لقد حرصت أمريكا منذ اليوم الأول لانطلاقة ثورة الشام أن تُحافظ على عميلها بشار أسد في الحكم، أو بالأحرى أن تُحافظ على النظام بشرعيته وأجهزته الأمنية ومؤسستي الجيش والمخابرات، فهذا ما أكدت عليه نصاً في اتفاق جنيف الأول صيف حزيران 2012م.
وتوالت أيام الثورة وسنيّها وبقيت المؤتمرات تُعقد في جنيف وأستانة والرياض وأنقرة وكلها تدور حول بيان جنيف1 وتؤكد عليه وتُطالب بتطبيق بنوده، وفي كلِّ ذلك اعتراف بشرعيّة النظام وأحقيته في الحكم، هذا عدا تلك الدول التي كانت وظيفتها منذ البداية هي دعم النظام المُجرم سياسياً وعسكرياً، كروسيا وإيران والصين وغيرها.
وبعد أن استطاعت المؤتمرات أن تُمكن النظام من السيطرة على كثير من مناطق سوريا وحصر المعارضة في إدلب كان اتفاق سوتشي أيضاً لبنة في الحل السياسي الأمريكي ويهدف لإعادة شرعنة النظام بل وبأحقيته في السيطرة على كل المناطق حيث نص الاتفاق أن اتفاق خفض التصعيد قد حقق نجاحات، ومعلوم أن ما حققه خفض التصعيد هو سيطرة النظام على ثلاث مناطق رئيسية من مناطق الثوار.
ولم تكتف أمريكا بالمؤتمرات للحفاظ على النظام، بل أوعزت إلى عملائها بالقيام بأعمال سياسية تُعيد للنظام شرعيته وتُظهره بمظهر المُنتصر على شعبه، فكانت زيارة عمر البشير رئيس السودان كأحد الأعمال السياسية التي كسرت عُزلة النظام إقليميا، واحتفل بها النظام متباهياً بنصر موهوم.
كما يأتي الحديث عن إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، بعد أن تم تجميد مقعد سوريا في الجامعة في 2011م كردة فعل على الجرائم التي ارتكبها النظام، يأتي هذا الأمر في ذات سياق إعادة تعويم النظام، فإعادته للجامعة العربية يعني بشكل أو بآخر تبرئته من جرائمه بحق شعبه.
وقد سبق ذلك لقاء وزير خارجية النظام المعلم مع وزير خارجية البحرين وجرى بينهما مصافحة حارّة أثارت ضجيجاً في وسائل الإعلام، كما ظهرت تصريحات لبن علي يلدريم عندما كان وزير خارجية تركيا بأنهم سيُطبعون العلاقات مع سوريا كما طبّعوها مع روسيا وكيان يهود، ثم خرج بعد يوم ليُبرر تصريحه بأنه يقصد بعد إسقاط النظام، لكن قبل أيام خرجت تصريحات من وزير الخارجية الحالي حول استعداد بلاده للنظر في العمل مع الرئيس السوري بشار أسد إذا فاز بانتخابات ديمقراطية، ويُضاف إليه تصريح أردوغان قبل أيام بأن تركيا ليس لديها ما تفعله في منبج إذا غادرت المنظمات الإرهابية، هذا كله يُفهم منه أن حكّام تركيا يسيرون باتجاه باقي حكام المسلمين لإعادة النظام إلى الواجهة بشكل أو بآخر.
وللإمارات في دعم المُجرمين نصيب حيث أعادت فتح سفارتها في دمشق في خطوة تطبيعية مع النظام، كما دخلت قبلها أول قافلة قادمة من الإمارات عبر معبر نصيب الذي قام بدوره النظام الأردني بإعادة فتحه بعد أن كان مغلقاً طوال فترة سيطرة المعارضة على الجانب السوري من المعبر.
كما تلقى رأس النظام بشار أسد تهنئات من رؤساء العراق ولبنان والجزائر بما يُسمى عيد الاستقلال في نيسان عام 2018م، وتناقلت وسائل الإعلام أيضا خبرا عن نية رئيس تونس توجيه دعوة لأسد لزيارة تونس، وأنباء أخرى عن نية رئيس العراق للقيام بزيارة لدمشق على غرار البشير.
هذه الأعمال السياسية التي يقوم بها حكام المسلمين تكشف لنا أن معارضتهم سابقا ما كانت إلا معارضة وهمية، وأن الدموع التي سكبوها لأجل دمائنا وأعراضنا ما كانت إلا دموع التماسيح، وأن المواقف التي اتخذوها كانت بعد أن أحرجتهم شعوبهم التي كانت ترمق الشام بعين النصير فكانت هذه المواقف التي لا تسمن ولا تغني من جوع كتغطية على خذلانهم لأهل الشام.
أما اليوم فتظن أمريكا وتوعز لعملائها بهذا الظن أنها قد أجهزت على ثورة الأمة في الشام، فتطلب من عملائها أن يتقربوا من عميلها حامي كيان يهود، وتدعي هي الانسحاب من سوريا في رسالة يُفهم منها أن النظام قد انتصر على أهل الشام، لذلك نجد إعلام النظام يروج للانسحاب أنه انتصار له.
هذا في حسابات أمريكا وأدواتها وعملائها، أما أهل الشام فلم يخرجوا في ثورتهم لتجميد عضوية أسد في الجامعة العربية، ولم يُقدموا التضحيات الجسام لكي تُغلق السفارات، ولم يُشردوا ويُهجروا طمعا بالعزلة الدولية لنظام أسد، لذلك فلن يثنيهم عن الاستمرار في ثورتهم اعتراف هنا أو زيارة رئيس هناك، ولن تكون نهاية الثورة بإعادة فتح السفارات والمعابر، بل هي ثورة لله وخرجت تهدف لإسقاط النظام بكل أركانه ورموزه، واستبدال نظام آخر به يحقق لهم العدل والأمان، ولا نظام يحقق ذلك سوى نظام الإسلام كما أنزله الله على حبيبه محمد e .
وأخيرا فإن لله سنناً مع الطغاة والمتكبرين، ومن سننه أن يكون هلاكهم في اللحظة التي يظنون أنهم الغالبون، هذه هي سير الأولين فيها العبرة والعظة لمن أراد أن يسلك طريق المصلحين. فهذا فرعون قد هلك يوم أن نادى في المدائن حاشرين، وتلكم الأحزاب قد أجمعوا أمرهم فانقلبوا خاسرين.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع