نقلت وكالة رويترز عن الرئيس التركي أردوغان حديثه عن إمكانية لقائه بالأسد معللاً ذلك بأنه لا توجد خلافات أبدية في السياسة، وأضاف أردوغان في لقائه مع الصحفيين عقب قمة العشرين التي عقدت بمدينة بالي في إندونيسيا "يمكننا إعادة النظر في العلاقات مع سوريا بعد انتخابات 2023".
تأتي هذه التصريحات في ظل الحديث المتعاظم عن عملية عسكرية برية شمال وشمال شرق سوريا، وفي ظل القصف الجوي والمدفعي الكثيف على مواقع المليشيات الكردية الانفصالية بعد عملية التفجير في شارع الاستقلال في إسطنبول، التي تتهمها تركيا بضلوعها فيه رغم أن مصادر أمنية ووسائل إعلام تركية كشفت عن خلية مؤلفة من ثلاثة أشخاص سوريين مسؤولين عنه، وهم أحلام البشير وعمار جركس وبلال الحسن، حيث قالت صحيفة حرييت التركية المقربة من النظام أن جركس وهو تابع لمخابرات النظام الأسدي هو المخطط للهجوم وأن أحلام حصلت على القنبلة منه، حيث اعترفت بأنها نفذت الهجوم بعد مراقبة المكان لثلاثة أيام برفقة بلال الحسن، والذي لاذ بالفرار برفقة عمار جركس بعد تنفيذ العملية إلى بلغاريا وقامت المخابرات التركية بمطالبة بلغاريا بتسليمه.
وهذا يدفع إلى السؤال لماذا أدلى أردوغان تصريحه حول لقائه بالأسد رغم علمه بأنه وراء تفجير إسطنبول؟ ولماذا أصرّ أردوغان على إلصاق التفجير بالمليشيات الكردية، رغم النفي القاطع لقائد المليشيا مظلوم عبدي لعلاقة مليشياته بالتفجير؟ وهل هناك عملية عسكرية بالفعل شرق الفرات؟ وما هو الموقف الأمريكي والروسي من هذه العملية؟
لقد أظهر النظام التركي وجهه الحقيقي منذ طالب جاويش أوغلو وزير خارجيته من المعارضة مصالحة النظام السوري المجرم بتاريخ الحادي عشر من آب الفائت، وتوالت بعدها تصريحات المسؤولين الأتراك حول التطبيع مع طاغية الشام ورفع مستوى الاتصالات بين الجانبين من المستوى المخابراتي، إلى المستوى الدبلوماسي والسياسي، والذي فجّر المظاهرات الرافضة للمصالحة في المناطق المحررة شمال سوريا، ورغم ذلك لم يتراجع النظام التركي عن خطواته بل دفع أدواته من قادة المنظومة الفصائلية لفتح معابر مع النظام المجرم وهو ما يعني الاعتراف بشرعية النظام، وخطوة للتطبيع معه، لكن إصرار الحاضنة الثورية على رفض فتح معابر المصالحة أفشل المخطط التركي مرحلياً، وكشف عن حقيقة موقف الحاضنة من النظام رغم الحصار والتجويع الذي تمارسه المنظومة الفصائلية أداة النظام التركي، الذي ما زال مصراً على السير بخطة المصالحة وعدم الانتظار أكثر كما قال جاويش أوغلو: "هل سنبقى 50 سنة على هذا الحال؟"، ما يدل على إصراره على السير بخطوات حقيقية نحو حل أمريكا السياسي الذي هندسته في القرار الأممي رقم 2254 وجوهره الحفاظ على النظام العلماني العميل في سوريا والقضاء على الثورة ومنعها من تحقيق أهدافها.
إن استعجال النظام التركي للسير في خطوات التطبيع مع بشار نابعة من أسباب عدة على رأسها أن النظام السوري شارف على السقوط، ويريد النظام التركي إنعاشه، ولاحقاً إعادة تسليمه جميع المناطق المحررة. والسبب الآخر المهم لاستخدام هذه المصالحة ورقة انتخابية يضمن بها أصوات العلويين في تركيا، وهذا هو الجواب على إصرار أردوغان على اتهام المليشيات الكردية بالتفجير، وعدم اتهام النظام السوري وإصراره على مصالحة الأسد، الذي اعتبرت أبواقه أن التصريحات التركية تأتي في سياق الدعاية الانتخابية التركية لا أكثر، وهو ما يفسر رفض النظام الأسدي إعلاميا للمساعي التركية لإدراكه أن الوقت المناسب لم يحن بعد.
أما الحديث عن العملية العسكرية التركية شرق الفرات وما يرافقها من تحشيد إعلامي فإنها تحتاج لموافقة أمريكية بالمقام الأول، رغم محاولات النظام التركي الادعاء أنه ليس بحاجة لموافقة من أحد من أجل حماية الأمن القومي التركي، وهي تأتي في هذا الوقت لتحقيق مكاسب سياسية عدة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة، وفي الوقت نفسه تحقيق خطوة مهمة على طريق تنفيذ الحل السياسي في سوريا، ما يعني إسدال الستار على ثورة الشام، بمعنى أن الهدف من الضغط الكبير الذي يمارسه النظام التركي عبر شروطه في إبعاد المليشيات الانفصالية 30 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية وتسليمها للنظام السوري، وهو ما تُفهم منه الأهداف الحقيقية للعملية العسكرية التي تمكّن النظام السوري من استعادة مناطق مهمة شرق سوريا حيث النفط والغاز والقمح، وهو ما يعتبر عربون المصالحة مع نظام بشار الذي سيستعيد نشاطه باستعادة مناطق الثروات ويُخرجه من العجز الذي وصل له، وخصوصاً بعد فشل النظام التركي حتى الآن في تسليم إدلب عقب فشل هيئة تحرير الشام في السيطرة على بقية المناطق المحررة شمال حلب بعد انتفاض الحاضنة الشعبية ورفضها لدخول الهيئة، وهو ما يعتبر وعياً سياسياً للحاضنة الشعبية على ما يخطط له النظام التركي وفصائله. حيث ردّ النظام بقصف مخيم مرام غرب إدلب وارتكاب مجزرة مروعة، في رسالة واضحة أن النظام السوري لن ينتظر سنوات حتى يتم تسليمه جبل الزاوية، فكانت مساعدة النظام التركي للنظام المجرم بدفع قوات سوريا الديمقراطية أكثر فأكثر إلى داخل أحضان النظام، وكل ذلك عبر الأدوات وهي فصائل الدعم والارتباط التي أصبحت بخضوعها للنظام التركي وتنفيذ أوامره تساعد النظام السوري على التمدد واستعادة عافيته بانتظار المصالحة الكبرى لهذه الفصائل والعودة هي الأخرى لأحضان النظام.
رفضت أمريكا إعطاء الضوء الأخضر للنظام التركي للقيام بعملية برية ليس حباً في قوات سوريا الديمقراطية والأكراد، ولكن لأنها ترى أن الوقت لم يحن بعد لفرض حلها السياسي ومن أجل إظهار أنها تتمسك بمن قدم لها خدمات كالمليشيات الكردية، ولسوقها فيما بعد فعلياً للدخول في طاعة النظام المجرم والانضمام إليه وتسليمه ما بين أيديها بعد انتهاء المهمة التي أوكلت لها بذريعة محاربة الإرهاب، ما يكشف عن سوء ارتباطها بالدول الخارجية وتحولها لأداة لخدمة السياسات الدولية. فالموقف الأمريكي هو الذي يتحكم بالسياق العام الذي تم تحديده لمواجهة الثورة وإضعافها وتحويلها من ثورة شعبية إلى حراك عسكري يتم احتواؤه بالمال السياسي القذر وتحويل التنظيمات المسلحة إلى حارس لمصالح الدول في أحسن الأحوال.
إن ثورة الشام انطلقت شعبية واستمد حملة السلاح فيها الشرعية من الحاضنة الشعبية فهي الغطاء السياسي الذي يحميها، لكن عندما ارتبطت هذه التنظيمات بالدول وقبضت المال منها تحول ولاؤها لمن يدفع رواتب عناصرها! فأصبحت تحقق مصالح داعمها، بل تحولت لعدو للحاضنة الشعبية تمارس عليها كل أشكال التضييق الممنهج والحصار وتفرض عليها الضرائب والمكوس، بل إن بعض التنظيمات تحولت من هدف إسقاط النظام إلى مساعدته ومده بالمقاتلين كما هو حال الفيلق الثامن في درعا الذي هاجم درعا البلد وأخضعها للنظام المجرم، وكل ذلك بذريعة تنظيم الدولة الذي بات شماعة لهذه التنظيمات لمحاربة الأحرار الرافضين لمصالحة النظام المصرّين على متابعة مسيرة الثورة وتحقيق هدفها الأساس في إسقاط النظام المجرم.
إن تحركات الدول المتدخلة في سوريا ليس لها سوى هدف واحد وهو الحفاظ على النظام السوري المجرم الذي يخدم مصالح المنظومة الدولية، وعلى ذلك فإن المراقب للدور التركي والخط البياني لمسيرته يعلم أنه لم يخرج عن الأهداف الأمريكية والدولية في سوريا، بل كان دوره من أخطر الأدوار وحقق لهم ما لم يكونوا يحلمون بتحقيقه، وما كان للنظام التركي أن يفعل أفاعيله بالثورة لولا فئة قليلة خرجت من عبودية بشار للبحث عن سيد جديد فوجدوا ضالتهم في أردوغان، ولن يصحوا إلا وهم في سجون بشار أو تحت سكاكين شبيحته، ولذلك فإن العودة والرجوع لمسار الثورة والاعتماد على الداعم الحقيقي ونبذ ما دونه هو خير سبيل لانتصار الثورة، وهذا لا يكون إلا بإعادة تجميع القوى تحت قيادة سياسية واعية صادقة تحمل مشروعاً سياسياً من صميم عقيدة الإسلام القادرة وحدها على مواجهة التحديات التي تقف في مواجهة الثورة حتى إسقاط نظام الإجرام وإقامة حكم الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع