إن من أخطر الصراعات، التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، هو الصراع الحاصل اليوم في ليبيا؛ والسبب هو أهمية هذه المنطقة استراتيجيا، وقربها من مصر، وتوسطها بين عدة دول في شمال أفريقيا؛ أبرزها الجزائر، وكذلك غناها بالثروات الطبيعية المتعددة؛ وأبرزها النفط، والأمر الثاني: هو الصراع السياسي الدولي على هذه المنطقة وخاصة بعد ثورة 2011، واشتراك عدة دول فاعلة في الموقف الدولي في هذا الصراع؛ على رأسها الدول الأوروبية وأمريكا. ويزيد هذا الصراع خطورة تدخل عدة دول من المحيط الإقليمي، ودول الخليج العربي عسكريا في هذا الصراع، واحتمالية تطور هذا الصراع، ليكون في المستقبل صراعا عسكريا بين هذه الدول الإقليمية.
لقد حذر عدة مسئولين من خطورة تطور الصراع بين الفرقاء المتنازعين في ليبيا إلى صراع إقليمي خطير؛ يشعل حرباً إقليمية؛ تمتد نارها إلى عدة دول مجاورة، فقد نشرت صحيفة (واشنطن بوست) 23/12/2019؛ تقريرا بعنوان "حرب إقليمية قد يشعلها التدخل الروسي في ليبيا" جاء فيه (إن وصول هؤلاء المرتزقة الروس، لمساعدة أمير الحرب؛ الذي يسيطر على شرقي ليبيا "خليفة حفتر"، أطلق سلسلة من الأحداث التي صعَّدت حدة المعركة الرامية إلى السيطرة على العاصمة طرابلس، وهدّدت بتأجيج حرب إقليمية حول الجغرافيا والأيديولوجيا، واحتياطيات النفط والغاز المربحة...)، وذكرت صحيفة الشرق الأوسط 4/1/2020 تصريحا للنائب الليبي سعيد امغيب؛ حذر فيه من تدخلات تركيا العسكرية؛ وموافقة البرلمان التركي عليها فقال: (الأمر الآن لم يعد يهمّ الشعب الليبي فقط؛ بل إن العالم كله معني بهذه الموافقة؛ التي ستهدد الأمن القومي لدول الجوار، وكل الدول المطلة على البحر المتوسط). أما الجامعة العربية فقد عقبت على قرار البرلمان التركي فقالت في بيانها: (إن هذا التصعيد العسكري سيفاقم الوضع المتأزم هناك، كما يهدد أمن واستقرار دول الجوار الليبي، والمنطقة ككل بما فيها المتوسط، ولفتت إلى أن التسوية السياسية؛ تظل هي الحل الوحيد لعودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا).
إن موضوع حسم الصراع في ليبيا لا يتوقف موضوعه على ليبيا فحسب، ولا الهدف منه السيطرة فقط عليها، فهناك عدة أهداف تسعى لها الدول الكبرى الفاعلة في السياسة الدولية وخاصة أمريكا، منها: السيطرة على شمال أفريقيا بأكمله، واتخاذ ليبيا بوابة للدخول إليه، وبالتالي إضعاف النفوذ الأوروبي المتحكم بهذه المنطقة سنوات طويلة؛ وخاصة بريطانيا وفرنسا.
لقد حذرت كل من مصر والجزائر من مخاطر هذا الصراع، وقامت بتدخلات وإن لم تكن بصورة مباشرة، وقامت الجزائر باستضافة مؤتمر للفرقاء من أجل حل الخلاف.
فقد صرح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال كلمته بمؤتمر برلين 19/1/2020 بشأن ليبيا، قائلا: (إن التدخلات الأجنبية في الأزمة الليبية، وقيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإرسال إرهابيين ومرتزقة أجانب من سوريا إلى ليبيا، إن ذلك ساهم بشكل كبير في تفاقم أزمة هذا البلد، الذي تربطه بالجزائر حدود تقارب الألف كيلومتر، داعياً إلى وضع خارطة طريق لتفادي الانزلاق نحو المجهول)، أما وزير الشؤون الخارجية الجزائري صبري بوقادوم؛ فقد حذر في تصريح لجريدة البلاد 17/2/2020 من تسارع وتيرة التدخلات الأجنبية في ليبيا بما يعزز استمرار "حرب الوكالة" في هذا البلد. وجدّدت السلطات الجزائرية عرضها لاحتضان جلسات حوار ومصالحة بين الأشقاء الليبيين).
وقد أصدرت وزارة الخارجية المصرية بتاريخ 2/1/2020؛ بيانا جاء فيه: (إن جمهورية مصر العربية تحذر من مغبة أي تدخل عسكري تركي في ليبيا وتداعياته، وتؤكد أن مثل هذا التدخل سيؤثر سلباً على استقرار منطقة البحر المتوسط، وأن تركيا ستتحمّل مسئولية ذلك كاملة، وأضاف البيان: أن أي احتمال للتدخل العسكري التركي في ليبيا؛ يهدد الأمن القومي العربي بصفة عامة، والأمن القومي المصري بصفة خاصة، ما يستوجب اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية المصالح العربية من جراء مثل هذه التهديدات).
إن حكومة الوفاق الليبي برئاسة فايز السراج معترف بها من المجتمع الدولي، ولا تستطيع أمريكا أو غيرها إظهار العداء لها بشكل مكشوف، ولا تستطيع كذلك دعم عميلها حفتر بشكل مباشر، بل تدعمه عن طريق عملائها من مثل السيسي وأردوغان، حيث تدخل تركيا في ليبيا هوأشبهبتدخلها في سوريا؛ وذلك من أجل توجيه الحلول السياسية مستقبلا لصالح حفتر.
فقد صرح القائم بالأعمال بالنيابة في السفارة الأمريكية جوشوا هاريس، 4/3/2020 في لقاء مع وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا؛ قائلا: (إن السفارة تتعهد بفرض عقوبات على الأفراد الذين يهددون السلام والأمن، والاستقرار في ليبيا). وأكد على دعم الولايات المتحدة لجميع الجهود الليبية؛ الرامية لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، والاجتماع بين الأطراف الليبية في حوار سلمي، وأكد هاريس على أنّ السفارة الأمريكية ستعمل مع الوزير باشاغا لضمان التنفيذ الكامل للأمر التنفيذي رقم 13726 الصادر عن الولايات المتحدة، الذي يسمح بفرض عقوبات على الأفراد الذين يهدّدون السلام والأمن والاستقرار.
فهل ستسكت أوروبا؛ وهي ترى حكومة الوفاق(الشرعية) الموالية لها؛ تتداعى أمام تسلط أمريكا ومؤامراتها السياسية، وعملائها في الداخل والخارج؟! وهل ستسكت دول الجوار وخاصة الجزائر وهي ترى حفتر والدول الداعمة له يسيطرون على ليبيا ويهددون النظام السياسي في بلادها مستقبلا؟
الحقيقة أن هذا الصراع هو من أخطر الصراعات، ولا يقل خطورة عن الصراع في الشام واليمن؛ بل إنه أخطر منه، ولا يستبعد أن يؤجج هذا الصراع الداخلي المدعوم والموجه دوليا وإقليميا، صراعا إقليميا خطيرا؛ تمتد ناره لتشمل مصر والجزائر على وجه الخصوص، وتتأثر بلهيبه وشرره تونس والمغرب.
إن مما يؤسف له، ويدمي القلب؛ هو أن نرى هذه الصراعات الدموية في بلاد المسلمين، ولا تخدم إلا سياسات الغرب وأهدافه الاستعمارية؛ خاصة الدول النصرانية الكافرة. بينما اليهود يصولون ويجولون في فلسطين، ويهلكون الحرث والنسل، ويعيثون فيها فسادا، ويدنسون المسجد الأقصى المبارك؛ صباح مساء، ولا نسمع أن تركيا تريد التدخل لنصرة أهل فلسطين.
فإلى متى ستبقى الشعوب ساكتة على هؤلاء الرويبضات فوق رقابها، ألم يئن الأوان أن ترفع الأمة هذا الرجس من الحكام عن ظهورها، وتحكم كتاب الله عز وجل بين ظهرانيها؛ لتعود كما وصفها ربها عز وجل: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.
رأيك في الموضوع