منذ قرن من الزمان وبعد هدم دولة الخلافة والعالم يعيش عصر التوحش الرأسمالي الجائر الذي تفرد في حكم العالم قبيل نهاية القرن الماضي وخاصة بعد انهيار المنظومة الشيوعية التي شاركته الإجرام.
وقد فرض هذا الغول المتوحش على العالم مبدأه وقيمه التي أرهقت الناس وأذاقتهم الويلات؛ ويلات حربين عالميتين أَزهقتا أرواح ملايين البشر ودمرتا البلاد، ولا يكاد يخلو عقد من الزمن إلا وفيه حرب مدمرة يشرّد نتيجتها شعب من شعوب الأرض وتزهق آلاف النفوس.
ولم تكن الأمة الإسلامية في معزل عن هذا، فبعد هدم خلافتها أصبحت مستباحة أمام هذا الغول المتوحش، الذي غزاها في عقر دارها ونهب خيراتها وقتّل أبناءها وشرّد أهلها ودنّس عرضها وأرضها، فضلاً عن تنصيب حكام عملاء أكملوا مهمته القذرة، وذلك عندما تظاهر المجرمون بالانسحاب من بلادنا بعد أن قسموها لكانتونات أسموها دولاً وفي الحقيقة ما هي إلا مزارع لهم.
لقد عاش العالم ومنه الأمة الإسلامية على زيف الشعارات التي أصبح ذكرها يزكم الأنوف، بعدما ظهرت حقيقتها ليس للمسلمين فحسب، بل وللعالم أجمع، فقد رأينا الانهيارات الاقتصادية الفادحة منذ ما يزيد عن عقد من الزمان، كما ورأينا انتفاضة الناس ضد مركز حيتان المال في وول ستريت عندما رفعوا شعار "الشعب يريد إسقاط وول ستريت"، وكذلك رأينا انتفاضة فرنسا فيما سمي بثورة "السترات الصفراء" مطالبة بالتغيير والإصلاح، بعدما تحولت المجتمعات الغربية إلى مجتمعات متوحشة بربرية، يأكل فيها القويُ الضعيف، وتسود فيها شريعة فاسدة مفسدة أنهكت البشر والحجر...
ومع مرور عقد من الزمن على ثورات الأمة فيما سمي "بالربيع العربي" نشهد في هذه الأيام انتفاضة عارمة في مدن وولايات متعددة في رأس الكفر أمريكا، رفعت شعار "لا أستطيع التنفس" وطالبت بالعدالة والتغيير، هذه المظاهرات التي اندلعت على إثر مقتل رجل أمريكي أسود تحت ركبة رجل شرطة أبيض، رغم مناشدات الناس الذين حوله.
هذا المشهد كشف زيف الشعارات التي تشدق بها أتباع هذه الحضارة الظالمة ودعاتها، بل وأسقطها في عقر دارها، أسقطها في نفوس الناس، وأدرك الناس بطلانها وزيفها فثاروا يريدون التغيير وينشدون العدالة والكرامة.
ولكننا رأينا كيف تصرفت الحكومة الأمريكية، حيث نشرت المدرعات والمصفحات وقوات الجيش في الشوارع وحول البيت الأبيض، مرسلة برسالة فحواها أن ديدن الطغاة واحد لا يختلف، وأن من يتحكم برأس الكفر هو كبيرهم الذي علمهم كيف تقمع الشعوب.
والسؤال الذي يبرز جليا هنا هو: ما البديل الحضاري للرأسمالية المتوحشة التي ظهر زيف شعاراتها البراقة حتى بين شعوبها؟ ما هو البديل الذي ينقذ البشرية من براثن الرأسمالية ويحقق للبشرية العدالة التي تنشدها والعيش الكريم بعيداً عن كل أنواع التمييز الذي أرهقها؟
إن الأمة الإسلامية هي وحدها التي تملك هذا البديل وتملك أسباب نجاحه. فهي تملك المشروع الحضاري الرباني الذي يحل العقدة الكبرى عند الإنسان حلا صحيحا وينظم علاقاته جميعها، بنظام تطبقه دولة ليكون مجسدا في واقع الحياة، وهذا ما يعمل له حزب التحرير، لينقذ أمته والبشرية جمعاء من شرور الرأسمالية.
إن مشروع الخلافة ليس مشروعاً نظرياً، يقبع في بطون الكتب، بل هو امتداد للدولة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة منذ أربعة عشر قرناً، والتي حكمت العالم لقرون عديدة وكانت لها كلمة الفصل في العلاقات الدولية لقرون عدة كذلك.
والآن ومع انكشاف زيف النظام الرأسمالي الذي يتحكم بالعالم ويتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وسقوطه في عقر داره في نفوس أبنائه، وجب على المسلمين جميعاً أن يلتفوا حول مشروع نهضتهم، ويتوحدوا على العمل لتطبيقه، ويأخذوا على يد كل من يحاول أن يحرفهم عنه.
وعليهم أن يحذروا الحل السياسي الذي تريد رأس الكفر أمريكا فرضه للقضاء على ثورة الشام فهو سيضغط على أعناقنا ليقطع أنفاسنا ويقضي علينا، كما حصل للمتظاهر الأسود، وهو سم قاتل يتخفى ببراقع الإنسانية، لذلك علينا أن نرفضه ونعمل جاهدين لإسقاطه وإسقاط كل من يدعو له.
ولنتذكر جميعاً أن خلاصنا وفوزنا ونجاتنا في العمل من أجل تطبيق المشروع الحضاري الذي ارتضاه لنا ربنا سبحانه وطبقه رسولنا صلى الله عليه وسلم فهو الذي ينقذنا وينقذ البشرية.
ولنثق بوعد الله سبحانه وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه آن أوان دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وأن "يوم بعاث" قد هيأ الظروف لإقامتها وأن يوم الفرقان لا بد آت، فعليكم مسؤولية إقامتها لتنالوا شرف ذلك، وليكن على أيديكم خلاص البشرية جمعاء من ذلك الغول المتوحش الذي بدأ نجمه بالأفول.
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [سورة الأنفال: 24]
رأيك في الموضوع