في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فجر السبت 28/09/2019 طلب حمدوك من أمريكا رفع السودان من لائحة (الإرهاب) قائلاً: "إننا في الحكومة الانتقالية ندعو الولايات المتحدة إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وعدم مواصلة معاقبة الشعب السوداني". (موقع سبوتنك عربي). فماذا يعني إبقاء السودان في قائمة (الإرهاب) بالنسبة لحكومة حمدوك؟ وهل ينجح هذا الخطاب العاطفي في تحقيق هدفه؛ إخراج السودان من القائمة السوداء؟ وما هي حقيقة الحملة واسعة النطاق التي ابتدرتها أوروبا لرفع السودان من قائمة (الإرهاب) الأمريكية؟
في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس قال حمدوك: (الخروج من قائمة الدول الراعية للإرهاب هو مفتاح أي شيء يمكننا القيام به في هذا البلد)!! وفي مؤتمر صحفي عقب لقائه بوزير خارجية ألمانيا هايكو ماس يوم الثلاثاء 03/09/2019 قال حمدوك (نريد أن نعمل على زيادة الإنتاج وخلق بيئة ملائمة للاستثمار، لكن هذا مرتبط بوجود السودان على قائمة الإرهاب)!! لقد جعل حمدوك من خروج السودان من قائمة (الإرهاب) الأمريكية مفتاحاً لكل شيء، وإلا كان الفشل في كل شيء!! لقد جعل حمدوك رفع السودان من قائمة (الإرهاب) قضية مصيرية؛ يتوقف نجاح كل سياساته في تحقيقها!!
إن الحكومة التي شكلها حمدوك يوم 05/09/2019 والتي رشحتها قوى إعلان الحرية والتغيير هي أول حكومة موالية للأوروبيين وبخاصة بريطانيا منذ أكثر من ثلاثين عاماً كان فيها السودان يحكم بواسطة عملاء أمريكا البشير ثم البرهان وحميدتي عن طريق القوة المسلحة، وهذا ما يفسر تهافت وزراء الخارجية ومسؤولي دول الاتحاد الأوروبي عقب أداء حمدوك القسم رئيساً للوزراء بصلاحيات تنفيذية مؤثرة، وقد تولى الأوروبيون قيادة حملة إعلامية واسعة النطاق لتسليم حمدوك مفتاح النجاح؛ بالضغط على أمريكا لرفع السودان من قائمة (الإرهاب)، حيث وصل يوم 03/09/2019؛ قبل تشكيل الحكومة وزير خارجية ألمانيا وصرح في المؤتمر الصحفي المشترك مع حمدوك قائلاً: (سندعو لمناقشة موضوع رفع السودان من قائمة الإرهاب خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقد في الشهر الحالي) (وكالة الأناضول)، وفي 16/09/2019 وصل إلى الخرطوم وزير خارجية فرنسا، وصرح بأنه سيعمل على إزالة السودان من قائمة (الإرهاب). وقد انضم لهذه الحملة الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأمين العام للأمم المتحدة، وهو ما عبر عنه حمدوك بقوله: (نحن في شهر عسل مع العالم)! ومن ذلك يتضح دور الأوروبيين في محاولة رفع السودان من القائمة الأمريكية (للإرهاب).
إن قضية إبقاء السودان في قائمة (الإرهاب)، والعقوبات المترتبة على ذلك سوف تظل من أهم أدوات السياسة الأمريكية في الضغط على حكام السودان لتحقيق ما تريده؛ تمزيق السودان كما فعلت بفصلها لجنوبه وإقامة دويلة فاشلة، أو تحقيق نتائج ملموسة في حربها على الإسلام والتي سقفها سلخ المسلمين عن دينهم ليرتدوا تحت ستار الحرية الدينية، وقبل ذلك توقيع اتفاقية سيداو وإشاعة الانحلال والتفسخ في أهل السودان والتخلي عن كل ما يشير إلى أن الإسلام نظام للحياة!! لذلك وحتى تقطع أمريكا الطريق على مطلب حمدوك وحملة الأوروبيين، استبقت السفارة الأمريكية في الخرطوم خطابه أمام الأمم المتحدة، وأصدرت تعميما بتاريخ الخميس 26 أيلول/سبتمبر 2019: (عممت الولايات المتحدة الأمريكية الخميس تحذيرا من الدرجة الثالثة لرعاياها بعدم السفر إلى السودان بسبب تفشي "الجريمة والإرهاب والاضطرابات") (سودان تربيون). بل جرت حمدوك إلى فخ، فبدلاً من لقائه مسؤولاً كبيراً في الحكومة الأمريكية لبحث قضية (الإرهاب) التقت به في اليوم نفسه الخميس 26 أيلول/سبتمبر 2019 بنيويورك، وكيلة وزارة الخزانة الأمريكية للإرهاب والاستخبارات المالية سيجال ماندلكر على هامش أعمال الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقالت وكالة أنباء السودان (سونا): (إن الطرفين ناقشا سبل التعاون والتنسيق بين مكتب وكيلة وزارة الخزانة للإرهاب والاستخبارات المالية والأجهزة المناظرة له في الحكومة السودانية. وأكد الاجتماع على دعم الولايات المتحدة للسودان في مجال الإصلاح الهيكلي لقطاع المصارف والبنوك، إلى جانب برامج رفع القدرات في مجال مكافحة تمويل الإرهاب). وأضافت الوكالة (إن الجانب الأمريكي تعهد بالعمل الجاد والعاجل مع المؤسسات المعنية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب). لكن المتحدث باسم وزارة الخزانة الأمريكية في واشنطن سيث انجر نفى لـ(سودان تربيون) تقديم المسؤولة الأمريكية أي وعود في هذا الخصوص وذكر أن الاجتماع ناقش مكافحة غسل الأموال وتمويل (الإرهاب)!! وتابع "تتطلع وزارة الخزانة إلى العمل مع السودان في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما ستعمل أيضا مع السودان على المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان والفساد". وشدد أن ماندلكر لم تقدم أي "وعد" يتعلق بإزالة السودان من قائمة الدولة الراعية (للإرهاب) كما ذكرت وكالة الأنباء السودانية الرسمية.
لقد خاب وفشل حمدوك ومن ورائه الأوروبيين في تحقيق شيء في موضوع رفع السودان من قائمة (الإرهاب) لأن إبقاء السودان في هذه القائمة هو أداة أمريكا الفعالة في تركيع عملاء أوروبا؛ حمدوك وحكومته ولنصرة عملائها العسكر في مواجهة الضغوط التي يتعرضون لها في حلبة الصراع السياسي الداخلي.
إن هذا الوسط السياسي المرتبط بالغرب الكافر الذي هو العدو، إنما هو وسط سياسي فاشل وعاجز وخائب وذليل، ولن يجني أهل السودان منه إلا الذل والهوان والفقر وضنك العيش، ولا حل إلا بالعمل مع رجال مخلصين وسياسيين مبدئيين يخوضون غمار السياسة بفكر مبدئي هو مبدأ الإسلام العظيم، الذي منه يأخذون الحقيقة، ويقطعون حبال الغرب الكافر، ويقابلونه في ساحات الصراع الفكري والسياسي والمادي؛ إلى أن يستأنفوا الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فلأجل خيري الدنيا والآخرة فليعمل العاملون.
بقلم: الأستاذ حاتم جعفر (أبو أواب) - الخرطوم
رأيك في الموضوع