لم تكن حادثة الإسراء والمعراج حدثاً عادياً في ظروف عادية، وإنما حدث استثنائي في توقيت استثنائي، سيما أنها أتت في وقت انقطاع السند والعون الذي كان يوفره وجود أمنا أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وأبي طالب عم النبي محمد ﷺ، وفي ظل التكذيب الشديد، والصد عن دعوته ﷺ، شكلت الإسراء والمعراج معجزةً ودليلاً يضاف إلى عديد دلائل النبوة التي ساقها النبي ﷺ إلى أهل مكة، ليفتح أعينهم وينير قلوبهم، ويحرك عقولهم في اتجاه الإيمان به وبرسالته، هذا من جانب. ومن جانب آخر فقد جعلها الله هدية لنبيه ﷺ تسرّي عنه وتخفف حزنه، وتثبت فؤاده بعد ما لقيه من مشاق ومعاناة في طريق الدعوة إلى الله، وصولاً لمن يؤازره وينصره، ويقيم معه الدين، يطبقه ويحكم به بعد أن صدته مكة، وحاربته وناصبته العداء هو ومن معه من المؤمنين، وأغلقت أبوابها وقلوبها دونه ﷺ.
خرج من مكة يطوف على القبائل الواحدة تلو الأخرى باحثاً عمن ينصر الدين ويقيم له دولة تطبقه في حياة الناس وتحمله دعوة هدى ونور للناس أجمعين، فلقي ما لقي ﷺ من العنت والشدة، وقسوة القلوب وسوء الرد، وكان ما أصابه من أهل الطائف من الفظاظة والإساءة أشد مما أصابه في مكة وغيرها، فضاقت عليه الأرض بما رحبت، فلجأ ﷺ إلى ظل جدار يرفع كفيه يدعو ربه تائباً مستغفراً، يظن أن قد حل عليه غضب الله وسخطه فمنع عنه الناس أن يؤمنوا له، وحبس عنه النُصرة والمؤازرة، فجاءت الإسراء والمعراج لتطمئن قلبه الشريف، وتبلسم جراحه ﷺ، جاءت لتقول يا محمد إذا أغلق أهل الأرض أبوابهم دونك فأهلا بك في السماء. جاءت لتقول إن الدين عند الله هو الإسلام، وإن النبي محمداً ﷺ هو خاتم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهو وأمته من بعده حملة اللواء، وسدنة الوجود، وأحق الناس بقيادة العالم وريادة الأمم، جاءت لتبشر بالنصر والتمكين، وانتشار نور الإسلام في العالمين، وتوسع دولته في الأرض شرقاً وغرباً لتنهي وجود دول الظلام وإمبراطوريات الشر.
فمن وراء الإسراء والمعراج كانت أعمال سياسية عظيمة قام بها النبي ﷺ بهدف بناء الدولة الإسلامية الأولى، وفي جوهر هذه الأعمال يأتي البحث عن أهل النُصرة، أهل القوة والمنعة الذين ينصرون الدعوة ويحمونها بقوتهم، ويقيمون كيان الإسلام وصرحه، دولة تطبق أحكام الله وشرعه، وتحمل رسالة الإسلام للعالم بالدعوة والجهاد.
تتزامن ذكرى الإسراء والمعراج مع حدث استثنائي آخر، حدث مفصلي شكل منعطفاً خطيراً، واختباراً صعباً للأمة في استعدادها للمحافظة على أمانة الإسراء والمعراج، وميراث الدولة الإسلامية، المتمثل بالأرض المباركة ومسجدها الأقصى مسرى رسول الله ﷺ ومعراجه، فكانت معركة حطين وتحرير بيت المقدس من الصليبيين، معركة فاصلة ما كانت لتحقق نتائجها لولا الإدراك التام ممن خاضوا معركة البناء والتحرير في الأمة، لولا إدراكهم بضرورة التغيير وطريقه، وإعادة الوحدة للأمة وكيفية الوصول إليها، والارتباط بالدولة وماهية السلطان، بداية من القائد العظيم عماد الدين زنكي مروراً بابنه القائد العادل نور الدين محمود، وانتهاء بالقائد المظفر صلاح الدين الأيوبي، جهود مضنية بذلت في سبيل تحقيق الهدف، امتدت إلى قرابة العشرين عاماً حتى تكللت بالنصر والتمكين، وطرد الصليبيين، واستعادة الأرض المباركة بعد أكثر من تسعين سنة.
حدث ثالث يتزامن مع تلك الأحداث، بل لا أتجاوز الحقيقة إن اعتبرته زلزالاً، وكارثة الكوارث التي أطاحت بالأمة الإسلامية، وفعلت بها الأفاعيل، إنها فاجعة هدم الخلافة، الدولة الإسلامية التي بذل في سبيلها النبي ﷺ حياته فكان يقول «وَاللَّهِ إِنِّي لَا أَزَالُ أُجَاهِدُهُمْ عَلَى الَّذِي بَعَثَنِي اللَّهُ لَهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ لَهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ»، دولة الخلافة التي كان الإسراء والمعراج ثمرة من ثمار السعي نحوها، دولة الخلافة التي فتحت بيت المقدس لتوثق رابطة العقيدة بين المسجدين وتختمه بالدم فكان الفتح العمري، وكانت العهدة العمرية، دولة الخلافة التي جندت أقصى ما تملك من طاقة لتقضي على الوجود الصليبي في بيت المقدس، دولة الخلافة التي حفظت الأمانة وأدتها على وجهها ولم تساوم يوماً على ذرة من تراب فلسطين، فكان حميدُنا رحمه الله لا يقبل المساومة في فلسطين ولو أدى به الأمر إلى أن يقطع إرباً إرباً، دولة الخلافة التي حفظت الأمانة وأدتها على وجهها ولم تساوم يوماً على ذرة من تراب فلسطين، فالمساومة عليها مساومة على الدين، وخيانة لقوافل الشهداء الممتدة من أصحاب رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
تأتي هذه الأحداث في وقت تمر فيه الأرض المباركة فلسطين بأشد المؤامرات، وتتعرض لأبشع محاولات التصفية، في ظل تخاذل حكام المسلمين وتآمرهم مع يهود ومن ورائهم قوى الكفر والاستعمار، تأتي هذه الأحداث لتستنفر فينا رابطة العقيدة وتؤكد على هوية فلسطين الإسلامية، تأتي لترسم طريق النصر والتحرير طريقاً لا بديل عنه، طريق الجهاد وتسيير الجيوش لتقتلع يهود من الأرض وتقطع دابر الظالمين، تأتي لتقول لأمة الإسلام إن كلمة السر ومفتاح الحل في الإسراء والمعراج، والفتح العمري، وتحرير صلاح الدين لبيت المقدس، كانت دولة الإسلام، دولة الخلافة.
وإذا صح القول بأن التاريخ يعيد نفسه، فنحن بحاجة أن نقرأ تلك الأحداث التاريخية على نحو يستفاد منه الدرس والعبرة، فما أشبه اليوم بالأمس، وكم نحن بحاجة لأن يدرك أهل القوة والمنعة من أبناء جيوش المسلمين دورهم في نصرة الإسلام، والانحياز إلى خيار الأمة، وتجسيد إرادتها في تطبيق شرع الله واستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الإسلام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، متمثلين الأنصار الأوائل، ويدرك هؤلاء الإخوة الأحرار المخلصون أن بهم يكون تحرير فلسطين، فإلى عز الدنيا والآخرة ندعوكم، وإلى نسف مخططات التصفية والتفريط بفلسطين ندعوكم، فهل فيكم صلاح الدين أو قطز من جديد؟!
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
رأيك في الموضوع