ألغى رئيس الوزراء الباكستاني المعزول عمران خان مسيرة احتجاجية لأنصاره يوم الخميس بعد اشتباكات مع الشرطة أمام البرلمان، لكنه حذر من أنهم سيعودون ما لم تدعُ السلطات إلى إجراء انتخابات في غضون 6 أيام، وجاء ذلك بعد منع الحكومة الباكستانية من تنظيم التجمع في إسلام أباد، وتم قمع مؤيديه في مداهمات في جميع أنحاء البلاد واعتقلت المئات منهم، وجاء الحظر يوم الثلاثاء بعد ساعات من مقتل شرطي خلال إحدى المداهمات، عندما فتح أحد مؤيدي عمران خان النار بعد أن دخل الضباط منزله في لاهور، وكان وزير الداخلية رنا سناء الله خان قد حذّر من أنه "لن يُسمح له بزعزعة السلام في إسلام أباد" وسيتم اعتقاله إذا لزم الأمر، في حالة انطلاق المسيرة، وحذر سناء الله خان في وقت سابق من السعي لخلق حالة شبيهة بالحرب الأهلية. وفي الأسبوع الماضي، حثّ عمران خان أنصاره على التجمع في إسلام أباد يوم الأربعاء في مسيرة حاشدة للضغط على حكومة شهباز شريف، وقال إن التظاهرة ستستمر حتى إعلان موعد إجراء انتخابات مبكرة.
لقد كان عزل الجيش لعمران أثراً عرضياً للصراع الحاصل في مؤسسة الجيش نفسها، وخصوصا بين قائد الجيش باجوا وقائد الاستخبارات العسكرية السابق، الجنرال فايز حميد، الذي عزله باجوا وأرسله بعيدا عن العاصمة ومركز صناعة القرار، حيث عينه قائدا للفيلق في مدينة بيشاور، ولم يتول قائد الاستخبارات الجديد، الجنرال نديم أنجوم، منصبه مباشرة بسبب تصاعد الخلافات بين باجوا وفايز حميد، ورفض خان توقيع قرار تعيين أنجوم، لأن لفايز حميد جميلاً في إنجاح عمران في انتخابات عام 2018 الرئاسية، بعد أن قام حميد بتزويرها ومنع المعارضة في حزب نواز شريف من خوض المنافسة مع عمران، لذلك لا يستبعد أن يكون عمران مدعوما من الجناح المناهض للجنرال باجوا في الجيش بقيادة قائد الاستخبارات السابق الجنرال فايز حميد، الذي كان يطمع بأن يخلف باجوا في قيادة الجيش، لذلك يظن أن هذه الاحتجاجات هي للضغط على قائد الجيش باجوا لعقد صفقة بينه وبين الجنرال فايز حميد.
ولكن تبدو تصرفات عمران خان بعد الإطاحة به أنها حركة المذبوح بعد أن تمّ عزله من منصبه وتنصيب واجهة أخرى للنظام، ولكن الأمر ليس كما يبدو، فهو وإن كان مدعوما من الجناح المعارض لباجوا في الجيش، إلا أن عمران خان يفهم كيف يتم اختيار الحكام والتلاعب بهم من صانعي السياسة الحقيقيين في البلاد، وتتم المصادقة عليهم من سيد النظام في البيت الأبيض، فهو يعلم أن النظام الديمقراطي في البلاد، كحال الأنظمة الديمقراطية في باقي العالم، ظاهرها ممارسة حرية اختيار الحاكم ودستوره، وحقيقتها دولة عميقة، تحرك السياسيين وتملي عليهم السياسيات التي يجب عليهم تنفيذها، حرفاً بحرف، وفي حال انحرفوا عن تلك التعليمات أو غيّروا ولاءهم فإنه يتم نفيهم أو عزلهم أو قتلهم إن اقتضى الأمر! والأمثلة على ذلك كثيرة في تاريخ النظام في باكستان وحده، وما تصفية بنظير بوتو وجناح إلا أمثلة تؤكد ذلك، على أن خيار اعتقال الرويبضات من الوزراء ورؤساء الوزراء أو نفيهم ليس هو الخيار الوحيد، بل هو أهونها، فهؤلاء الحكام الرويبضات أكثر هواناً على الدولة العميقة وسيدتها أمريكا مما يظنّ البعض، ولكنهم لا يتعظون، ولو كانوا يتعظون لما قبلوا صاغرين بأن يكونوا واجهة للنظام الفاجر الموالي للكافر المستعمر على مر تاريخ النظام، وقد كانت تنحية عمران خان عن الحكم بسبب مشاكسته في تنفيذ سياسة الجيش وعدم التزامه حرفيا بما أسند إليه ولعدم طاعته العمياء لمؤسسة الجيش، الحاكم الفعلي في البلاد، ولم يقتض الأمر قتله كما حصل مع بنظير بوتو أو نفيه كما حصل مع نواز شريف، فأمره لا يستدعي أياً من هذه الخيارات، بل اكتفى الجيش بتنحيته، وتنصيب شهباز شريف، الفاسد المحكوم عليه بحكم قضائي سابق بسبب قضايا فساد.
إن تحركات عمران خان المعلنة، لا تعدو مطالبته بإجراء انتخابات مبكرة في البلاد، وهي وإن كانت تبدو ردة فعل منه لعزله المهين لحفظ ماء الوجه، إلا أن هذه الاحتجاجات لن تجلب إلا الشرّ لأهل باكستان، وترك النظام لعمران طليقاً وحيّاً فيه مصلحة له، فتحركات عمران تعطي النظام فرصة وعذراً لتصفية المعارضين الحقيقيين للنظام، واعتقال أكثر من 400 منهم هو مثال على ذلك، ولو كان ذلك القمع في سبيل غاية نبيلة لقلنا لا بأس، بل إن الثمن الذي يدفعه الناس هو فقط المطالبة بانتخابات مبكرة، ليس للأمة فيها ناقة أو بعير، ولو فرضنا قبول النظام بإجراء انتخابات، فما هي نتيجتها المرجوة؟! هل سيتغير النظام والدستور، مصدر معاناة الناس، أم أنها ستعيد تدوير الحكام؟! ولو فرضنا نجاح عمران خان في الانتخابات وهذا شبه مستحيل، فهل عنده رؤية عقدية وسياسية واقتصادية تخرج البلاد من أزمتها؟! الجواب هو لا، فلو كانت عنده رؤية لقام بتطبيقها حين كان في الحكم، ولكنه مفلس مثل باقي الرويبضات الذين سبقوه وكل الرويبضات الذين سيولدون من رحم هذا النظام.
إنّ تحرك عمران يخدم النظام ولا يضرّه، فهو بتحفيزه للشارع للمطالبة بالسراب يأخذ الأمة بعيدا عن المطالبة بالتغيير الحقيقي المتمثل بإقامة الخلافة على منهاج النبوة على أنقاض هذا النظام الفاشل، وهو بتحركه هذا يضلّل الناس عن محاسبة النظام على تردي الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد، حيث وصل التضخم وتفشي البطالة عنان السماء، لذلك ما يقوم به عمران وما يسعى له هو تكملة لمسيرته السياسية في خدمة النظام الفاسد وتطويل عمره، بالتغطية على سوءاته وتوصيف المشكلة على غير حقيقتها، هذا مطلبه وهذا الذي يسعى إليه، ولا نقول إنه يقوم بذلك بدافع الجهل، فلا يحسن الظن في حاكم حكم بغير ما أنزل الله ولو ليوم واحد.
لذلك يجب على المخلصين ممن يشاركون في الاحتجاجات ومن غيرهم من الأغلبية الصامتة في البلاد، يجب عليهم المطالبة بالتغيير الحقيقي في البلاد، وعدم السماح لأي طرف من الحكومة أو المعارضة بتحميلهم وزرهم من خلال المطالبة بسفاسف الأمور التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا يقبلوا على أنفسهم بأن يكونوا وقودا لنارهم، كما يجب على المخلصين من أهل القوة والمنعة تنظيف صفوفهم من الخونة، من المتصارعين على مناصب قيادية في الجيش، والإطاحة بالقيادة السياسية والعسكرية وكنس الدولة العميقة والنفوذ الغربي من بلادنا، وإعطاء النصرة لحزب التحرير لإقامة دولة العز والظفار، الخلافة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع