كتب رئيس تحرير صحيفة شارلي إيبدو لوران سوريسو في افتتاحية العدد الخاص الذي صدر يوم الأربعاء 26/8/2020م "لن نستسلم أبدا"، وأضاف: "والآن نعيد نشر الرّسوم لأنّ الأمر ضروريّ بالنّسبة لنا، مع بدء محاكمة المتّهمين في الهجوم". فإن كان إفلاسه الحضاري وحقده على الإسلام وخوفه من تهاوي مبدئه الرأسمالي الفاسد وصعود الإسلام يدفعه لإعادة نشر تلك الرسوم، وتأكيده أنه لن يستسلم أبدا، فإن الأمة الإسلامية هي أيضا لن تستسلم أبدا وستظل متمسكة بإسلامها عاضّةً عليه بالنواجذ، وستكمل طريقها نحو نهضتها الحضارية، ولكن لا يدفعها الحقد والانتقام؛ بل يدفعها السعي لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور، فهي أمة الهداية تحمل مشاعل النور لتنير للبشرية طريقها، لتخرج الناس من عبادة الطاغوت إلى عباد رب الناس ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
إن إعادة نشر تلك الصور المسيئة في فرنسا ليعبر عن مسار لئيم قرر الغرب أن يسير فيه إلى نهايته؛ عله يستطيع أن ينجز ما لم يستطع أن ينجزه طوال القرون السابقة. فبعد أن جيش جيوشه وأطلق كلابه من المبشرين والمستشرقين لتنهش في عقيدة الأمة وفكرها وحضارتها ومن ثم استطاع أن يسقط دولتها، إذا به يفشل فشلا ذريعا في إسقاط إسلامها، وظل الإسلام عصيا على الكسر شامخا قويا في نفوس الكثير من أبنائه، حتى جاء اليوم الذي تحمله طائفة ظاهرة على الحق لا يضرها من خذلها ولا من خالفها، لتجعل من تمكينه مرة ثانية في الأرض قضية مصيرية دونها الحياة أو الموت، لتستأنف به عما قريب بتوفيق الله وعونه حياة الأمة الإسلامية في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة موعود الله سبحانه وبشرى نبيه ﷺ.
أما ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه ليس في موقع يمكنه من إصدار حكم على قرار مجلة "شارلي إيبدو" إعادة نشر رسم يسخر من النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وأن فرنسا تتمتع بحرية التعبير، فالجميع يعلم أن حرية التعبير تلك التي يتشدق بها ماكرون ما هي إلا كذب وتدجيل، ولو تعلق الأمر مثلا بتكذيب (الهولوكوست) لما كان لها أثر ولتم إغلاق الصحيفة وتحويل القائمين عليها للمحاكمة، ولأن الأمر يتعلق بالإسلام فالحجة حاضرة.
إن ما قامت به تلك الصحيفة الساقطة وما قاله ماكرون إنما يعبر عن ذلك الحقد الدفين على الإسلام والمسلمين، الذي يشاركهم فيه حكام الغرب الصليبي والكثير من الحاقدين الذين ألفوا العيش في ظلام الرأسمالية وأوحالها، قال تعالى: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾.
لا يفوّت التيار اليميني الفرنسي فرصة لتأكيد ضرورة مواجهة الإسلام على اعتبار أنه مشكلة تؤرق بال فرنسا ويتعارض مع مبادئها، كما كان قد عبّر فرانسوا فيون، مرشح التيار السابق في الانتخابات الرئاسية السابقة الذي قال في تصريح له "إن فرنسا ليس لديها مشكلة مع الدين، لكن هنالك مشكلة مع الإسلام أو بالأحرى التطرف الإسلامي"، في حين لم يكن ليتردّد نيكولا ساركوزي، الرئيس اليميني السابق، في التعبير عن مواقفه الرافضة للحجاب والأكل الحلال للتلاميذ المسلمين في المدارس الفرنسية. وخلال الأشهر الماضية، طالت تصريحات الرئيس الفرنسي مرارا المسلمين، لا سيما قبيل الجولة الأولى من انتخابات البلدية (المحليات) في شباط/فبراير الماضي، إذ قال ماكرون، آنذاك: إن "هناك جزءا من المجتمع يرغب في استحداث مشروع سياسي باسم الإسلام". وانتقد في مناسبة انتخابية أخرى "أولياء الأمور الذين يرفضون السماح لبناتهم بالتوجه إلى المسابح"، في إشارة إلى خصوصية المعتقدات الإسلامية.
وليست فرنسا وحدها من تخاف الإسلام والمسلمين وتحقد عليهم، فالغرب كله بات يسربله الفزع ويهيمن عليه الخوف من الحراك المستمر في الأمة الإسلامية التي بدأت تستيقظ من سباتها وتعود لإسلامها وتتخلى عن انبهارها السابق بالغرب وحضارته الفاسدة، وحكام المسلمين الذين هرولوا للمشاركة في التظاهرة التي نظمتها فرنسا للتنديد بالإرهاب "الإسلامي" في 11 كانون الثاني/يناير 2015م، لم نسمع لهم اليوم حساً ولا حتى شجبا واستنكارا لإعادة نشر الرسوم المسيئة، والأمة لا تنتظر موقفا من هؤلاء الحكام الرويبضات، فهي تدرك أنهم أموات لا حياة فيهم فضلا أن تكون لديهم نخوه، فقد تسربلوا بالذل والصغار والهوان أمام الغرب، ومن يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت إيلام! فما هم سوى دمى في يد أسيادهم يحركونهم كيفما شاؤوا، والأمة قد نفضت يديها منهم ولن يتوقف حراكها قبل أن تلقي بهم في واد سحيق غير مأسوف عليهم، لتقيم خلافتها الراشدة على منهاج النبوة التي تعيد للأمة كرامتها وهيبتها بين الشعوب والأمم. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
رأيك في الموضوع