في العادة تقوم الدول بإنشاء صناديق سيادية على أساس ما يتوفر لديها من عوائد بيع مواد خام كالبترول والغاز الطبيعي وخلافه، بينما في مصر يعمد السيسي لإنشاء صندوق سيادي عن طريق نقل أصول وأملاك الدولة غير المستغلة للصندوق الذي أعلنت عنه الحكومة المصرية في نيسان/أبريل 2018م؛ ليصادق عليه البرلمان في تموز/يوليو 2018م، إذ ينص القانون على أن نقل ملكية أيٍّ من الأصول غير المستغلة المملوكة للدولة إلى الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها لا يتم إلا بقرار من السيسي.
وقبل أيام أعلن المدير التنفيذي للصندوق أيمن سليمان، اعتزام الحكومة التخلص من بعض ديونها ببيع أصول مملوكة للدولة لمستثمرين عرب وأجانب بالشراكة مع صندوق مصر السيادي، وقال سليمان إن فتح الباب للمستثمرين لشراء بعض الأصول من خلال تحالفات مع الصندوق، سيتيح للاقتصاد المصري إعادة تدوير رؤوس الأموال، خاصة أنها استثمرت مئات المليارات، وكانت بأعباء تمويلية (قروض)، في مشروعات البنية الأساسية. وتابع في مؤتمر صحفي عبر الفيديو الثلاثاء 9 حزيران/يونيو الحالي: (إذا تمت المعاملات الاستثمارية على تلك الأصول، فسترفع من على كاهل الاقتصاد القومي ديونا في ميزانية الدولة). وعن قيمة الأصول المتوقع نقلها، كشف سليمان أنه يجري التحضير لنقل أصول بقيمة تتراوح بين 50 و60 مليار جنيه، كحزمة أولية.
وقد بلغ الدين الخارجي المصري في نهاية عام 2019م رقما غير مسبوق في تاريخ مصر، إذ بلغ 112.67 مليار دولار. بينما أقساط الدين العام بحدود 555 مليار جنيه، والربا على الدين العام 566 مليار جنيه، أي أن خدمة الدين العام تمثل 1.12 تريليون جنيه، وهو ما يعادل 87% من إجمالي الإيرادات العامة التي تبلغ نحو 1.28 تريليون جنيه.
والأسبوع الماضي، وافق البرلمان على تعديلات مشروع قانون (صندوق مصر السيادي) المرسل من الحكومة بشكل مبدئي، والتي تتضمن إعفاء المعاملات البينية للصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل من جميع الضرائب والرسوم. ويشترط مشروع القانون ألا ترفع الدعاوى ببطلان العقود التي يبرمها الصندوق أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه أو الإجراءات التي اتخذت استنادا لتلك العقود أو التصرفات، إلا من أطراف التعاقد دون غيرهم.
ولأنك في بلد العجائب لا تستطيع معرفة تفاصيل مهمة عن هكذا صناديق، إذ يتجاهل المركز الإعلامي للحكومة الرد على مسألتين جوهريتين وهما تحصين عقوده وقراراته من الطعن أمام القضاء، وتمكينه من بيع أي أصل من أصول الدولة تحت مزاعم تعظيم تلك الأصول واستغلالها واستثمارها، فلم يأت المركز الإعلامي على ذكرهما في رده على ما تردد حول تحصين الصندوق من الرقابة المالية. كما تتم التعمية على حجم وطبيعة الأصول التي تم نقلها للصندوق، وكأنها أسرار عسكرية، أو أنها عزبة يديرها ناظر العزبة!
إن مثل تلك الخطوات ستعيد عهد الامتيازات الأجنبية وستؤدي إلى ارتهان القرار السياسي للدولة المصرية لعشرات السنين القادمة بسبب الديون، كما ستفتح الأبواب لسيطرة دول أجنبية وعربية على مقدرات الناس عن طريق الدخول في شراكات مشبوهة، مثل المنصة المصرية الإماراتية المشتركة بقيمة 20 مليار دولار التي تساهم فيها مصر بنصيب النصف، متمثلا في رهن أصول مصرية بقيمة 10 مليارات دولارات في مقابل النصيب الإماراتي المدفوع نقدا. وكلنا يعلم الدور المشبوه الذي تلعبه الإمارات لصالح كيان يهود، فقد تذهب الأصول المصرية لصالح كيان يهود كما حدث في القدس المحتلة منذ عامين، عندما اكتشفت الجمعيات العربية بالقدس داخل الخط الأخضر أن الإماراتيين الذين يشترون البيوت المحيطة بالمسجد الأقصى هم مجرد وسطاء للصهاينة.
إن الوضع في مصر اليوم تعدى كونه سوء إدارة وتخبطاً من حكومات متعاقبة لا تملك خطة اقتصادية متكاملة قادرة على النهوض بالبلاد أو على الأقل وقف التدهور الاقتصادي القادم لا محالة، إلى مؤامرة متكاملة الأركان للتفريط في مقدرات البلاد وثرواتها لصالح أعداء الأمة، فهي خيانة متكاملة الأركان، بداية من التفريط في مياه مصر الاقتصادية لصالح اليونان وقبرص وكيان يهود، ومرورا ببيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية والشراكة في مشروع نيوم من خلال المساهمة بمساحة 100 كيلومتر من سيناء فيه، وليس انتهاء بالتفريط في حصة مصر المائية في مياه النيل من خلال الدخول في مفاوضات عبثية لا طائل منها بعد التوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا في 2015م.
إن أهل الكنانة في حاجة لنظام حقيقي يرعى شئون الناس رعاية حقيقية، يطبق فيه الإسلام ويحفظ للناس ثرواتهم ومقدراتهم، ولا نظام صحيحاً للأمة سوى نظام الخلافة على منهاج النبوة الذي وعد الله به الأمة وبشر به رسول الله ﷺ، فهي وحدها القادرة على ذلك، ولقد عاشت الأمة في ظلها لقرون طويلة فكانت خير أمة أخرجت للناس. والأمة اليوم قادرة بإذن الله على إعادتها مرة ثانية.
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
رأيك في الموضوع