وسط تصفيق حار ومتكرر ألقى كيفن مكارثي رئيس مجلس النواب الأمريكي خطاباً أمام الكنيست بمناسبة مرور 75 عاماً على إعلان قيام كيان يهود، ويعد هذا الخطاب أمام الكنيست لرئيس مجلس النواب الأمريكي هو الثاني بعد خطاب نيوت غينغريتش عام 1998، وكان مكارثي قد وصل كيان يهود على رأس وفد من الكونغرس، حيث عقد اجتماعات موسعة مع قادة كيان يهود سواء من الحكومة أو المعارضة، وكذلك اجتماعات خاصة مع نتنياهو ورئيس الكيان إسحاق هرتسوغ في القدس، وقد سبق هذه الزيارة بأسبوعين زيارة ليندسي غراهام السيناتور الجمهوري الشهير وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولاينا الجنوبية للكيان والاجتماع مع نتنياهو الذي تفاعل مع هذه الزيارات واحتفى بها في اللحظة التي لم يتلق فيها إلى الآن دعوة من الرئيس جو بايدن، دعوة لزيارة الكونغرس كما جرت العادة، فكيف ينظر لهذه الزيارات؟
قبل الخوض في خصوصية هذه الزيارات السياسية لا بد من التذكير أن العلاقة التي تربط كيان يهود بأمريكا هي علاقة عضوية، فوجود هذا الكيان مرهون بالحبل الغربي وبالدعم الأمريكي سواء أكان دعماً مباشراً من مال وسلاح أو غير مباشر بواسطة الحكام العملاء والأنظمة الوظيفية في بلاد المسلمين والتي تتولى حفظ أمن كيان يهود وحماية حدوده والحيلولة بين الأمة وجيوشها والقضاء عليه، وأمريكا تدرك أهمية بقاء مظلتها الأمنية للحفاظ على وجود هذا الكيان السرطاني المرفوض في جسد المنطقة، وهي تحرص دائماً على إظهار مدى قوة هذه العلاقة وعمقها وذلك حتى تبعث الأمن في أجواء طفلها المدلل المسكون بالخوف والهاجس الأمني، ولذلك فإن هذه الزيارات هي طبيعية وروتينية خاصة عندما تكون متعلقة بذكرى إنشاء هذا الكيان، ولكن في ظل التطورات السياسية الحاصلة في العالم والمنطقة وداخل الكيان يمكن قراءة أبعاد سياسية إضافية يمكن الوقوف عليها.
فالزيارتان هما من قادة في الحزب الجمهوري وفي توقيت مهم وواقع سياسي خاص يعيشه كيان يهود بقيادة نتنياهو وحكومته، فزيارة غراهام جاءت بعد زيارته لمحمد بن سلمان واللقاء به والتحدث معه عن التطبيع مع يهود، وهذا ما كشفه غراهام عند وصوله للكيان ولقائه بنتنياهو الذي يعيش حالة من الصدمة والذهول بعد التقارب السعودي الإيراني الذي قطع الخط على أي تحرك عسكري له ضد مفاعلات إيران النووية، والمأزوم داخلياً بعد فشل مساعيه لإجراء التعديلات القضائية التي كانت على رأس أولوياته، والمحاط بحالة من الضعف الداخلي بسبب استمرار الاحتجاجات، والخارجي بسبب الائتلاف الذي يضم أحزاباً قومية دينية لا تعترف بالمشاريع الغربية لحل الصراع، بشكل سبب الحرج لحكومته في علاقاتها مع الدول الغربية، وزيارة مكارثي جاءت ضمن هذه الظروف الحرجة لنتنياهو وحكومته إضافة إلى رفض بايدن دعوته لإلقاء خطاب في البيت الأبيض، وفي المقابل اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية وحالة كسر العظم بين الحزبين للفوز بها.
وبالنظر إلى تلك المعطيات نجد أن هذه الزيارة إضافة إلى خطها العام الذي ذكرناه في البداية فهي أيضاً نوع من مواساة الحزب الجمهوري لنتنياهو، فغراهام يقول له نحن القادرون على السماح للنظام السعودي بالتطبيع معك، ومعلوم أن النظام السعودي عميل لأمريكا ولكنه أكثر قرباً وإخلاصاً للحزب الجمهوري، ومكارثي يقول له إن لم يدعُك بايدن للبيت الأبيض أنا سوف أقوم بدعوتك على غرار هرتسوغ الذي دعاه مكارثي لإلقاء خطاب مشترك في مجلس النواب والشيوخ بمناسبة ذكرى تأسيس الكيان، والهدف من كل ذلك هو أن تذهب أصوات اللوبيات اليهودية الداعمة لنتنياهو في أمريكا إلى الحزب الجمهوري.
ولكن حتى يبقى الوصف ضمن حجمه الطبيعي فإن تأثير تلك اللوبيات محدود جداً، ولكن الأحزاب الأمريكية تهتم به لأن المنافسة تكون محتدمة والنتائج متقاربة في بعض الولايات خاصة التي تعرف بالمتأرجحة بشكل يجعل تأثير تلك اللوبيات مهم بشكل قد يساهم في تعزيز فوز أحد الحزبين في بعض الولايات إضافة إلى مساهمتها في الدعاية الانتخابية والدعم المالي، وربما يتضح هذا الهدف الانتخابي من طريقة تعليق مكارثي على عدم دعوة بايدن لنتنياهو لزيارة البيت الأبيض كما جرت العادة، "وأشار مكارثي إلى أنه أيضاً لم يلتق بالرئيس بايدن منذ توليه منصبه قبل 80 يوماً، إنه يعاملني بالطريقة نفسها، يبدو أننا (نتنياهو وأنا) في صحبة جيدة"، فهو يشير إلى عمق الأزمة بين الحزب الجمهوري والديمقراطي وفي الوقت ذاته يضع نتنياهو معهم في الصف نفسه.
وفي الختام وبعيداً عن الأهداف السياسية للحزب الجمهوري وسياسييه فإن الارتباط بين كيان يهود وأمريكا هو ارتباط عضوي، وأمريكا حريصة كل الحرص على إظهار احتضانها لهذا الكيان المسخ في كل وقت وحين ومناسبة وذكرى، وهي وإن عملت على تقليم أظافره وتحجيمه خارجياً ولو كان الثمن اضطرابات داخلية تفقد هذا الكيان توازنه بعض الشيء، إلا أنها تبقى الأب الراعي له والحريص عليه وعلى منعه من ارتكاب حماقات في المنطقة قد تعجل نهايته، فوجوده يمثل مصلحة استراتيجية كبيرة ويحقق أهدافاً استعمارية مهمة، وعلى رأسها منع قيام دولة الإسلام؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ومنع وحدة المسلمين في منطقة حيوية ومركزية في العالم وبلاد المسلمين، ولذلك فإن أمريكا، وبغض النظر عن الحزب الحاكم، لن تتخلى عن كيان يهود إلا إذا أيقنت أن معركة الدفاع عنه خاسرة، وهذا لن يكون إلا عند إسقاط أنظمة الخيانة والعمالة في بلاد المسلمين وتحرك الأمة وجيوشها لتحرير فلسطين، فعندها يترك كيان يهود ليواجه مصيره أو يُشرِك معه في مصيره الأسود من ينضم للدفاع عنه من الدول الكبرى، وهذا ما يجب أن يعمل عليه كل سياسي واعٍ يريد تحريراً لهذه الأرض، وهو العمل على إسقاط أنظمة العمالة في بلاد المسلمين وتحريك الأمة وجيوشها لتحرير هذه الأرض المباركة.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع