تزامناً مع إعلان البيت الأبيض، أن الرئيس ترامب سيسحب السودان من لائحة (الدول الراعية للإرهاب)، صدر بيان مشترك يوم الجمعة 23/10/2020م أعلن فيه انضمام حكام السودان إلى اتفاق ما يسمى بالسلام مع كيان يهود، وقد حضر صحفيون في المكتب البيضاوي اتصالاً هاتفياً رباعياً بين ترامب ونتنياهو وحمدوك والبرهان. وقد جاء في البيان المشترك أن هؤلاء الأربعة ناقشوا (تقدم السودان التاريخي تجاه الديمقراطية ودفع السلام في المنطقة)!!
أمام هذا التطور السريع، والانهيار المفاجئ لرئيس الوزراء حمدوك، الذي كان يُظهِر التمنّع عن السير في موضوع التطبيع، بل ويرفض ربطه بموضوع سحب السودان من القائمة السوداء، ففي حديثه في المؤتمر الاقتصادي بتاريخ 26/09/2020م قال حمدوك: "إن قضية تطبيع بلاده للعلاقات مع (إسرائيل) معقدة، وتحتاج توافقاً مجتمعياً، ونرفض الربط بين عملية التطبيع وشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإهاب" (الأناضول)، بل إن حمدوك، وحتى يفلت من الضغوط الأمريكية في آب/أغسطس الماضي استبق زيارة وزير الخارجية الأمريكي للخرطوم، لدفعها إلى التطبيع، استبق تلك الزيارة بأن جمع الحاضنة السياسية لحكومته الانتقالية؛ قوى الحرية والتغيير، وأجمعوا على أن موضوع التطبيع يحتاج إلى حكومة منتخبة، وليس من صلاحيات حكومة حمدوك الانتقالية، حيث صرح حمدوك قائلاً: "إن حكومته الانتقالية لا تملك تفويضاً لتحديد العلاقة مع (إسرائيل)" (موقع الرؤية الإلكتروني).
هذا الموقف الرافض للسير في التطبيع مع كيان يهود، كان يقابله موقف قيادة الجيش، والدعم السريع، حيث يتهافت الفريق البرهان، والفريق حميدتي؛ رجال أمريكا، للدخول في عملية التطبيع مع كيان يهود الغاصب!! أورد موقع بي بي سي في 25/08/2020 تقريراً جاء فيه: (تقول صحيفة القدس العربي اللندنية في افتتاحيتها التي عنونتها "التطويع قبل التطبيع"، إن "قادة الجيش السوداني وشريكهم محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع، بدلاً من التعاون مع هذه الحكومة فقد قرروا القفز من فوقها باتجاه (إسرائيل)، فقام البرهان بلقاء رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، في شباط/فبراير الماضي، كما ترددت أنباء عن لقاء حميدتي أيضا برئيس الموساد (الإسرائيلي) يوسي كوهين، قبل أيام، وبحث معه تعزيز التطبيع بين (إسرائيل) والسودان")، فهل هذا الإصرار من رجالات أمريكا، الذين يمثلون السلطة الحقيقية، هو الذي أدى إلى تبدل موقف رجال الإنجليز من الحكام المدنيين بشكل مفاجئ؟
لا شك أن كلمة السر في انبطاح حمدوك، هي طائرة الأربعاء! ففي يوم الأربعاء 21 تشرين الأول/أكتوبر2020م والذي أعلنت فيه جهات كثيرة متناقضة عن تنظيم مليونية بوصفه يوافق ذكرى ثورة 21 أكتوبر 1964م، ما حدا بالجهات الأمنية إغلاق الجسور الرابطة بين مدن العاصمة الثلاث، وإغلاق وسط الخرطوم تماماً، فكانت مناسبة التوقيت، حيث أعلن موقع (واللا) العبري مساء الأربعاء، أن "طائرة تابعة لكيان يهود حطت في الخرطوم تحمل على متنها رونين بيرتس القائم بأعمال مدير مكتب نتنياهو، بالإضافة إلى مبعوث نتنياهو الخاص إلى الدول العربية، ويعرف باسم معاذ، بالاضافة إلى مسؤولين أمريكيين هم: كبير مدراء شؤون الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض ميغيل كوريا، وسفير أمريكا لدى (إسرائيل) ديفيد فريدمان". (الانتباهة أون لاين).
يبدو أن العصا والجزرة التي حملها هذا الوفد قد أفلحت في نقل حمدوك من موقع التعنت إلى موقع الخيانة المناسب لأمثاله من العملاء، حيث أورد موقع العربي الجديد أن وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو هاتف يوم الخميس 22/10/2020م، رئيس الحكومة الانتقالية السودانية حمدوك، وأثنى على جهوده لتحسين العلاقات مع كيان يهود، ولفت الموقع إلى تصريحات مصدرين في الحكومة السودانية لوكالة رويترز "بأن حمدوك مستعد للمضي، وتطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، بمجرد موافقة البرلمان الانتقالي - الذي لم يشكل بعد - على الخطوة". فهل قبل حمدوك خطوة التطبيع بإيعاز من السفارة البريطانية، حتى يحقق رفع السودان من القائمة السوداء، التي تمنع أسياده الأوروبيين من تقديم أي دعم للحكومة، وليخفف من ثقل ضغوط ترامب الساعي لتحسين وضعه الانتخابي، خاصة وأن خطوة التطبيع وجدت رفضاً من أغلب القوى السياسية في حاضنة الحكومة؟ وهل يفكر حمدوك في إفشال التطبيع عبر البرلمان بعد رفع السودان من قائمة الإرهاب، والذي من المتوقع أن تكتمل إجراءاته خلال 45 يوماً بإعطاء الكونغرس قانون الحصانات السيادية للسودان من أي مساءلات أمام القضاء الأمريكي، بعد أن دفع حكام السودان 335 مليون دولار؟ فهل يحدث هذا السيناريو أم يضغط رجال أمريكا في المؤسسة العسكرية ليتم التصويت على التطبيع فوراً قبل تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي؟ فحسب الوثيقة الدستورية يقوم مقام المجلس التشريعي جلسة مشتركة لمجلسي الوزراء والسيادة، عندها فإن التصويت سوف يكون لصالح التطبيع، بالرغم من أن الأغلبية لرجال الإنجليز، إلا أن عدم اكتمال الـ45 يوماً لنفاذ رفع السودان قد يشكل ضغطاً كبيراً، يحتم على رجال الإنجليز التصويت لصالح مشروع التطبيع.
هذا هو واقع الأحداث بعد أن أصبح السودان ساحة للصراع الدولي، أدواته وسط سياسي رأسمالي، انتهازي، عميل، مجرد من أي قيمة سوى القيمة المادية، يميزه الخيانة والتآمر على البلاد والعباد، وإرضاء الأسياد!
وسيصيب السودان عنت وضيق أشد مما هو فيه، فإن التحجّج بما سوف يدرّه التطبيع من فوائد مادية على السودان إنما هو ضرب من قصر النظر والنفاق؛ فالتطبيع ليس بمغامرة رعناء حيال أوضاع السودان فحسب، بل هو طعن للقضية من الأمام ومن الخلف، وهو رهان أحمق على فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة بعد أيام قليلة من الآن.
أما فلسطين المغتصبة، فلن يضرها تهافت العملاء، ولا مكر الأعداء، فلقضية المسلمين في فلسطين، وغيرها من بلاد المسلمين المحتلة، رجالٌ مؤمنون، يصلون الليل بالنهار، يستنفرون طاقات الأمة، ويستبشرون بنصر الله سبحانه وتعالى، ويسألونه أن يكونوا أهلاً لنصره الموعود، لتقوم الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي فتحت من قبل فلسطين وحفظتها، ولم تُغتصب فلسطين إلا بعد هدمها، فالخلافة أسٌّ، وما لا أسَّ له فمهدوم.
إذاً أيها المسلمون هذا هو الطريق؛ إقامة الخلافة، ووحدة الأمة، وتطبيق الإسلام، وجهاد في سبيل الله، لتحرير المقدسات ونصرة المستضعفين. ولمثل هذا فليعمل العاملون.
عضو مجلس حزب التحرير / ولاية السودان
رأيك في الموضوع