وقعت الحكومة السودانية على ما سمي باتفاق "ما قبل التفاوض" في العاصمة الألمانية برلين مع حركتي العدل والمساواة، وتحرير السودان - مناوي، الخميس 6/12/2018م وسط حضور دولي واسع، ليستمر التفاوض في العاصمة القطرية الدوحة، وأوضح أمين حسن عمر رئيس وفد الحكومة المفاوض، في بيان له أن التوقيع جاء تتويجاً لجولات عدة من المفاوضات والمشاورات غير الرسمية التي جرت في برلين، بوساطة مشتركة بين المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وممثلي الحكومة الألمانية، ومتابعة ومعاونة المبعوثين الدوليين للسلام في السودان... وقد شهد مراسم التوقيع جميع المبعوثين الدوليين من الحكومات الأمريكية، البريطانية، الفرنسية والنرويجية، بالإضافة لمؤسسة باركوف الألمانية). سودان تريبيون 6/12/2018م.
قطع البشير سابقاً بأن العام 2016م سيشهد نهاية التمرد والمشاكل الأمنية في ولايتي النيل الأزرق ودارفور وجنوب كردفان، وإقليم دارفور، وأضاف: "لن تكون هناك نيفاشا ولا اتفاقية جديدة، ومن يأتي سلماً أهلاً وسهلاً، ومن لا يأتي سنصله في مكانه". وقال: "إن التمرد في دارفور انتهى باستثناء بقايا للحركات تتواجد داخل أراضي جنوب السودان. وقال: "نحن في انتظارهم إذا جاءوا مرة أخرى سندبر لهم قوز دنقوا جديدة". سودان تريبيون الجمعة 21/8/2015م، (وقوز دنقوا هي المعركة التي هُزمت فيها قوات عبد الواحد، أمام ما يسمى بقوات الدعم السريع في نيسان/أبريل 2015م)، وقال مساعد البشير السابق إبراهيم محمود في كلمته أمام الملتقى الشبابي القومي بولاية جنوب كردفان يوم الجمعة 18/11/2016م: (إن التمرد انتهى في كادقلي وجنوب كردفان كما انتهى قبلها في دارفور). وقد أكد ذلك الجيش السوداني في بيانٍ على لسان المتحدث باسم الجيش العميد خليفة الشامي، يوم الثلاثاء 12/4/2016م بأن إقليم دارفور خالٍ من التمرد والحركات المسلحة بعد أن أكد سيطرة قواته على "سرونق" آخر معاقل حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور بجبل مرة، بقوله: "نعلن بذلك انتهاء التمرد والحركات المرتزقة بكل ولايات دارفور الخمس بعد هذه المعركة الفاصلة". ويؤكد البشير قبل أيام في دارفور: (أهل دارفور طردوا الشيطان). صحف الخرطوم الجمعة 30/11/2018م.
السؤال: إذا كان التمرد قد هُزم، والأوضاع قد استقرت إلا من بعض الجيوب هنا وهناك، فلماذا كل هذا الاهتمام المصطنع بمفاوضات جديدة، وجولات، ومحاصصات، وترضيات يصرف لها من قوت الفقراء والمساكين؟! ولماذا يكرِّم نظام البشير كل من يحمل السلاح، ويحفزه بالمناصب السيادية؟! ألا يشير هذا بما لا يدع مجالاً للشك، أن البشير يسير في الخطة الأمريكية ذاتها الداعية إلى تمزيق السودان إلى دول عدة، التي اعترف بها في حواره مع موقع "سبوتنيك" الذي نُشر يوم السبت 25/11/2017م حيث قال: "إن قضيتي دارفور وجنوب السودان وجدتا الدعم والسند من أمريكا، وتحت ضغوطها انفصل جنوب السودان"... وأضاف البشير "نحن لدينا معلومات الآن أن السعي الأمريكي هو تقسيم السودان إلى خمس دول، إذا لم نجد الحماية والأمان لنا... وما حصل في السودان بأن ينقسم، الانقسام هذا كان بضغط وتآمر أمريكي والخطة هي تدمير السودان وتقسيمه إلى خمس دول...". وقال وزير الخارجية الدرديري لقناة فرانس 24 في 21/11/2018م في برنامج حوار: (ساعدنا أمريكا في حل أكبر معضلة في المنطقة وهي مشكلة جنوب السودان)، وقد قال وزير الخارجية الروسي، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون، يوم الأربعاء 12/4/2017م، (إن إدارة أوباما طلبت من حكومة عمر البشير الموافقة على تقسيم السودان إلى جزئين، لمعالجة مشكلتها مقابل عدم تقديمه - أي البشير - إلى المحكمة الجنائية الدولية)، وقال: (انفصال الجنوب كان مشروعا أمريكياً من إدارة أوباما). وقد أكد ذلك غندور وزير الخارجية السوداني المُقال: قائلاً يوم الخميس 13/4/2017م: (إن فصل الجنوب كان في الأساس مؤامرة قَبِلْنَا بها).
إن حكومة البشير تقوم بجريمة كبيرة في حق السودان وأهله، وهذه الجريمة ترتكز على نقطتين أساسيتين: أولاهما: إعطاء الخصوصية لبعض أطراف البلاد لتكون مستقلة، وثانيهما: تدويل القضية وتمكين الكافر المستعمر من البلاد وثرواتها والعمل على إقصاء الإسلام من الحكم والسياسة، ومطاردة حملة دعوته، بما يسمى بالحرب على (الإرهاب)؛ فإعطاء الخصوصية، يعني وضع المنطقة المعينة تحت حكم ذاتي أو ما يسمى بالحكم الفدرالي، كما اتضح ذلك في الجنوب، فقد ركز المستعمر الإنجليزي على إعطاء الجنوب سابقاً خصوصية، مما أدى في نهاية المطاف إلى عزله، وفصله عن جسم البلاد، وها هو نظام البشير يطبق الإجراءات ذاتها على دارفور، كما يسعى النظام لتعميم هذه الخصوصية، في جبال النوبة، والنيل ولأزرق، وأبيي، وهذه لا محالة تمهيد للفصل ودعوة واضحة للتمزيق. لا سمح الله.
إن هذه الجريمة التي يقوم بها نظام البشير، وكذا المعارضة التي تتخذ من الغرب المستعمر منصات لإطلاق أعمالها السياسية، سواء من أمريكا أم من أوروبا، إنهم بلا شك يجعلون قضايا البلاد تدار بواسطة الكفار المستعمرين، وهذا بلا شك تمكين لهم، وجعل سبيل وسلطان للكافرين على المسلمين وهذا محرم، قال الله عز وجل: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾. ولا شك أن الذي يُسلِّم أعداءه ملفات بلاده وقضاياها (خائن)، وغير مؤهل لتولي أمور الناس وقيادتهم، وهو بالضبط ما يقوم به نظام الخرطوم اليوم، الذي لا يحافظ على الأرض ولا العرض، فهو يسلم الأراضي، ويحفز القتلة بإعطائهم المناصب السيادية، فهم جميعاً متفقون بناء على أفعالهم، على هذه المسرحية الاستعمارية البغيضة، وهي تمزيق السودان، عبر الحكم الذاتي والفدرالية، مما يؤكد حقيقة هذه المفاوضات الصورية التي تجري الآن أو التي سبقتها.
لذلك فإن هذه القوى المتهافتة لإرضاء المستعمر سواء أكانت الحكومة، أم المعارضة المرتبطة بالمستعمر، فهم غير مؤهلين للحديث باسم أهل السودان، فالسودان بلد مسلم وأهله يحبون الإسلام، ولا حل لمشاكلهم إلا بالإسلام، عبر دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، لذا فليعمل أهل السودان للتغيير الحقيقي على أساس الإسلام، ليلقوا هذه الأنظمة العميلة المتواطئة مع المستعمر في هاوية سحيقة، وليقيموا حكم الله بخلافة راشدة على منهاج النبوة، وعد الله وبشرى رسوله عليه الصلاة والسلام القائل: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ». (أخرجه الإمام أحمد وغيره).
بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن)
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع