إن أكثر ما يشغل تفكير الغرب هذه الأيام؛ هو إيجاد الخطط والأساليب من أجل احتواء المد الإسلامي وإيقاف أمواجه المتدفقة عن الوصول إلى بر الأمان، تماما كما كان شغله الشاغل في بدايات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، هدم دولة الخلافة، وتقسيم ميراثها السياسي، والحيلولة دون عودتها إلى واقع الحياة مرة أخرى عبر دوله الشريرة وعلى رأسها الدول الأوروبية وروسيا، وعبر منظوماته وهيئاته الدولية؛ على رأسها الأمم المتحدة، وقبلها عصبة الأمم.
لقد اتبع الغرب أساليب متعددة وطرقاً كثيرة؛ لوضع الحواجز والعقبات أمام تطلعات الأمة وغاياتها السامية في الوصول إلى الحكم، وإعادة صرح الإسلام المنهدم، عن طريق إعادة الحكم بما أنزل الله، إلا أن حركة الأمة ومشاعرها المتدفقة نحو دينها لم تستجب لخديعة الكفار وسياساتهم المضللة، ولم تقف عند الحواجز الموهومة، رغم قسوتها وشدتها وكثرتها؛ بالقتل والترهيب والسجون والمضايقات وغير ذلك من أساليب الاستعمار وعملائه الحكام الضالين المضلين.
لقد فشل الاستعمار فشلا ذريعا في إيقاف المد الإسلامي نحو التحرر والانعتاق، وفشل من قبل في ترويض الأمة عندما احتل بلادها عسكريا، وجثم على صدرها، وفشل في تضليل الرأي العام كذلك بالحركات القومية والوطنية وغيرها من مسميات.
لم ييأس الكفار وعلى رأسهم أمريكا وأوروبا في ابتكار الأساليب والطرق لإيقاف المد الإسلامي نحو هدفه السامي، أو حرف مساره نحو مسارات أخرى لا توصله إلى الهدف الصحيح، فوصل مكرهم وخداعهم إلى أمرين: الأول: إيصال بعض الجماعات الإسلامية إلى الحكم، بطريقة مسيطر عليها فكريا وسياسيا. والثاني: إشراك جماعات إسلامية معينة في الحكومات العميلة، ضمن مواصفات ومقاسات وشروط معينة. فهل نجح الغرب نجاحا حقيقيا مؤثرا في حرف مسار الأمة بهذين الأسلوبين، أم أنه أضاف فشلا جديدا إلى قائمة فشله؟!
الحقيقة هي أن الغرب قد مارس الخداع والتضليل الكبيرين في هذين الأسلوبين، فخدع بعض أبناء المسلمين وضلّلهم وحرف مسارهم قليلا، لكنه لم ينجح في خديعة الأمة بشكل عام؛ فصارت الأمة أكثر وعياً على مكر الكفار، وأكثر يقيناً وإيماناً بأن المشاركات في الحكم عن طريق العملاء، أو الوصول إلى الحكم بالفعل بشروط الغرب وقيوده، لا تسمن ولا تغني من جوع، بل على العكس تزيد الناس تردّياً وانحداراً إلى الأسوأ.
فالفكرة المخادعة الأولى قد مارسها الغرب منذ سنوات مضت، وما زال يمارسها في دول عدة؛ وذلك بإيصال بعض الجماعات الإسلامية إلى الحكم، ضمن مقاسات ومواصفات وشروط معينة تصب في مصلحته. فقد أوصل (الآيات) في إيران عن طريق جماعات موالية لهم داخل إيران ضد الشاه والحركات العلمانية، وأوصل بعض حكام السودان، وأوصل حزب الرابطة الإسلامية في باكستان إلى الحكم، وسمح لأردوغان بالوصول إلى الحكم، وتعاون معه سياسيا واقتصاديا، وعبر المنظومات العسكرية في حلف الأطلسي. ولم يقف الحد عند الجماعات السياسية بل زاد على ذلك مساعدة بعض الجماعات العسكرية في الوصول إلى الحكم ضمن شروطه وقيوده؛ كما جرى مع بعض الجماعات الأفغانية بعد تحريرها البلاد من الاتحاد السوفيتي، وكما جرى مع تنظيم الدولة في الموصل، وكما يحاول هذه الأيام مع حركة طالبان عن طريق عملائه في قطر والإمارات وتركيا وباكستان، وعن طريق الهيئات والمؤسسات الدولية، مثل هيئة الأمم المتحدة، والمساعدات المالية وغيرها.
إن هذه الفكرة المخادعة قد أخذت من الأمة جهودا وطاقات ودماء وأموالا كثيرة؛ ففي إيران استطاعت أمريكا أن تطيح بنظام عصيّ عليها؛ استمر سنوات طويلة وغرز نفسه في أوساط سياسية متعددة داخل إيران، ولا ننسى مقولة الشاه وهو على متن الطائرة يودع إيران ويقول بلسان الحسرة: "لقد أخرجتني أمريكا من إيران كما تخرج الفأر من المصيدة"، ثم تابعت أمريكا خديعتها في حرب ضروس مع النظام العراقي أهلكت الحرث والنسل من كلا البلدين، واستطاعت أمريكا في نهايتها من قلع الوسط السياسي العراقي بالكامل وزرع عملائها بدلا منه، عدا عن فتح سوق واسعة للسلاح طوال ثماني سنوات متواصلة.
وفي السودان فقد استطاعت أمريكا وحلفاؤها في المنطقة ترسيخ نفوذها السياسي عن طريق البشير مسنودا ببعض الجماعات الإسلامية، واستطاعت أيضا أن تفصل جنوب السودان عن شماله بموافقة البشير وحكومته. هذا عدا عن تحطيم السودان اقتصاديا في حرب استمرت سنوات بين الشمال والجنوب.
أما حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، في باكستان فاستطاعت أمريكا من خلاله نزع النفوذ الأوروبي من الحكم، ومن بعض الأوساط السياسية المؤثرة مثل حزب الشعب الباكستاني، وساعدها ذلك في نزع النفوذ الأوروبي من الهند كذلك من حزب المؤتمر الهندي ذي الجذور العميقة في الهند، وذلك عن طريق حزب بهاراتيا جاناتا، واستطاعت أمريكا أيضا تسخير حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية وحكامه في حرب شريرة على مناطق وزيرستان، وتسخيره أيضا في احتلالها لأفغانستان.
وفي تركيا فإن أرودغان يقوم بخدمة سياسات أمريكا بالتعاون مع حلفائها في المنطقة يعجز عنها أي وسط سياسي في تركيا حتى العلمانيين. فقد قدم خدمات كبيرة في ترويض الحركات العسكرية المقاتلة في الشام، وما زال يتابع الأمور لتسوية سياسية تثبت نظام بشار، وقدم خدمات كبيرة لأمريكا في احتلالها لأفغانستان، وقام بتسلّم قيادة حلف الأطلسي سنة 2009 من فرنسا في أفغانستان، ومارست القوات التركية الحرب على المسلمين هناك مع القوى الكافرة، وتقوم تركيا بأدوار شريرة في ليبيا وغيرها...
يتبع...
رأيك في الموضوع