أكد البيان الختامي للقمة الثلاثية في القاهرة، بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، على ضرورة الحفاظ على الحقوق الفلسطينية المشروعة واستمرار جهودهم المشتركة لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم على أساس حل الدولتين، الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها شرقي القدس، وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.
وقد بحثت القمة تطورات القضية الفلسطينية في ضوء المستجدات الراهنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والأوضاع الإقليمية والدولية المرتبطة، وشدد القادة على ضرورة توفير المجتمع الدولي الحماية للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وتكاتف الجهود لإيجاد أفق سياسي حقيقي يعيد إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، محذرين من خطورة استمرار غياب الأفق السياسي وتداعيات ذلك على الأمن والاستقرار، وطالبوا بوقف جميع إجراءات يهود الأحادية غير الشرعية التي تقوض حل الدولتين وفرص تحقيق السلام العادل والشامل والتي تشمل الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم والاقتحامات المتواصلة للمدن الفلسطينية، وانتهاك الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها.
منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى حكومة يهود كرئيس للوزراء بعد فوزه بالانتخابات وتشكيله حكومة وصفت بالأشد تطرفا في تاريخ كيان يهود، تحوي أحزابا وشخصيات متطرفة ذات عقيدة توراتية صهيونية لا حدود لأطماعها وتطلعاتها في المنطقة، ليس أكبرها السيطرة على كامل فلسطين، أي غربي النهر، وهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم، ضمن خطوات تدريجية ضمن سياسة فرض الأمر الواقع التي اشتهر بها نتنياهو، كما فعل في قضية المستوطنات التي أغرق بها الضفة الغربية وجعل معها مشروع الدولة الفلسطينية مجرد حلم وخيال، وكذلك بعد فشل أمريكا في إيصال خصومه لابيد ويائير إلى الحكم وخسارتهم في الانتخابات؛ منذ ذلك الحين تتنوع التحركات والقمم واللقاءات وتتزاحم من طرف أزلام السلطة الفلسطينية وحكام المنطقة وأسيادهم في أمريكا وأوروبا، لمحاولة تدارك الأمور وعدم خروجها عن السيطرة.
فهذه القمة الثلاثية التي جمعت عميل أمريكا السيسي مع عميل بريطانيا عبد الله برئيس السلطة عباس، هي إحدى هذه التحركات التي تسعى من خلالها بريطانيا وأمريكا لتطويق النيران وعدم خروجها عن السيطرة.
وكذلك جاءت زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، الخميس، لفلسطين والتي التقى خلالها برئيس وزراء يهود نتنياهو، وكبار أعضاء فريق الأمن القومي في أرفع مستوى من المحادثات بين الحليفين منذ تولي الحكومة اليمينية السلطة الشهر الماضي، والتي قيل إنها أتت وسط قلق واشنطن بشأن سياسات نتنياهو وإزاء العديد من أعضاء ائتلافه، الذي يتخذ خطا متشددا ضد الفلسطينيين، ومن المتوقع أن يكثف البناء في المستوطنات في الضفة الغربية. ومن ثم لقائه بعباس في رام الله، وتأكيده على الحاجة الملحة إلى تجنب اتخاذ أي طرف خطوات أحادية الجانب قد تؤجج التوترات الميدانية.
وكذلك جاء قيام وفود دبلوماسية دولية ضمت شخصيات من الاتحاد الأوروبي وسفراء بزيارة المسجد الأقصى المبارك، لعقد اجتماع رفيع المستوى مع دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس المحتلة كرد على سلوك يهود مع السفير الأردني قبل ذلك بيوم حيث منعته من الدخول إلى المسجد الأقصى بذريعة عدم وجود تنسيق مسبق مع شرطة الاحتلال، في تأكيد من يهود على أن الوصاية الهاشمية لا تعني سوى تقديم بعض الأموال والخدمات كالسجاد وصيانة الحمامات.
كذلك قيام وفد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، بزيارة كيان يهود مع رفضه عقد لقاءات مع ممثلين عن حزبي الصهيونية الدينية الذي يقوده بتسلئيل سموتريتش، والقوة اليهودية الذي يقوده إيتمار بن غفير. وكذلك سفر رئيس وزراء السلطة، محمد اشتية الأحد إلى بروكسل للقاء العديد من المسؤولين الأوروبيين.
فمختصر الحديث أن القضية الفلسطينية تمر بمنعطف خطير بالنسبة للأطراف كلها، سواء على صعيد السلطة التي باتت ترى أن حلمها بدويلة فلسطينية هزيلة بات يتبخر يوما بعد يوم، وأن أمنيتها في بقاء المشروع الاستثماري الذي يقتات منه أزلامها أصبحت في مهب الريح مع قدوم حكومة يهود التي صرحت بأنّ السلطة ستكون في أحسن أحوالها مجرد كنتونات حكم ذاتي ولفترة مرحلية طبعا.
وحكام المنطقة وعلى رأسهم عبد الله والسيسي، باتوا يشعرون بارتفاع درجة الحرارة والخطر القادم، على عبد الله الذي يخشى على عرشه وعلى الأردن باعتبارها ستكون الوطن البديل للفلسطينيين حسب رؤية نتنياهو وحكومته، والسيسي الذي يتوقع تلزيم غزة لمصر وهو ما يعني بالنسبة له سيناء ثانية فوق سيناء التي يكابد للسيطرة عليها.
أما أمريكا وبريطانيا وأوروبا، وهم أسياد السلطة وحكام المسلمين، فهم متخوفون من أطماع نتنياهو وحكومته التي ربما ستقضي على حل الدولتين وتولد أزمة إقليمية، ويؤرقهم في هذه الأوقات بالذات انشغال أمريكا وأوروبا بملف الحرب الروسية الأوكرانية، إذ لا يريدون أن يستغل نتنياهو ذلك في فرض واقع جديد في فلسطين لا يتماشى مع الحلول والرؤية الاستراتيجية التي يراها الغرب للمنطقة.
فالغرب يرى في كيان يهود طفلا مدللا له، وهو حريص عليه وعلى دوامه وتمكنه في المنطقة، وهو في محاولة تدارك الأمور وتطويق الأحداث لا يقوم بذلك من أجل السلطة الفلسطينية أو أهل فلسطين أو المسلمين، بل من أجل الحفاظ على مشروع كيان يهود ونجاحه في البقاء في المنطقة كقاعدة متقدمة له وخنجر مسموم في خاصرة الأمة.
فجشع يهود وطمعهم الذي لا تحده حدود وفقدانهم البصيرة والرؤية السياسية، هو ما يربك الغرب ويثير مخاوفهم، فالغرب يدرك أن يهود لا قِبَل لهم بالمسلمين ولا بالصراع الحقيقي معهم، وأن كل ما يبقيهم في المنطقة هو المؤامرات والخيانات والمشاريع الاستعمارية وليس قوة يهود وقدراتهم الذاتية، في حين قادة يهود قد أعماهم الطمع والحقد عن رؤية هذه الحقيقة، وباتوا يحسبون أن لديهم قوة تمكنهم من تحقيق أطماعهم وتطلعاتهم التوراتية والصهيونية.
وهذا أمر هو من فضل الله وكرمه، أنْ ولى يهود من لا بصر له ولا بصيرة، بحيث لن تنفعهم خيانات السلطة والحكام وتآمرهم معهم على الأمة وفلسطين، ولن تسعفهم مخططات الغرب والاستعمار في ظل عدم تعاونهم معه، وهو ما يقود يهود إلى الصراع الحقيقي مع الأمة، وإلى المواجهة المحتومة معها، والتي ستكون نتيجتها قطعا لصالح الأمة ووبالاً على يهود وكيانهم، وهذا ما يدركه الغرب والعملاء حكام المسلمين، وهو نفسه ما يحذرون منه يهود، ويحاولون تأجيله أو الحيلولة دون وقوعه، ولكنها إرادة الله، وستبقى قضية فلسطين شوكة في حلوق يهود والظالمين والخائنين، حتى يأذن الله بنصره، ويحين موعد اللقاء مع جند الله المنصورين إن شاء الله، ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع