اجتمع في سوتشي النسخة الأخيرة كُلٌّ من الرئيس الروسي بوتين، والرئيس التركي أردوغان، وذلك يوم الأربعاء 29/9/2021 من الأسبوع الماضي لتصدر تصريحات يُعرب فيها الضامنان عن ارتياحهما لما تم بينهما، وقد تناقلت الأخبار أن من بين الملفات التي بحثت التوتر الأخير الجاري في سوريا، والحاصل نتيجة القصف المتكرر من الطيران الروسي لمناطق خفض التصعيد التي تُشرف تركيا عليها وعلى فصائلها، وكذلك القصف الذي طال مقرات الجيش الوطني (فرقة الحمزة في مدرسة قرية براد بريف عفرين) التي هي تحت وصاية الضامن التركي.
ولقد كانت السمة الظاهرة للقاء هي كمية النفاق السياسي بين الرئيسين. فبعد أن افتضح كيف يتعاملان مع بعضهما يأتي هذا اللقاء لإظهار عكس ذلك، فالذاكرة السياسية لم تنس بعد كيف انتظر أردوغان دقائق حتى يتسنى له لقاء بوتين، الذي بدوره رد الصاع بالمثل. في نهاية اللقاء شكر بوتين زيارة أردوغان قائلاً: "شكرا لزيارتك، كان ذلك مفيدا جدا، سوف نبقى على اتصال". من جهته وصف أردوغان اللقاء بأنه "مثمر" دون الكشف عن تفاصيل، لتنتهي بذلك القمة التي جمعت بينهما.
يُذكر أن هذا اللقاء الذي تم في سوتشي يأتي ضمن سلسلة لقاءات أستانة، وجاء في أوضاع صعبة تعيشها المناطق المحررة هذه الأيام. فالفقر أصبح سمة ظاهرة يعيشه أغلب الناس ضمن سياسة ممنهجة تمارس عليهم لكسر إرادتهم ودفعهم للقبول بأي حل يفرض عليهم.
فهذه المؤتمرات عادة ما تأتي بعد حملة من الضغط تُمارسه الدول المتآمرة على أهل الشام، فالفصائل التي تحت سيطرة الضامن التركي تثقل ظهور الناس بالتضييق والتسلط والاستبداد، والاحتلال الروسي يقوم بقصفهم وترويعهم.
إن ثورة الشام منذ أن اندلعت عام 2011 وهي يمارس عليها الكثير من الضغوطات بأساليب مختلفة، تهدف لأمر واحد ألا وهو ثنيها عما حددته من ثوابت وسعتْ له من أهداف في بداياتها وعلى رأسها إسقاط النظام بدستوره وكافة أركانه ورموزه.
هذا الضغط الذي كلما اقترب أهل الشام من تحقيق أهدافهم زاد مرات ومرات. ضغط بلغ مبلغه بعدما تحول أهل الشام من شعار "إسقاط النظام" إلى مطالبتهم بنظام سياسي يعبر عما يحملونه من عقيدة، ضغوطات مورست عليهم بأوجه مختلفة، منها ما كان بالحديد والنار مارسها النظام المجرم ومن يسانده كإيران وروسيا، ومنها ما كان عبر طرق خبيثة دخلت الثورة من باب الصداقة وادعاء الحرص والدعم، وكانت تركيا أبرز من مارس هذا الدور.
ولكن ما يمكن قوله يقيناً هو أن كمية الضغط هذه التي تمارس على الثورة في أعلى درجاتها، غايتها هي منعها من تحقيق هدفها، وترويض أهل الثورة للاستسلام للحل السياسي الأمريكي، يقابله أمر أصبح أكثر وضوحاً عند حاضنة الثورة وهو الرغبة بالاستمرار بالثورة والثبات بالسير فيها، بل والرغبة بإكمال المسير نحو تحقيق الثوابت والأهداف رغم كل ما تقاسيه من مآسٍ وصعوبات وما تواجهه من كيد ومؤامرات؛ وهذا ما يثير جنون الدول المتآمرة ويدفعها لزيادة الضغط عليها لإفشالها والقضاء عليها.
نعم لقد كان لروسيا وتركيا الدور الأساس فيما ذكرنا، وأهل الشام أصبحوا يدركون ذلك تماماً. وعليه، فقد أصبحوا يعبرون عن سخطهم ورفضهم لهذا الدور الخبيث.
لقد أصبح الناس يتناولون الدور التركي بنوع من السخرية الواضحة، فما إن تدخل الأرتال التركية منطقة من المناطق حتى تبدأ تعليقات الناس بأن المنطقة "عليها السلام" وأنه سيتم تسليمها، في إشارة واضحة منهم إلى حقيقة دور تركيا أردوغان في التآمر على الثورة.
اليوم وبعد أن أصبحت معلومةً لأهل الشام أدوارُ الدول جميعها ومواقفها تجاه ثورتهم، فقد آن لهم أن يتحركوا من جديد، ولكن هذه المرة بوعي واستقامة؛ وذلك تحت قيادة سياسية واعية مخلصة تحمل مشروعا حضاريا، يرسم لها طريق سيرها ويحدد لها كيفية الوصول لهدفها، ويقدم لها النظام الذي يحكمها والمنبثق من عقيدتها. إن حزب التحرير ومنذ بداية الثورة وهو حريص كل الحرص على تضحيات أهل الشام، وحريص أن تتكلل ثورتهم بالنجاح والوصول للهدف، وأن تقطف الثمرة ولا تضيع التضحيات، فهو لم يبخل يوما عن التحذير من المطبات والمكائد السياسية، بل ويصف ويشرح كيفية تخطيها.
فيا أهل الشام، ضعوا أيديكم بيد الرائد الذي لا يكذب أهله وانصروه وتبنوا مشروعه الذي به فقط نحقق ما خرجنا لأجله وبه نحقق رضوان الله في الدنيا والآخرة، ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع