في الجولة المطولة التي قام بها وزير خارجية أمريكا بومبيو خلال الأيام الفائتة؛ في الشرق الأوسط، وزار فيها دولاً عدة؛ فإنه عمل على ترسيخ الفتن بين بلاد المسلمين، وعلى رسم عدو مشترك لهم هي إيران، و(الإرهاب الإسلامي). ودعا إلى تأسيس حلف عربي مشترك ضد هذا العدو المشترك؛ الذي يتهدد بزعمه البلاد المجاورة؛ وخاصة السعودية والخليج. كما دعا إلى التعامل مع قضايا المنطقة، بناء على هذه السياسة الجديدة والأحلاف المشتركة؛ مثل قضايا اليمن ولبنان وسوريا وفلسطين. فلم تكتف أمريكا بما أحدثته في بلاد المسلمين من فتن، بل إنها تعمل على تأسيس فتن جديدة؛ وذلك لضرب تطلعات الأمة الإسلامية، نحو التحرر والانعتاق من تبعيّتها. وهذا ما ظهر في الخطاب الذي ألقاه بومبيو في القاهرة، وفي لقاءاته مع حكام دول المنطقة.
ومما جاء في هذا الخطاب الذي ألقاه في الجامعة الأمريكية في القاهرة 10/1/2019: "لقد قللنا إلى حدّ كبير من خطورة (الإسلام المتطرف) ووحشيته، وهو انحراف فاسد من الإيمان؛ يسعى إلى اقتلاع كل شكل آخر من أشكال العبادة أو الحكم... دعوني أكون واضحا: لن تتراجع أمريكا حتى ينتهي القتال (الإرهابي)...سنعمل بلا كلل إلى جانبكم لهزيمة (داعش) والقاعدة والجهاديين الآخرين؛ الذين يهددون أمننا وأمنكم...لقد ساعد حلفاؤنا وشركاؤنا بشكل كبير في جهود مكافحة (داعش)...وانضمت فرنسا وبريطانيا إلى ضرباتنا على سوريا، ودعمتا جهودنا لمكافحة (الإرهاب) في جميع أنحاء العالم...إننا دعمنا تفاهما مشتركا مع حلفائنا حول ضرورة التصدي لأجندة النظام الثوري الإيراني...لقد لعبت مصر وعمان والكويت والأردن، دوراً أساسياً في إحباط جهود إيران للتهرّب من العقوبات العالمية...ولا يقتصر العمل على الحدّ من طموحات النظام القاتلة في الشرق الأوسط؛ لقد انضمّ أصدقاء أمريكا وشركاؤها من كوريا الجنوبية إلى بولندا إلى جهودنا لوقف الموجة الإيرانية للدمار الإقليمي وحملات (الإرهاب) العالمية...تعمل إدارة ترامب أيضاً على تأسيس التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط؛ لمواجهة التهديدات الأكثر خطورة في المنطقة، وتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة...إن الولايات المتحدة تؤيد بالكامل حق (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها ضدّ المغامرة العدوانية للنظام الإيراني، وسنواصل ضمان امتلاك (إسرائيل) القدرة العسكرية للقيام بذلك بشكل حاسم، تعمل الولايات المتحدة أيضاً على الحفاظ على علاقاتنا الثنائية قوية...خلال الأيام القليلة القادمة، سأجري مناقشات معمقة مع قادة البحرين والإمارات وقطر، والسعودية وسلطنة عمان والكويت، سنتحدث عن أهدافنا المشتركة، مثلما فعلت في الأردن والعراق هذا الأسبوع، وكما فعلت اليوم مع الرئيس السيسي ووزير الخارجية شكري".
هذه أبرز الأمور التي ذكرها بومبيو؛ والحقيقة أن هذا الخطاب يرسخ الفتن في بلاد المسلمين، ويؤسس لفتن جديدة؛ تهدف إلى تسخير عملائها بشكل أقوى في خدمة مشاريعها الاستعمارية، وإلى خدمة كيانيهود. ونريد أن نقف على بعض الحقائق السياسية والأباطيل التي تمارسها أمريكا تجاه بلاد المسلمين، وتتذرع أثناء ممارستها وصياغتها بعداوة إيران و(الإرهاب الإسلامي) للغرب وللعالم الإسلامي؛ لنرى من خلال هذه الحقائق أنها ذرائع كاذبة، وتلفيق سياسي الهدف من ورائه ضرب العمل السياسي الإسلامي أولا، ورسم سياسة المنطقة ثانيا وفق نظرتها وأطماعها وأهدافها.
1- إن قضية إيران ما هي إلا أكذوبة صنعتها أمريكا وتستخدمها كلما أرادت لتحقيق أهدافها. فإيران ليست عدوة للغرب ولا لكيان يهود، فمنذ الثورة وإيران تقوم بخدمة أمريكا في مشاريعها الاستعمارية؛ وأكبر شاهد على ذلك ما قامت به إيران من دور محوري في احتلال أمريكا لأفغانستان، والعراق وفرض الحصار عليه سنة 1990. وقد ذكر هذا الأمر صراحة محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الأسبق، في 15/1/2004م قائلاً "إنه لولا الدعم الإيراني لما تمكنت أمريكا من احتلال أفغانستان والعراق بهذه السهولة"، ولم يقف الأمر عند المساعدة في احتلال أفغانستان؛ بل إن الدور الإيراني ما زال مستمرا؛ لمساعدة أمريكا في أفغانستان، حيث شاركت في 18/10/2010 بمؤتمر مجموعة الاتصال الدولية حول أفغانستان، وشاركت كذلك في مؤتمر طشقند 2018 مع أمريكا؛ لإيجاد صيغة للحلول للقضية الأفغانية... وأوردت صحيفة الحياة 1/1/2019 عن الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي؛ في مؤتمر صحافي بثه التلفزيون الإيراني قوله: "كان وفد من طالبان موجوداً في طهران، وأجرى مفاوضات مكثفة مع نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي..."، وقال قاسمي: "إن الهدف الرئيسي للمحادثات هو إيجاد آلة وفرص للمساعدة في الحوار بين الجماعات الأفغانية والحكومة الأفغانية؛ لدفع عملية السلام قدماً". وهذا الأمر جاء بعد خطط ترامب لسحب قواته من سوريا وأفغانستان.
2- إن إيران تساعد الغرب في محاربة الإسلام، وتعلن ذلك صراحة فقد صرح الرئيس الإيراني في مؤتمر مكافحة (الإرهاب) في طهران 8/12/2018 قائلا: "إنه من الضروري العمل على تجفيف جذور (العنف الإرهابي) في المنطقة" وقال: "عزمنا الوقوف يداً بيد أمام العدو المشترك لننتصر عليه". وهذا الأمر ذكره وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في 30/06/2018 فقال: "إن عدد ممثلي إيران في سوريا محدود للغاية ويهدف للمشاركة في مكافحة (الإرهاب)"، وقد برز دورها أيضا في دعم قوات الحشد الشعبي العراقي، ضد تنظيم الدولة؛ حيث ذكر النائب محمد هوري الدريساوي 27/12/2016 في رده على تصريحات وزير خارجية السعودية عادل الجبير قائلا: "إن الدعم الذي قدمته إيران للحشد الشعبي يحصر بالأسلحة والعتاد، والمستشارين الذين يقدمون المشورة فقط، إذ إن إيران ساعدت العراق كثيرا بالحرب على (الإرهاب)، أما قيادة الحشد فهي عراقية 100%)
3- موضوع الدعوة لتأسيس حلف إقليمي في المنطقة؛ هو أمر قديم دعت إليه أمريكا في عهد أوباما؛ في بداية الثورات العربية، وخاصة الثورة السورية؛ وكان برعاية تركية في ذلك الوقت؛ بهدف الإشراف على الحل السياسي والعسكري لقضايا عدة منها قضيتا سوريا وليبيا. واليوم أصبح الأمر أكثر إلحاحا؛ وخاصة في ظل دعوات ترامب لانسحابقواته من الشام وأفغانستان والعراق، فلا بد من قوات بديلة تتولى هذا الأمر. وقد ذكر هذا الأمر أيضا مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد ترامب في كتاب بعنوان "ميدان القتال: كيف ننتصر في الحرب العالمية ضد الإسلام الراديكالي وحلفائه 2016"؛ ومما جاء فيه: (أمريكا وحدها، بدون تحالف مع دول الشرق الأوسط، لن تستطيع إتمام مهمة التصدي لإيران، ومن هنا يجب تأسيس حلف يضم دول الخليج ومصر والأردن. وعن مساهمة أمريكا في الحلف، فإنها تتمثل في العمل الاستخباراتي، وتقديم المعلومات وأنظمة الإنذار المبكر، والعمليات الخاصة، والدفاع الصاروخي واستخدام القوة الجوية).
4- إن موضوع تنظيم الدولة الذي ذكره بومبيو؛ ما هو إلا شماعة لما يستتر وراء ذلك من محاربة الإسلام السياسي؛ الداعي لقيام دولة إسلامية حقيقية.. لذلك يجب الإعداد له منذ اليوم لحرب أي جماعة أو دولة تخرج عن سياسة الغرب ونفوذه في بلاد المسلمين، فهذه إحدى الغايات الخبيثة التي تمهد لها أمريكا مستقبلا وتتخذ من موضوع إيران ذريعة لها.. وهذا ما ذكره أيضا مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق مايكل فلين سنة 2014؛ حيث كان جنرالا في الجيش الأمريكي، فقال: (إن الإسلاميين ليسوا مجرد همج أو برابرة، ولكن لديهم أيديولوجيا ورؤية منهجية للسيطرة على العالم، وهم النسخة الإسلامية من كتاب "كفاحي" الذي كتبه أدولف هتلر، ويُعتبر مانيفستو (تعليمات) النازية). ويتهم المسلمين الأمريكيين بالسعي إلى إقامة دولة إسلامية في أمريكا قائلاً: (ليس من قبيل المصادفة أن الإسلاميين الراديكاليين في أمريكا يدفعون بقوة، وبصورة منهجية للحصول على مكانة قانونية للشريعة، ومنع أي انتقاد للإسلام... هذه كلها خطوات نحو إقامة دولة إسلامية هنا في بلادنا). ويقول في كتابه: "ميدان القتال 2016" الذي دعا فيه إلى تشكيل ناتو عربي: (إن هنالك ثلاثة تهديدات تواجه هذا التحالف: أولاً، الإسلام الراديكالي المسلح؛ وثانياً: القوى الإقليمية ذات مشاريع الهيمنة وخاصةً إيران؛ التي تدعم حركات عسكرية في سوريا ولبنان والعراق واليمن؛ وثالثاً: تهديد حيازة الأسلحة النووية مع إشارة صريحة إلى أن الاتفاق الإيراني مع المجتمع الدولي، حول برنامج طهران النووي يهدد الأمن القومي الأمريكي).
5- موضوع كيانيهود في نظر أمريكا موضوع مهم؛ يجب أن تُسخّرَ دول المنطقة كلها لحمايته ورعايته. وذكْرُ (الإرهاب) والموضوع الإيراني؛ هو مقدمات لإيجاد حلف عربي أمام عدو مشترك للدول العربية ولكيانيهود معا هو الإسلام السياسي، وليكون كيانيهود على صلة في عمليات التنسيق المشترك؛ في حرب الإسلام السياسي الحالية والمستقبلية.
هذه هي سياسة التضليل، وقلب الحقائق التي يمارسها الغرب وعلى رأسه أمريكا في بلاد المسلمين؛ ولم تكن أمريكا لتنفذ إلى مثل هذه السياسات لولا خنوع الحكام، ولهثهم وراءها.
وفي الختام نقول: لقد حاول الاستعمار عن طريق عملائه الحكام أن يوطد لبقائه؛ لكنه فشل، والأمة اليوم تعمل جاهدة لإعادة حكم الله إلى الأرض مرة أخرى. وإن زوال الاستعمار السياسي كلية عن رقاب المسلمين وبلادهم قد أزفت ساعته بإذن الله تعالى: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: 26]
رأيك في الموضوع