إضافة إلى ما بات معلوماً للجميع، ويكاد يكون ثابتاً من أن ودائع بقيمة 133 مليار دولار كان الناس قد أودعوها في المصارف في سنين خلت، قد تضاءل إلى قرابة 38 مليار دولار، صُرف حوالي 39% منها على تثبيت سعر صرف الليرة أمام الدولار لسنين طويلة، وحوالي 32% قدمت كقروضٍ ربويةٍ للقطاع الخاص مع وجود تعثر كبير في السداد، والباقي 29%، دون إمكانية التحقق من هذه الأرقام رسمياً، وهذا من جانبٍ آخر...
عِلاوة على الضعف الظاهر في تعاطي الحكومة الـمُشكّلة برئاسة حسان دياب مع الأزمة، فلا نيةَ ظاهرةً عند الدولة لإصلاح وضع الليرة، ولا نية ظاهرةً عند مصرف لبنان وحاكمه لإمكانيات الإصلاح، بحيث ما زالت المصارف تقيد إعطاء الناس ودوائعها، ولا نية ظاهرةً عند السلطة لضبط واستعادة المال العام المنهوب أو اتخاذ أي إجراء ضد أقطاب السلطة السياسية الفاسدة.
ثم تأتي أزمة كورونا فتكون ضِغثاً على إبالة، مع أن الأصل في تعاطي الدولة مع أزمة كورونا كان ميسوراً في بدايته، عن طريق حجر كل ركاب الطائرة الأولى التي دخلت البلد من إيران وفيها مصابٌ أو مصابون، وهذا ما لم تقم السلطة به! ربما لنواحٍ سياسية مذهبية، تعيق التصرف السليم، ما جعل المرض يخرج من حالة الاحتواء إلى حالة الانتشار كما أعلن وزير الصحة اللبنانية يوم الجمعة 6/3/2020م.
كل ذلك هو جو ملائمٌ جداً لعودة الاحتجاجات وظهورها وإن بكثافةٍ أقل في الشارع، فما زالت جذوة ما قام من أجله الناس، كالنار تحت الرماد. فما قاموا من أجله من مطالب معيشية أساسية لم يتحقق منه شيء، بل زادت الأوضاع سوءاً، وما قاموا من أجله من مطالباتٍ بإسقاط الطبقة الفاسدة لم يتحقق كذلك، بل أعاد الوسط السياسي الفاسد إنتاج نفسه، فولد جسم الدولة المريض، حكومةً عليلةً لا تقوى على شيء، وإن أرادت هذه الحكومة أن تجترح حلولاً اجترحتها من المنظومة الرأسمالية الفاسدة ذاتها، فطلبت استشارة صندوق النقد والبنك الدوليين، وعينت مستشارين ماليين للدولة من الأمريكان بملايين الدولارات! وكانت إعلاناتهم في الإصلاح لا تخرج عن جدولة الديون والربا، بل مزيداً من الاقتراض فوق ما تراكم على الدولة بسبب مثل هذه السياسة من سنواتٍ خلت، 90 مليار دولار، حتى صارت لبنان ثالث أو رابع أكبر الدول مديونية في العالم.
لذا، فإن الدوافع التي قام عليه الحَراك منذ البداية في 17/10/2019م ما زالت قائمةً لم تتغير، والأهداف التي وضُعت في الأمور المطلبية المعيشية وتغيير الطبقة السياسية، لم يتحقق منها شيء، وعليه عاد بعض الناس إلى الشارع في محاولةٍ لإحياء الحَراك المطلبي من جديد، فهل ينجح ذلك؟
إن ما أشغلت به السلطة الخبيثة الناس من الغلاء وفقد الكثير من المواد، وتوقف الأعمال، يجعل إمكانيات النجاح ضئيلةً، إلا أنْ يدرك الناس، إدراكاً واعياً أنه لا حل البتة من داخل هذه المنظومة، وأن يدركوا إدراكاً واعياً أن هذه الأنظمة في لبنان وغيره يجب أن تقلب رأساً على عقب، ويستلم زمام الأمور المخلصون من أبناء الأمة، وأن يدركوا إدراكاً واعياً أن منظومة الحل هي منظومةٌ متكاملةٌ سياسيةٌ واقتصاديةٌ واجتماعيةٌ بل وصحية وغذائيةٌ، وأن يدركوا إدراكاً واعياً أن لبنان مربوطٌ في حل قضيته بمحيطه بلاد الشام خصوصاً وبلاد الإسلام عموماً.
ما لم يدركوا كل ذلك، فإن مجريات الأمور لا يُتوقع أن تكون إلى خير، بل ستكون خروجاً من أزمة ووقوعاً في أزماتٍ أكبر منها، وما يحدث في العالم اليوم، يظهر أن المنظومات والأنظمة الحالية هي بحد ذاتها مولدةٌ للفساد، وبؤرة لانتشار الفساد في كل القطاعات الحياتية ليست العامة فقط بل اليومية، وصدق الله العلي العظيم ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
لكن لو وضع الناس أنفسهم على سكة العمل الصحيح، وأجابوا داعي الله ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، وهو متيسرٌ لمن أراد أن يَذَّكَّرَ أو أراد شُكُوراً، لكان الأمر وحله كمثل قول ربنا عز وجل: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
بقلم: المهندس مجدي علي
رأيك في الموضوع