قال روبرت وورك نائب وزير الدفاع الأمريكي يوم 22/6/2015 أمام مجموعة من خبراء صناعات الطيران العسكرية والمدنية: "إن الصين تبذل جهودا حثيثة لتحدي التفوق العسكري الأمريكي في الجو والفضاء مما يدفع وزارة الدفاع الأمريكية للبحث عن تقنيات وأنظمة جديدة لكي تبقى متقدمة على منافستها التي تتطور".
وقال: "إن الصين تسد بسرعة الفجوات التكنولوجية وتعمل على تطوير طائرات تتفادى أجهزة الرادار وطائرات استطلاع متقدمة وصواريخ متطورة وأحدث معدات الحرب التكنولوجية".
وأضاف أن البنتاغون وهو يتطلع لعلاقة بناءة مع الصين لا يمكنه التغاضي عن الجوانب التنافسية في علاقتنا خصوصا في مجال القدرات العسكرية وهو مجال تواصل فيه الصين التحسن بمعدل مؤثر للغاية".
وعقب ذلك نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن شو تشي ليانغ نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية القوية قوله إن "الصين ينبغي أن تبتكر المزيد". وأضاف: "يتحول بناء معداتنا في الجيش من بحوث اللحاق بالركب إلى الابتكارات المستقلة".
جاءت تصريحات وورك نائب وزير الدفاع الأمريكي هذه في افتتاح مؤتمر مبادرة دراسات الصناعات الجوية والفضائية الصينية في الوقت الذي يزور فيه مئات المسؤولين الصينيين واشنطن للمشاركة في الحوار الاستراتيجي والاقتصادي الأمريكي الصيني الذي يستمر ثلاثة أيام لبحث مجال التعاون المتبادل ومعالجة نقاط الخلاف بينهما.
فأشار وورك إلى ذلك قائلا إن "كلا من الزعماء الأمريكيين والصينيين يرون العلاقة الثنائية كعلاقة فيها قدر من التعاون وقدر من التنافس. وإننا نتطلع إلى أن تتغلب الجوانب التعاونية بمرور الوقت على الجوانب التنافسية".
من خلال هذه التصريحات يظهر أن أمريكا تشعر بشكل جدي أن الصين تنافسها في مجال الصناعات العسكرية التي كانت تتفوق فيها على العالم كله عدة مرات. وبالفعل فإن الصين خصصت لميزانية الدفاع هذا العام نحو 145 مليار دولار بزيادة 10% عن السنة الماضية وتأتي في المرتبة الثانية عالميا بعد أمريكا التي أعلنت ميزانيتها للدفاع حوالي 578 مليار دولار للعام 2015، حيث قلصت ميزانيتها التي تعدت 600 مليار دولار في السنوات الماضية.
ومع ذلك تخشى أمريكا أن تكون الأرقام التي تكشف عنها الصين أقل بكثير من الحقيقة وأن تكون ميزانية دفاع الصين أكبر من ذلك بكثير. حيث تقوم الصين بتطوير الغواصات والطائرات التي لا يكتشفها الرادار وتبني حاملات طائرات. وكانت فو يينغ المتحدثة الصينية باسم مؤتمر الشعب الوطني قد كشفت في 4/3/2015 عن هذه الزيادة في حجم الميزانية وقالت: "ستحقق بلادنا التحديث، وتحديث الدفاع الوطني جزء مهم منه". وقالت: "إن بلادها لم تنس دروس التاريخ، فمن يكون في المؤخرة سيجد من يستأسد عليه".
فالصينيون يدركون أهمية التقدم العسكري وتحديثه بأحدث أنواع التكنولوجيا، فيدركون أن أمريكا لا تنفق هذه الأموال الطائلة على ميزانية دفاعها إلا لتفرض إرادتها عليهم وعلى العالم. ويدركون أنها تحرض دول المنطقة عليهم وخاصة الدول التي تقع في بحري الصين الشرقي والجنوبي وتمدها بالمساعدات العسكرية وتعمل على تطويقها بهذه الدول وإشغالها بها، وقد أثارت كوريا الشمالية العام الماضي في مناورات استفزازية مما أدى إلى أن توجه كوريا الشمالية صواريخها نحو طوكيو والجزر الأمريكية في المحيط الهادئ حتى تقوم أمريكا وتنصب الدرع الصاروخي في اليابان وقريبا من الصين.
ولهذا فالصين تركز على إيجاد التفوق العسكري لتفرض هيمنتها على منطقتها في بحري الصين الشرقي والجنوبي. وهي الآن قد بدأت بتوسيع الجزر المرجانية الصغيرة المبعثرة على مسافات آلاف الكيلومترات في بحر الصين الجنوبي لتقيم عليها مدرجات لهبوط الطائرات وموانئ، وذلك مقدمة لإقامة قواعد عسكرية، وكذلك لتتمكن من إجراء الأبحاث لاستخراج النفط والغاز من هذه المنطقة. وكل ذلك أثار حفيظة أمريكا وجعلها تستنكر ما تفعله الصين هناك. مما أدى إلى أن تضع أمريكا استراتيجية جديدة عام 2013 تحت اسم استراتيجية آسيا – المحيط الهادئ تتعلق بزيادة قوتها في هذه المنطقة إلى 60% حتى عام 2020 لمواجهة المخاطر فيها. وهذه موجهة إلى الصين بالدرجة الأولى وتعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة وهيمنتها على دول المنطقة.
ولكن الصين تركز على الدفاع عن نفسها في منطقة بحري الصين الشرقي والجنوبي وتعتبرهما مجالها الحيوي. وهذا يجعل نظرة الصين ضيقة ويعطيها طابع الدولة الإقليمية الكبرى. وهي لا تقوم وتنافس أمريكا في كل أنحاء العالم وعلى جميع الأصعدة وفي كافة المجالات. ولهذا السبب لم تصبح الصين دولة كبرى عالميا. وسبب ذلك عدم وجود الوعي السياسي التام على كيفية التحرك العالمي وعدم وجود الثقة التامة في النفس على أنها قادرة على أن تنافس أمريكا، وتخوفها من أن تكون خسائرها أكبر من أرباحها إذا تحدّت أمريكا لأنها تدرك أن تطورها هذا كان بفضل أمريكا التي أعطتها معاملة الدرجة الأولى في المعاملة التجارية حتى استطاعت أن تحقق أرباحا كبيرة وتجمع رصيدا يتجاوز 5 ترليونات من الدولارات.
ولم تكن للصين تجربة تاريخية كدولة كبرى عالميا، فلم تكن كذلك في يوم من الأيام، وكذلك لا تحمل رسالة عالمية لتوجد لها تأثيرا عالميا لتجذب الشعوب نحوها وتجمع الدول حولها، فقد تخلت عن المبدأ الشيوعي في السياسة الخارجية منذ زمن بعيد، ولم تحمله إلا لفترة قصيرة فلم تنجح في ذلك، وتخلت عنه، وأصبحت سياستها قومية وطنية مطعمة بالشيوعية، وقد تخلت عنه في الاقتصاد فهي تتبع النظم الرأسمالية وتطبقها في الداخل والخارج، فبقي مبدؤها في السياسة الداخلية للحفاظ على الحكم وعلى مصالح الحزب الشيوعي وعلى تماسك البلاد فإذا فرطت فيه في هذا الباب تخاف أن يحصل لها ما حصل لروسيا وأسوأ منه، ولذلك تحارب دعاة الديمقراطية وفكرة الحريات العامة وتقمعها بلا هوادة. وهي تمسك بزمام الأمن الداخلي بالحديد والنار كأية دولة شيوعية سابقة، وتحارب الإسلام والمسلمين بشدة وعنف، لأنها تخشى من الإسلام لكونه المبدأ العالمي العظيم الذي يؤثر في أصحابه كما يؤثر في كل من تصله دعوة الإسلام على وجهها الصحيح، لأنه مبدأ يوافق الفطرة ويقنع العقل فينقاد له الإنسان قيادة طواعية.
إن أمريكا عملت على تطبيق سياسة الاحتواء للصين ولذلك أعطتها الدرجة الأولى في المعاملة التجارية، ولكن هذه السياسة وصلت إلى النهاية وإلى حد الإشباع فلم تعد مجدية، وفي عام 2011 أعلنت عن إقامة الشراكة الاستراتيجية والشراكة الاقتصادية مع الصين، وذلك لمراقبة تقدمها العسكري والتكنولوجي لاحتوائه أو لمحاولة الحد منه بالتعاون معها في هذين المجالين، حتى إذا حصل تقدم صيني عسكري أو اقتصادي تكون أمريكا فيه شريكا، فتعمل من الداخل على ألا يشكل ذلك خطرا عليها، ويكون ضمن الدائرة والرقابة، وتبحث عن سبل لضربه إذا شكل خطرا عليها.
ولهذا فإن أمريكا تريد أن يبقى التعاون مستمرا مع الصين وأن تشاركها في كل تقدم حتى يكون لها تأثير على الصين وحتى تحول دون أن يشكل ذلك خطرا عليها، كما دخلت في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وأدخلت شركاتها فيها، فصارت مسيطرة على أوروبا، وجعلت أوروبا تحت رقابتها وقيادتها، ولم تستطع أن تنفك عنها. وما زالت أوروبا تعاني ذلك وتعمل على التخلص من بقايا التأثير الأمريكي بعد مرور سبعين عاما تقريبا على مشروع مارشال الذي انطلق عام 1946 لمساعدة أوروبا وكان وسيلة لفرض الهيمنة الأمريكية على أوروبا.
فأمريكا تلعب مع الصين على الحبلين؛ فهي من جهة تعمل على تطويقها وتحد من توسعها وتبقيها محصورة في منطقة بحري الصين الشرقي والجنوبي وتشغلها بها وتثير الدول الواقعة في هذه المنطقة وتسلحها وتدعمها في مواجهة الصين، وتعمل على تعزيز نفوذها في هذه المنطقة أيضا بجانب الصين، ومن جهة ثانية تعمل على مشاركتها استراتيجيا واقتصاديا لتراقبها من الداخل وحتى لا يشكل تقدمها خطرا عليها وتكون شريكا فيه أو تعمل على السيطرة عليه والحد منه بطرق مختلفة وتطور أساليب جديدة لاحتوائه، ولها تجربة مع روسيا حيث شاركتها في الفضاء حتى حصلت على كافة المعلومات وجعلتها تسقط سفينتها الفضائية ميير التي كانت تجري فيها التجارب.
وهكذا فأمريكا مع رؤيتها للصين بأنها تنافسها، إلا أنها تعمل على جعل هذا التنافس يتحول إلى تعاون حتى لا تخرج الصين عن النطاق وتبقى تحت دائرة الرقابة الأمريكية ولتكون أمريكا شريكا فيه لا سلاحا موجها إليها. وما لم تتنبه الصين لذلك وتفصل نفسها عن أمريكا وتخط لنفسها طريقا مستقلا من دون وجود أمريكا معها وما لم تقم بمصارعة أمريكا على كافة الأصعدة والمجالات وعلى نطاق العالم وإلا فستبقى دولة كبرى إقليمية مقيدة بحبال أمريكا الخفية عليها الواضحة لصاحب الرؤية السياسية.
رأيك في الموضوع