفية الجسدية من الخارج لأطراف محلية، أو العكس، أي يطلب طرفٌ محلي السماح بالتصفية، فتأتي الموافقة من الخارج، إذا اقتنع الخارج بوجاهة رأي ذلك العميل المحلي...).
فهل نحن أمام رفع غطاء سياسي؟! وهل نحن أمام صياغة جديدة للمنطقة، لا سيما في فلسطين ولبنان، فنصبت أمريكا شراكها للقوى المسلحة الكبرى في المنطقة، لتستأصل أجنحتها العسكرية، تمهيداً للتسوية؟! وهل باعت الدول العميلة أو الدائرة في الفلك أتباعها وأشياعها لتجني ثمار خدماتها، لسيدتها التابعة لها أو التي تدور في فلكها، لسنين وسنين؟! هل يراد أن تنكفئ هذه القوى المسلحة إلى العمل السياسي، كما حصل حين تمت تصفية قيادات منظمة التحرير الفلسطينية العسكرية وأبقي على السياسية منها، وما زالت مستمرةً، محاولة تصفية قيادات الأعمال العسكرية للفصائل الكبرى الأخرى، لترجع خطوات نحو الأعمال السياسية، المتمثلة بطاولات التفاوض تحت وقع الدماء والأشلاء؟! هل صَمْتُ ما سمي بمحور المقاومة وعلى رأسه إيران، واكتفاؤها بالتعزية والمواساة هو أمر طبيعي، تقوم به دولة ذات إرادة عندما يحاول أحدهم قص أذرعها؟! وهل وصول رئيس (إصلاحي) لسدة السلطة في إيران، وإلى جواره عميل أمريكا محمد جواد ظريف مستشاراً للشؤون الاستراتيجية هو أمر عبثي ومجرد صدفة؟! إنّ الأيام القادمة الحبلى بالتطورات والمتغيرات ستجيب على ذلك بلا شك.
لقد كان الانعتاق من ربقة التبعية والعلاقة مع العملاء والأتباع، حين اهتز كيان يهود أمام ضربات ثلة مؤمنة مقاتلة، هي الفرصة السانحة للفصائل المقاتلة، لتحزم أمرها وتضرب بما لديها من إمكانيات، وكانت الفرصة السانحة الأهم للجيوش للتمرد على حكامها والتقدم نحو نصرة فلسطين ولبنان، فإذا رأى الله عز وجل منهم اتخاذ الخطوة الأولى فقط، أي المبادرة بصدق للقتال إحقاقاً لأمره سبحانه في الآية 15 من سورة التوبة ﴿قَاتِلُوهُمْ﴾، حقق لهم بإذنه سبحانه ما جاء في بقية الآية ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، وإلا حق عليهم ما جاء في الآية 16 التي تليها ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، أي قاتلوهم، حاضاً سبحانه وتعالى على جهادهم، يعذبهم اللَّه بأيديكم، أم حسبتم أيها المؤمنون، أن يترككم الله بغير محنة يمتحنكم بها، وبغير اختبار يختبركم به، فيعرف الصادق منكم في دينه من الكاذب فيه، ويعرف به أهل ولايته المجاهدين منكم في سبيله، من المضيِّعين أمرَ الله في ذلك المفرِّطين، ولم يتخذوا من دون الله عز وجل، ولا رسوله ﷺ، بطانةً يفشون إليهم أسرارهم، والله خبير بما تعملون، من اتخاذكم من دون الله ودون رسوله والمؤمنين به أولياء وبطانةً، بعدما قد نهاكم عنه، لا يخفى ذلك عليه، ولا غيره من أعمالكم، والله مجازيكم على ذلك، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ.
رأيك في الموضوع