برغم أن النظام السعودي لم يكن من ضمن طابور المهرولين نحو إعلان التطبيع مع كيان يهود، والذي بدأ بالإمارات وانتهى بالمغرب مرورا بالبحرين والسودان، ولكن يبدو أنه يمهد لذلك بشكل مدروس وممنهج، ولا يريد أن يقوم به هكذا مرة واحدة بدون تهيئة الظروف والأوضاع التي تجعل تلك الخطوة تمر بسلام، خصوصا في ظل الخطوات المتسارعة التي يقوم بها ولي العهد السعودي نحو علمنة البلاد بشكل فج. فمن الواضح أن التغيير الذي جرى في المناهج الدراسية هو جزء من تغييرات وتوجهات أعم في المملكة تسمح بوجود مدخل لقبول علاقات دائمة مع كيان يهود والقبول بوجوده في المنطقة ككيان طبيعي.
وكانت الديلي تليغراف قد نشرت في 17 كانون الأول/ديسمبر 2020م، تقريرا لمراسل شؤون الشرق الأوسط دافيد روز بعنوان "طفرة في التوجهات السعودية مع حذف معاداة السامية والتشدد الإسلامي من المناهج التعليمية". ويقول روز إن بحثا جديدا حول المناهج الدراسية في السعودية أكد إلغاء أجزاء كبيرة منها وتغيير أجزاء أخرى للتخلص من "أفكار معادية للسامية وأخرى مؤيدة للمتشددين الإسلاميين وهو ما يرى البحث أنه تحول تاريخي ملحوظ في توجهات المملكة". ويشير روز إلى أن البحث كشف أن الكتب المدرسية التي توزعها الرياض على أكثر من 30 ألف مدرسة في المملكة والخارج خلت من نصوص كانت موجودة في السابق تتضمن الترويج "لنظرية المؤامرة بأن اليهود يسيطرون على العالم ونصوص أخرى حذفت كانت تتضمن دعوات لقتل المثليين جنسيا والمرتدين حسب الشرع". كما خلت المناهج من نصوص الحض على وجوب "استعداد المسلمين للجهاد وأهمية الشهادة"، وتم استبعاد نصوص تتحدث عن معركة ملحمية في نهاية الزمان والتي "يقتل فيها المسلمون اليهود بعدما تتحدث الحجارة والأشجار"، وهي التطورات التي تأتي وسط تقارير بوساطة أمريكية لحث المملكة على تطبيع علاقاتها مع كيان يهود.
كما تم تغيير فحوى دروس تاريخية تتعلق "بالخلافة العثمانية" والتي صارت تسمى الآن في المناهج الدراسية السعودية "الدولة الغازية". وعددت وزارة التعليم السعودي ما وصفته بالجرائم العثمانية كما يلي: "القتال ضد الدولة السعودية الأولى والثانية، دعم بعض القادة المحليين ضد الملك عبد العزيز، تدمير الدرعية والبلدات المحيطة، وكذلك أجزاء كثيرة من زهران وعسير، إلى جانب تعذيب الإمام عبد الله بن سعود، آخر إمام للدولة السعودية الأولى، واغتياله بعد نقله إلى إسطنبول".
المناهج السعودية الجديدة سلّطت الضوء على معركة تربة التي قالت إنها شهدت تكبّد العثمانيين خسائر كبيرة، ومقتل مئات من الجنود وفرار البقية تاركين خلفهم أسلحتهم ومدافعهم، بعد أن انهزموا أمام "قوات الأبطال السعوديين"؛ وهو ما يخالف عديداً من المصادر التاريخية عن نشأة المملكة. إذ الثابت تاريخيا أن العثمانيين قد انسحبوا من الإمارات والمدن العربية بحلول العام 1918م أي قبل تاريخ معركة تربة بعام بسبب مواجهتها الطاحنة مع قوات الحلفاء بزعامة بريطانيا والمواجهات مع المتمردين من القبائل العربية، فالمعركة كانت بين إخوان من طاع الله بقيادة سلطان بن بجاد وحاكم الخرمة الشريف خالد بن منصور بن لؤي والشيخ سلطان بن مشعان أبا العلا ضد قوات الشريف الحسين بن علي حاكم مكة والمدينة المنورة بقيادة ابنه عبد الله الأول بن الحسين والقائد عبد الله العسيس في وادي تربة البقوم، وانتهت المعركة بانتصار الإخوان.
وبهذا يتبين أن العثمانيين لم يكونوا بالأساس طرفاً من أطراف المعركة، إذ انسحبت قوّاتهم من كافة أراضي شبه الجزيرة العربية قبل نهاية العام 1918، باستثناء المدينة المنورة التي أصرّ فخر الدين باشا على البقاء فيها حتى انهيار الدولة تماماً.
وبحسب تقرير أعدته مجموعة من الخبراء السياسيين الأمريكيين تم تقديمه إلى جهاز الأمن القومي الأمريكي وعنوانه "الجوانب النفسية للإرهاب الإسلامي"، اعتبر أنه أصبح من الواجب إيجاد صيغة ملزمة للتعاون بين الدول العربية وأمريكا فيما يخص تغيير مناهج التعليم والسياسة والإعلام والقبول بأدوار مشتركة بين الطرفين، واعتبرت الدراسة أن الصورة السلبية عن أمريكا وكيان يهود هي التي تشكل البذرة الأولى للأفعال الإرهابية ومن ثم فتغيير مناهج التعليم التي تحض على كراهية اليهود والعالم الغربي خاصة، مما يدعو إلى القيام بأعمال إرهابية مثل مفهوم الجهاد الذي يحرض المسلمين على قتل أنفسهم في مقابل تدمير وإرهاب كل ما هو غير مسلم، على حد زعم التقرير.
إذاً فإقدام حكام آل سعود على حذف النصوص التي تعادي يهود وتجرم احتلال فلسطين، والنصوص الخاصة بكراهية وحرمة الشذوذ الجنسي، هو اعتراف صريح منهم بالتخلي عن أحكام الإسلام طالما هذا يحفظ عروشهم ويرضي عنهم أسيادهم. وهذا التلاعب بالمناهج الدراسية منسجم مع رؤية ابن سلمان للمملكة، فهو قد أكد في وقت سابق من عام 2017، أنه سيشنّ هجوما على ما سماها "الأفكار المتطرفة"، معلنا أن بلاده "سوف تدمر" هذه الأفكار وستعود للحياة الطبيعية.
وجاءت تصريحات ابن سلمان خلال ندوة حوارية على هامش الإعلان عما يعرف بـ"مشروع نيوم"، وأضاف في حديثه: "سنراهن على الإسلام المعتدل المنفتح على الثقافات، ولن نضيع 30 عاما أخرى في التعامل مع الأفكار المتطرفة... سنعود إلى ما كنا عليه من الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح".
ومن هنا نلحظ تركيز مشايخ النظام السعودي على الفروع المتعلقة بالعبادات بحيث يظل الدين علاقة بين المرء وربه دون أن يتجاوز ذلك إلى أي فعل يتصل بنهضة الأمة أو هويتها أو الدفاع عنها، ولا ننسى خطبة السديس في الحرم التي تزامنت مع تطبيع الإمارات مع كيان يهود، والتي دعا فيها إلى حسن الحوار والمعاملة مع يهود، لاستمالة قلوبهم للدين، كما لم تعقّب السعودية على إعلان التطبيع الإماراتي بما يعتبر مباركة، بل إن النظام السعودي فتح مجاله الجوي لعبور طائرات يهود إلى الإمارات، ولم ينبس أي أحد من علماء السوء ببنت شفة، ومن يخرج على هذا النهج الجديد فمصيره التغييب في غياهب السجون لسنوات لا يعلم مداها إلا الله.
إن النظام السعودي العميل للغرب بعد أن أهدر ثروات الأمة على أعتاب الغرب، ووقف في خندق المستعمرين الذين يشنون حرباً صليبية على الأمة الإسلامية، فمكّنهم من خيرات بلاد الحجاز وثرواتها وإقامة القواعد العسكرية فيها لقصف حواضر المسلمين ومدنهم، وشن حرباً على أهل اليمن تنفيذاً لخطط المستعمرين في بلادنا وإمعانا في تقسيم الأمة وإذلالها، وبعد خوضه حرباً استخباراتية ومؤامراتية ضد ثورات الأمة في الشام وغيرها في بلاد المسلمين ودعمه للسيسي وأشباهه من الطغاة في كل مكان، ها هو يوغل في حربه على الأمة، يشن حربا على ثقافتها ومعتقداتها ونصوصها الشرعية في محاولة منه لنزع كل عناصر القوة منها.
لقد آن للأمة الإسلامية وأهل القوة والمنعة فيها أن يخلعوا هذه الأنظمة التي تحارب دين الله ونصوص الشريعة والقرآن خدمة للمستعمرين وكيان يهود، آن لكل المخلصين أن يهدموا تلك العروش المهترئة ويقيموا الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لتصون الدين ونصوصه وتحرر فلسطين وتحمل الإسلام رسالة نور ورحمة للناس أجمعين.
رأيك في الموضوع