لقد سعت أمريكا وأدواتها من الدول والعملاء للقضاء على ثورة أهل الشام منذ انطلاقتها، مستعملة في ذلك أدهى أنواع الخبث والمكر، مستنفرة كل أدواتها وإمكانياتها لتحقيق ذلك، وقد حققت أمريكا في هذا الأمر حتى الآن نجاحاً لافتاً وخاصة من خلال دول الثالوث المجرم "إيران وروسيا وتركيا"، وقد تم ذلك النجاح من خلال مسلسل أستانة وسوتشي، فقد أعادت هذه الأنظمة للنظام السوري مناطق عدة ومساحات شاسعة كانت بحوزة الثوار منذ بداية الثورة، وذلك عبر مخطط خبيث، حيث شنت حملات شرسة بأعتى أنواع الأسلحة الفتاكة، تصبها القاذفات الاستراتيجية بحراً وجواً، وكذلك الصواريخ والحمم التي تنهال على رؤوس الناس الأبرياء، تدمر البيوت على ساكنيها، في مشهد لم تشهد البشرية أعظم إجراماً منه عبر التاريخ.
ولكن بالرغم من حجم هذه الحملات الشرسة إلا أننا نلاحظ انهيار قوى النظام المجرم وفقدانه لعوامل السيطرة على الأرض، فقد تحول جيشه إلى مجموعات مشتتة همها الأول والأخير هو نهب بيوت الناس وممتلكاتهم من المناطق التي هجر منها أهلها نتيجة القصف الشديد وانسحاب مقاتلي الفصائل.
وقد رأينا السيناريو ذاته يتكرر في جميع المناطق التي تقدم إليها النظام، بدءاً من حلب، ومروراً بالغوطة والقلمون وحوران وريف حماة إلى خان شيخون وشرقي السكة والآن غربيها.
وحال أهل الشام واحد يتكرر؛ يُخرَجون من ديارهم وأموالهم بفعل القصف الشديد ويتوزعون على مخيمات في المناطق المحاذية للحدود بجانب جدار الفصل الذي بناه النظام التركي، هذه المخيمات لا تؤمن أدنى مقومات العيش فضلاً عن الحياة الكريمة.
وأما على الأرض وباستراتيجية مستمرة نرى أعداء الثورة يسيرون نحو تحقيق هدفهم، وتطبيق ما اتفق عليه حكام دول الثالوث المجرم، ضمن ما رسمت لهم أمريكا من أدوار يقومون بها ويتبادلونها فيما بينهم لتحقيق الهدف الأساس وهو القضاء على هذه الثورة المباركة، وإخضاع أهل الشام الكرام إلى إرادة رأس الكفر أمريكا، عبر الحل السياسي الذي ينهي الثورة ويرجع بأهلها إلى حضن النظام وتضيع بعد ذلك التضحيات الجسام التي قدمها أهل الشام هباءً منثوراً.
هذه الاستراتيجية تسير نحو الهدف المرسوم لها، وأخطر نقطة التف حولها تحالف الشر في هذه الآونة هي محاولة السيطرة على الطرق الدولية والتي يـرمز لهاM4 ، M5، هذه الطرق التي إن وصلها النظام "لا سمح الله" فستسقط معظم المنطقة المحررة بيد النظام، وتكون مناطق النظام أصبحت على تماس مع النظام التركي من خلال المعابر الرسمية والتي ستفتح وقتئذٍ وتعود العلاقات الرسمية المباشرة إلى العلن وستغدو مناطق الثوار عبارة عن جيب صغير محاصر من خلفه بالجدار الفاصل الذي بناه النظام التركي وتنتشر فيه مئات المخيمات التي ستكون في نظر العالم عبارة عن تجمعات وملجأ للإرهابيين، الأمر الذي سيعرضها لأشد أنواع الحصار على شاكلة مخيم الركبان على الحدود الأردنية السورية، إن لم يكن مصير هذه المنطقة على شاكلة الباغوز.
وبذلك يظن المجرمون وأدواتهم بأنهم قد قضوا على الثورة وأعادوا الأرض إلى أصحابها الحقيقيين كما صرح مراراً وتكراراً رأس النظام التركي.
فإن كانت هذه هي استراتيجيتهم التي يسيرون عليها بكل وضوح وثقة، فلنا أن نسأل بالمقابل ما هي استراتيجية أهل الشام لنصرة ثورتهم وإنجاحها؟
والجواب الواضح الصريح هو أن أهل الشام في الوقت الحالي لا استراتيجية لهم لأنهم ببساطة لا قيادة واعية مخلصة لهم!
فأهل الشام عندما ثاروا على نظام الإجرام، لم تكن لهم قيادة سياسية تقودهم، بل كانت ثورة شعب عارمة، وقد سارعت الدول المجرمة تعرض نفسها على هذا الشعب المكلوم الذي واجه الدبابات بصدور عارية.
فمنهم من بدأ يعدهم ويمنيهم بالنصرة ويخط الخطوط الحمراء مخادعاً، ومنهم من أغدق الدولارات على قاداتٍ اختاروهم بأنفسهم ولم يكن للشعب أي دور في اختيارهم، حتى سيطرت هذه الدول على مفاصل القرار من خلال سيطرتها على القادة العسكريين المرتبطين الذين رهنوا قرارهم لداعميهم وتاجروا بثورة الشام وتضحيات أهلها، وكذلك اختارت هذه الدول رجالاً أسموهم معارضة سياسية كانوا يجرجرونهم من عاصمة إلى أخرى فباعوا وتاجروا حتى وصلنا إلى هذه النتائج الكارثية، فالثورة حتى الآن لم تتخذ قيادة سياسية واعية مخلصة تعين هذا الشعب المكلوم على نجاح ثورته.
إن مقومات النصر موجودة ولكن قبل كل شيء يجب استعادة القرار الذي أصبح خارج إرادة هذا الشعب الكريم، فمن فقد الإرادة والقرار غُلب على أمره وأُسقط في يده.
أما مقومات النصر فتتلخص في ثلاثة أمور أساسية وهي:
١- قيادة سياسية واعية مخلصة صاحبة مشروع دولة.
٢- قيادة عسكرية خبيرة مخلصة تحطم الخطوط الحمراء التي خطها أعداء الثورة وتحشد المجاهدين وتعمل على فتح المعارك الحاسمة التي تخدم الهدف الأساسي وهو إسقاط النظام وليس معارك عبثية في الصحراء أو ما شابهها، بل يجب أن تكون في عقر دار النظام أو خاصرته الرخوة.
٣- خطة عمل يجتمع عليها أغلب الناس، أي الثوابت التي يجب أن تسير عليها الثورة والتي يجب أن تتضمن العمل على ما يلي:
ا- إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه، فلا مفاوضات ولا لقاء مع هذا النظام الذي دمر هذا الشعب الكريم.
ب- فك الارتباط بجميع الأنظمة والدول وخصوصاً التي خدعت هذا الشعب وتآمرت عليه وعلى ثورته كالنظام التركي وأنظمة دول الخليج كافة.
ج- يجب العمل على إقامة النظام الذي سينشر العدل بين الناس كل الناس ويحقق لهم الكرامة والرعاية بكافة أشكالها حقيقة وليس خداعاً، ولن يكون كذلك إلا بإقامة نظام الإسلام العظيم الخلافة على منهاج النبوة.
هذه هي مقومات النصر، وهي متوفرة بحمد الله، ولكن يتطلب الأمر عملا جديا، فأهل الشام يجب أن يأخذوا دورهم الحقيقي، فهم الذين ضحوا بكل ما يملكون، ضحوا بأنفسهم وأبنائهم وديارهم، فهم أصحاب القضية، وبيدهم التحكم فيها، وهي بعد تسعة أعوام تتغلغل في النفوس وتزداد تشعباً، ويزداد أهلها إصراراً على المتابعة فيها حتى النصر بإذنه تعالى، فكما أن الكفار قد يئسوا من دينكم من قبل، كذلك هم اليوم أو غداً إن شاء الله سيصيبهم اليأس من إمكانية القضاء على ثورتكم العظيمة، فقد شابت رؤوس كبارهم من ثبات ثورتكم، وإصراركم على متابعتها حتى النصر المبين، فأمتكم معكم تغلي وتتحرك، وعيونها ترنو إليكم، وقلوبها تهفو إليكم، وهي تنتظر انتصاركم، وفوق كل هذا فأنتم في كفالة الله عز وجل، فلتكن هذه هي استراتيجيتكم، فهبوا لنصرة دينكم وإقامة شريعة ربكم، وأعيدوا أمجاد أمتكم، فإن النفوس قد تاقت والله إلى يوم النصر المبين.
﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدعُوۤا إِلَى ٱلسَّلمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعلَونَ وَٱللَّهُ مَعَكُم وَلَن یَتِرَكُم أَعمَـٰلَكُم﴾
بقلم: د. محمد الحوراني
عضو لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع