ذكرنا في الجزء السابق إبعاد بريطانيا للملك طلال الذي كان لا يدين لها ويتطلع لعلاقة مع أمريكا كما بينت الوثائق والأدلة وتم إبعاده بحجة المرض. وبإبعاده عادة يحدث فراغا سياسيا خطيرا خاصة وأنها سابقة في الأردن ولها تداعياتها المحلية والخارجية وتدخل الأطراف الدولية، وحتى تهرب بريطانيا من مشكلة الفراغ السياسي فكرت بأن تجعل الأردن قاعدة لها في الثبات بل والتصدي للمخططات الأمريكية، وهذا الأمر يستدعي نظاما قويا وشخصية قوية واستقرارا بالحكم للقيام بالدور الوظيفي للكيان الأردني، فاستبعدت كل من حولها من العائلة وفكرت بشخصية تقوم هي بإنشائها وتربيتها على عين بصيرة حيث وقع نظرها على ابنه الذي لم يكن قد بلغ السن القانوني لاستلام الحكم فارتأت أسلوبا جديدا وهو تشكيل مجلس وصاية للعرش لحين بلوغ الابن الجديد السن القانوني للحكم.
وتم تشكيل مجلس الوصاية على العرش من هيئة مؤلفة من إبراهيم هاشم وسليمان طوقان وعبد الرحمن الرشيدات، وفي 13 أيلول اتخذ مجلس الوصاية على العرش قرارا بتعين الأمير محمد بن طلال وليا للعهد كما عهدت لتوفيق أبو الهدى بتشكيل الحكومة في 27 أيلول 1952.
وقد التحق الحسين بن طلال أثناء تلك الفترة بكلية ساندهيرست العسكرية الملكية بإنجلترا، حيث تلقى تعليمه العسكري.
وبمجرد استلام الحسين الحكم قام بأعمال من شأنها إعطاؤه دعاية كبيرة داخلية، وأيضا من أجل إبطال حجة عبد الناصر (أمريكا) القضاء على الاستعمار، حيث قام بإبعاد الجنرال البريطاني غلوب قائد الجيش الأردني عام 1955، وتعريب الجيش، وأعلن عام 1957 إنهاء الانتداب البريطاني على الأردن استنادا إلى معاهدة 1948. وهذه في حقيقتها إفراغ لحجة أمريكا وعملائها آنذاك في خروج الاستعمار القديم شكلا وإعطاء الحكم لأهل البلاد والادعاء بالاستقلال وعدم التبعية والاحتلال خاصة مع وجود شخصية لها دور مركزي في المنطقة تحيط به قوى عملاء الإنجليز في الداخل حيث الأرضية الصلبة لهم بدون وجود عملاء لأمريكا بشكل يذكر، بل كان الخوف من دعاية جمال عبد الناصر في عملية أخذ وتجنيد القوى لصالح أمريكا والقضاء على نفوذ الإنجليز بشكل كبير، لذا اتصفت العلاقة منذ البداية بالصراع بين الأردن ومصر بشكل معلوم وكبير للجميع وكانت صوت العرب في مصر شاهداً على حدة التصريحات والبيانات لدرجة أن سماعها كان ممنوعا في الأردن.
وقد اعترف الملك عبد الله الثاني بهذا حيث ورد في كتابه "السلام في زمن الخطر" ما بين السنة التي كان فيها والدي (الملك حسين) في الـ18من عمره وتولى خلالها مسئولياته ملكا على الأردن والسنة التي بلغ فيها الثلاثين من عمره بلغ عدد المحاولات الموثقة التي تعرض فيها للاغتيال 18 محاولة بما فيها اثنتان ارتكبهما خائنان داخل الديوان الملكي كانا عميلين لجمال عبد الناصر والجمهورية العربية المتحدة (مصر-سوريا). وأوضح عبد الله أن المحاولة الداخلية الأولى كانت بواسطة "الأسيد" حيث كان الملك حسين آنذاك في أواسط العشرينات من عمره وكان يعاني من التهاب في الجيوب الأنفية يداويه بتنقيط سائل مالح في أنفه بانتظام وقام شخص ما لديه صلاحية الدخول إلى حمامه الخاص بتبديل السائل المالح بحامض الهيدروكلوريك لكن بحركة خاطئة وقعت الزجاجة التي تحتوي هذه المادة في المغسلة مما أنقذ حياة الملك حسين. وتحدث الملك عبد الله عن محاولة اغتيال أخرى تعرض لها الملك حسين كانت بواسطة السم حيث حاول أحد مساعدي رئيس الطباخين في القصر الملكي الهاشمي وضع السم له في الطعام.
ولعل هذا الاعتراف من أبلغ الأدلة في بيان قوة وحدّة الصراع بين الأردن ومصر وهو في حقيقته صراع بين أمريكا وبريطانيا.
بقلم: الأستاذ المعتصم بالله (أبو دجانة)
رأيك في الموضوع