في نشوة الاحتفال باستقلال الجزائر اشتعلت مجددا بولاية غرداية بالجنوب الجزائري مواجهات دامية أودت بحياة 22 شخصا لتقف شاهدا على فشل الدولة الوطنية في الحفاظ على وحدة النسيج في المجتمع على أساس الأخوة الإسلامية، وعلى أن الرابطة الوطنية رابطة فاسدة تلاشت بعد خروج المستعمر ولم تستطع الحفاظ على اللحمة بين أفراد الشعب الواحد وأنها توارت مع الزمن لتطل الفتنة الطائفية برأسها باسم العرق وباسم المذهب.
يسكن منطقة غرداية أمازيغ مزاب نسبة إلى وادي مزاب من أتباع المذهب الإباضي إلى جانب عرب مالكيين. وتعود المواجهات بينهم إلى ثمانينات القرن الماضي على إثر خلاف على توزيع الأراضي، تجددت في التسعينات ثم هدأت، لكن منذ سنة 2008 تعيش ولاية غرداية مواجهات دامية بين سكانها أخذت بعدا عرقيا ومذهبيا، وقد اشتدت هذه المواجهات سنة 2014 ثم عادت مع أول ليالي رمضان سنة 2015 لتحتد في العشر الأواخر منه بين 04 و09 من تموز/يوليو 2015، مما دفع بالرئيس عبد العزيز بوتفليقةإلى تكليف قائد الناحية العسكرية الرابعة التي تتبع لها غرداية بالإشراف على تسيير عمل قوات الأمن والسلطات المحلية بهدف وضع حد للمواجهات واستعادة الأمن في المنطقة. وقد تميزت المواجهات هذه المرة باستعمال الأسلحة النارية. وفي كل مرة تكون مبررات اندلاع المواجهات تافهة لكن نتائجها كارثية؛ قتل وتهجير للسكان ونهب للممتلكات وحرق للدور، ففي سنة 2008 قيل أن السبب لعب الأطفال بالمفرقعات في احتفال المولد النبوي، وفي سنة 2014 أرجعت المواجهات إلى مباراة لكرة القدم، مما يدل على أن هناك جهات تقف وراء هذه المواجهات وتستغلها لإعطائها بعدا طائفيا يمتد مكانا فيطول زمانا.
إن الخطير في الصراع في منطقة غرداية أنه يتغذى على بعدين أحدهما عرقي والثاني مذهبي، مما يجعل المواجهة بين طائفتين من المجتمع، بخلاف الصراعات في باقي مناطق الجزائر التي هي احتجاجات تجاه السلطة. ولهذا يُخشى أن تنتقل عدوى الصراع إلى الولايات القريبة بالجنوب وهي منطقة غنية بالنفط والغاز والمعادن المنجمية فتكون غرداية مقدمة وبؤرة الدعوة لانفصال الجنوب أو منطلقاً لصراع دموي طائفي عرقي يأتي على الأخضر واليابس بالجزائر.
فالناشطون الأمازيغ يطالبون بحقوقهم القومية ويستغلون المذهب الإباضي لإظهار أنفسهم دوليا أنهم أقلية عرقية دينية مضطهدة ويتهمون العرب بأنهم تكفيريون والدولة الجزائرية بالعروبية والوقوف بجانب العرب لإبادتهم، وقد قام أحد رؤوسهم وهو كمال الدين فخار بالمطالبة بترسيم المذهب الإباضي وقدم مذكرة بذلك إلى رئاسة الجمهورية ودعا إلى انفصال المنطقة كما طالب بفتح تحقيق دولي بالأحداث لفقدان الثقة بالمؤسسات الجزائرية، وفي هذه الأحداث الأخيرة أقحم تنظيم الدولة في الموضوع مستثمرا في الإرهاب وهو يلقى مساندة من المنظمات الدولية الأمازيغية التي أصدرت بيانات تندد بالإبادة التي يتعرض لها المزاب الأمازيغ وتدعو الأمم المتحدة للتدخل.
أما العرب المالكيون فإنهم ينظرون للطرف المقابل بالصراع كأمازيغ فرنكفونيين انفصاليين ومن جهة أخرى كإباضيين خوارج ويلقى الخطاب الثاني محرضين من الداخل والخارج، وقد أذاعت قناة اقرأ في 16/03/2014 وقت الأزمة محاضرة عن الإباضية من إلقاء الشيخ محمد حمة من الجزائر اعتبر فيها الإباضيين خوارج. وقد حمل وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى في الكلمة التي ألقاها في "اليوم البرلماني حول مكافحة الإرهاب الدولي الجديد" بتاريخ 09/06/2015 أطرافا يمنية بنشر الفكر التكفيري بغرداية.
وبتتبع مجريات الأحداث فإنه يلاحظ أن هناك جهات تطيل أمد الصراع، فبعد زيارة وزير الداخلية نور الدين بدوي يوم الخميس 02/07 لغرداية وإعلانه تنصيب لجنة المصالحة بالولاية انطلقت المواجهات بعد مغادرته. وقد نشرت جريدة الخبر في 03/07 أن لجنة الأعيان المستقلين عارضت لجنة المصالحة وقالت في بيان لها "إن السلطة ترفض التعامل مع أساس المشكلة في غرداية، لهذا فإن الحل النهائي سيتأخر"، وأضاف البيان "الجميع في غرداية يتمنى انتهاء الكابوس، إلا أن الحل سيتأخر بسبب رفض السلطة تشكيل لجنة تحقيق محايدة حول السبب الحقيقي لأعمال العنف، ثم رفضها محاسبة مسؤولين سابقين في الأمن والقضاء والإدارة ساهموا في تحويل غرداية إلى ميدان مواجهة طائفية". فهناك أطراف من خارج التمثيلية الرسمية لمجلس أعيان الإباضيين وأعيان الشعانبة يرفضون المصالحة بعضهم بدعوى فتح تحقيق لمحاسبة المسؤولين الأمر الذي لم تقدم عليه الحكومة بل سعت فقط بمحاسبة أعوان الشرطة مما دفعهم في تشرين الأول/أكتوبر 2014 للاعتصام والتظاهر لتحسين ظروف عملهم وعدم جعلهم كبش فداء يقدمون للمحاسبة على ما جرى من أحداث، والبعض الآخر لخدمة أهدافه القومية الانفصالية.
إنه من المعلوم أن الجزائر هي محط أنظار العالم لخيراتها المعدنية ولوجود البترول والغاز وإن أمريكا بالخصوص تسعى لجعلها قاعدة لحربها على الإرهاب فتبسط بذلك نفوذها على إفريقيا من خلال الجزائر تحت ذريعة الحرب على الإرهاب. ومثل هذه الأحداث تفتح الباب للتدخل الأمريكي بالشأن الجزائري والنفاذ للبلاد باسم حقوق الإنسان والحفاظ على حقوق الأقليات الدينية وباسم محاربة الإرهاب خاصة وأن الصراع عرقيٌّ مذهبيٌّ يسعى بعض رؤوس الفتنة لإقحام اسم تنظيم الدولة به. وبالفعل فإن أمريكا تضغط على الجزائر من خلال ملف حقوق الإنسان، فبتاريخ 26/06/2015 أصدرت كتابة الدولة الأمريكية تقريرا سلبيا عن واقع حقوق الإنسان بالجزائر عن سنة 2014 وعلاقته بموضوع غرداية خص التقرير فقرة للأحداث جاء فيها: (فشلت قوات الأمن في منع والاستجابة على نحو كاف للعنف بين الطوائف في مدينة غرداية، 370 ميلا إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، والذي تجدد في كانون الأول/ديسمبر عام 2013. وأودى العنف بين طائفتين مختلفتين عرقيا ودينيا ميزابية (البربر) والمالكية (العربية) بحياة 13 شخصا وجرح مئات خلال فترة تمتد لعدة أشهر. وفي شباط/فبراير نشرت الحكومة أكثر من 3000 من رجال الدرك والشرطة لإخماد الصراع. وذكرت وسائل الإعلام المستقلة أن عدم قدرة أو عدم رغبة قوات الأمن في منع مزيد من العنف وتدمير الممتلكات فاقم الصراع.)، فالتقرير يقر بفشل قوات الأمن وينقل عن الإعلام المستقل اتهامها بعدم الرغبة في منع العنف وهو اصطفاف إلى جانب الحقوقيين والنشطاء الذين يتهمون الأمن الجزائري بوقوفه إلى جانب إبادة المزاب الأمازيغ ويطالبون بفتح تحقيق دولي في الأمر.
وقد احتجت الخارجية الجزائرية على التقرير وأصدرت بيانا بذلك واستدعت السفيرة الأمريكية لإبلاغها استنكارها لما جاء فيه، لكن المثير للاستغراب أن احتجاج الخارجية جاء يوم 06/07/2015 بعد عشرة أيام من صدور التقرير ولَمَّا احتدت أحداث غرداية، فهل من علاقة بين الأمرين؟ وبغض النظر عن جواب السؤال فإن أمريكا تستغل شماعة حقوق الإنسان للنفاذ للدول وعلى الحكومة الجزائرية أن تتحمل كامل المسؤولية في إطفاء نار الفتنة وتفويت الفرصة على أمريكا للعبث بأمن أهلنا بالجزائر تحقيقا لمصالحها.
وإن على المخلصين بالجيش الجزائري أن يفوتوا الفرصة على المتربصين بأمن الجزائر بأن ينحازوا لمشروع الأمة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ويعملوا لإقامتها فتكون الجزائر قاعدة للخلافة في أفريقيا لا لأفريكوم وللحرب على الإرهاب خدمة لمصالح أمريكا.
إن دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة:
- ستحقق التنمية بكل المناطق التابعة لها وتوزع الثروة على رعاياها بشكل عادل وَفْقَ أحكام الإسلام بما يشبع حاجاتهم الأساسية إشباعا كاملا ويضمن لهم العيش الكريم.
- ستمنع كل خطاب طائفي في الدولة، وكل من يحمل التابعية الإسلامية فهو من رعايا الدولة من واجبها أن تضمن له حقوقه الرعوية وَفْقَ أحكام الإسلام.
- سيكون قضاء الخلافة عادلا وسريعا ولن يترك المشاكل تتفاقم بين الناس لتتحول إلى صراعات قبلية أو مذهبية.
- إن حصل ووقع صراع بين طائفتين فإن دولة الخلافة ستعمل للإصلاح بينهما بأحكام الإسلام فإن لم تستجب إحداهما فإن خليفة المسلمين سيخضعهم بالقوة لحكم الله، قال تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ `إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
وبالخلافة على منهاج النبوة تعود الجزائر إلى سابق عزها وسابق وحدتها وأمان سكانها.
وفي انتظار ذلك فإن على كل المخلصين في الجزائر عامة من علماء وسياسيين وفاعلين في المجتمع أن يتداعوا لقطع الطريق أمام الحركات الانفصالية والداعية للتدخل الأجنبي وأمام دعاة التكفير والفتنة، وعلى أعيان الشعانبة وأعيان الإباضيين خاصة أن يعودوا لرشدهم ويوقفوا هذه المواجهات ويلفظوا دعاة الفتنة من بينهم ولا يتركوا الشباب لتأثيرهم. وفي الوقت ذاته ليحاسبوا الحكومة على تقصيرها في حماية أمن الناس وممتلكاتهم ولا يجعلوا من غرداية ساحة لصراع السلطة.
رأيك في الموضوع