احتجز الحوثيون في اليمن سفينة شحن ترفع علم الإمارات أثناء إبحارها قبالة سواحل مدينة الحديدة. وقد تضاربت الأنباء حول مهمة السفينة والمعدات التي كانت على متنها. ففي تغريدة بموقع تويتر، قال المتحدث باسم الحوثيين، يحيى سريع، إن السفينة كانت تحمل "معدات عسكرية" و"دخلت المياه اليمنية بدون أي ترخيص" وكانت "تمارس أعمالا عدائية"، بينما نقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) عن العميد تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف، قوله إن سفينة الشحن روابي كانت تقوم بمهمة من جزيرة سقطرى إلى ميناء جازان، وتحمل على متنها معدات خاصة بمستشفى ميداني سعودي.
لقد توافقت ردود الأفعال الإقليمية والدولية حول احتجاز الحوثيين للسفينة الإماراتية، فقد اتهم التحالف العربي على لسان المتحدث باسمه العميد تركي المالكي، بممارسة الحوثيين القرصنة وتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر. كما أدانت الجامعة العربية وبعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن، والأمم المتحدة باسم المتحدث الرسمي ستيفان دوجاريك، احتجاز السفينة، ودعوا جميعاً إلى ضرورة احترام الحقوق المتعلقة بالملاحة البحرية وفقاً للقانون الدولي، وطالبوا الحوثيين بالإفراج الفوري عنها. أما الخارجية الأمريكية فقد أدانت احتجاز الحوثيين للسفينة، وقالت إن تصرفات الحوثيين تأتي في وقت يجب فيه خفض التصعيد والعودة إلى محادثات سياسية شاملة. فمع إدانة الخارجية الأمريكية للحوثيين باحتجاز السفينة، إلا أن أمريكا قد تستغل الحادثة لصالحها، وذلك بالتهويل الإعلامي وإظهار القلق والخوف على سلامة خط الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وهذا ما تخاف منه أوروبا. كما أن رد أمريكا لم يكن قوياً بل كان عابراً، ما يدل على رضاها بما قام به الحوثيون، هذا إن لم تكن هي التي أوعزت للحوثيين باحتجاز السفينة.
إن توافق ردود الأفعال الإقليمية والدولية على احتجاز السفينة الإماراتية، لتدل على أن المؤثر فيها الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا، وأن الغاية الجامعة لأمريكا وأوروبا، هي تأمين الملاحة البحرية الدولية لنقل النفط والمواد الخام إلى أوروبا وأمريكا، وإعادة تلك المواد سلعاً إلى منطقة الشرق الأوسط، كبعدٍ اقتصادي. أما البعد السياسي فيتمثل في سيطرة أمريكا على البحر الأحمر تحت مسمى أمن البحر الأحمر والذي تعمل لتحقيقه منذ عهد الرئيس الحمدي، عندما تم عقد مؤتمر تعز العربي بمشاركة عدد من الدول المطلة على البحر الأحمر وبمشاركة الجامعة العربية في مدينة تعز في آذار/مارس من عام 1977م مروراً بأعمال القرصنة التي كان يقوم بها قراصنة مدربون ومحترفون من الصومال، ومنذ بدء أعمال القرصنة، لم تختطف ولو سفينة واحدة تابعة لأمريكا أو كيان يهود في البحر الأحمر، في محاولة لتدويل القضية. فأعمال القرصنة في البحر الأحمر تخدم أمريكا، سواء أكانت من الصوماليين سابقاً أم من الحوثيين الآن ولا تخدم أوروبا بأي حالٍ من الأحوال، فأوروبا ضد القرصنة منذ العام 2008م.
أما بالنسبة لليمن خصوصاً، وفي عهد الهالك علي صالح، فقد حذَّر تقرير صادر عن الكونجرس الأمريكي من تجاهل صناع القرار الأمريكيين، خطورة عدم الاستقرار في اليمن على المصالح الأمريكية في المنطقة، بسبب موقع اليمن الاستراتيجي المشرف على مضيق باب المندب، وأن عدم الاستقرار في اليمن يمكن أن يؤثر على ما هو أكبر من المصالح الأمريكية؛ إذ يمكن أن يؤثر على أمن الطاقة العالمي، بسبب موقع اليمن المطل من جانبي مضيق باب المندب، بين البحر الأحمر والمحيط الهندي حسب ما جاء في كتاب "مقاتل من الصحراء" للفريق أول ركن خالد بن سلطان بن عبد العزيز. ونتيجةً لتحذير الكونجرس عملت أمريكا على تحسين العلاقات العسكرية والأمنية اليمنية الأمريكية في أواخر التسعينات، وكان ذلك بعد حادثة المدمرة كول في مرفأ عدن، فتصاعد التعاون الأمني بعدها، وزاد التنسيق والتدريب على مكافحة الإرهاب، فوصل التعاون ذروته في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2002، في العملية المشتركة لاغتيال أبي علي الحارثي، قائد تنظيم القاعدة في اليمن.
وفي 27 تموز/يوليو 2009م صرح قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال ديفيد بيتريوس، الذي كان باليمن بعد لقائه علي صالح آنذاك، أن الجانبين ناقشا وبحثا التعاون العسكري، بما في ذلك التدريبات المشتركة وإجراءات مكافحة الإرهاب؛ فضلاً عن تنفيذ وتفعيل الأمن التعاوني في اليمن والمنطقة ككل. ثم تأتي آخر محاولة لأمريكا حالياً في قضية أمن البحر الأحمر، المؤتمر الذي عقد في الرياض في كانون الأول/ديسمبر 2019م برعاية سلمان بن عبد العزيز ولكنها لم تصل إلى بغيتها، فها هي قد تستخدم اختطاف الحوثيين للسفينة بإظهارهم كقوة إقليمية تهدد الملاحة البحرية الدولية، والذي يستلزم إما السيطرة على البحر الأحمر بمفردها وتصبح المتحكمة الوحيدة فيه، وإما تشكيل قوة إقليمية ودولية لأمن البحر الأحمر تحت قيادتها وعلى عين بصيرة منها ويكون الدور الفاعل لها في حالة عدم قدرتها على السيطرة المتفردة لها. فهل تعي قيادة الحركة الحوثية وأتباعها ما يراد استخدامهم فيه؟! كيف ذلك وهم يستخدمون شعار الموت لأمريكا بينما هم في حقيقة الأمر يقدمون أنهاراً من الدماء لتحقيق مصالح وأطماع أمريكا براً وبحراً، بنفس ما يقدمه عبد ربه منصور هادي ومن معه لبريطانيا؟!
إن الواجب الذي تفرضه عليكم عقيدتكم يا أهل اليمن، هو خلع حكامكم الذين يقدمون دماءكم قرابين لخدمة أعدائكم، والعمل الجاد لتحكيم شرع ربكم فيما بينكم، من خلال العمل على التغيير الجذري لمفاهيمكم على أساس دينكم، والذي لن يطبق فيما بينكم إلا بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي يعمل لها في الأمة ليل نهار حزب التحرير، فإلى خير الدنيا والآخرة ندعوكم فأنتم أهل لهذا الخير العظيم.
رأيك في الموضوع