(مترجم)
يقول المسؤولون في وزارة الخارجية الروسية إن محادثات السلام الأفغانية في موسكو سيتم عقدها في بدايات شهر تشرين الثاني/نوفمبر، بمشاركة من أطراف النزاع الأفغاني، إضافة إلى دول أخرى. هذا، وكانت موسكو قد دعت في 4 من أيلول/سبتمبر أطرافا إقليمية ودولية، لحضور محادثات سلام أفغانية برعاية روسية، لكن الحكومة الأفغانية ادعت وقتها بأن موسكو لم تنسق الخطوة معها بما يكفي. ولذلك رفضت واشنطن وكابول حضور تلك الجلسة، وتم تأجيلها إلى وقت غير معلوم. الآن، وبعد زيارة وفد أفغاني إلى موسكو برئاسة نائب وزير الخارجية الأفغاني، كشف ضمير كابلوف مندوب روسيا الخاص إلى الشأن الأفغاني، بأن الجلسة سيتم عقدها في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر.
إن الغباء السياسي للدب الروسي يبدو في قضية أفغانستان كما بدا مرارا وتكرارا في قضايا أخرى. فتحرك روسيا الأخير يُظهر تأخرها الطويل في لعب دور أكثر تأثيرا في أفغانستان. إذ إن موسكو تحركت بعد فترة طويلة من توقيع الاتفاقية الأمنية بين أمريكا وأفغانستان. فروسيا كانت تصدّق أمريكا في ادعائها لمكافحة (الإرهاب) والمخدرات. لكن واشنطن ومن خلال توقيع الاتفاقية الأمنية مع كابول، عززت موطئ قدمها في أفغانستان لسنوات طويلة، واستغلت أفغانستان كمزرعة للمخدرات، وقامت بزعزعة الأمن والاستقرار في الشمال الأفغاني. وحاولت توصيل ترددات الاضطراب الأمني إلى دول آسيا الوسطى. ومن هنا تحركت موسكو وحاولت تعزيز صلاتها وتعاونها مع طالبان كردة فعل أمام الخطوات الأمريكية.
واستمرارا للمحاولات الروسية، تخطط موسكو لإنشاء عملية سلام مماثلة للتحرك الأمريكي التفاوضي مع طالبان. لكن موسكو تخطئ إذ تعتبر أفغانستان سوريا أخرى؛ لأن الشأن الأفغاني يختلف كثيرا عن الملف السوري من المنظور السياسي والاقتصادي (الاستعماري) بالنسبة لأمريكا. فالموقع الجيوستراتيجي لأفغانستان، بحيث يعمل كسد أمام التوسع الروسي الصيني، واستغلال الموارد الطبيعية الأفغانية، والمعادن والمناجم في دول آسيا الوسطى، والعمل على منع إقامة الخلافة على منهاج النبوة في المنطقة من أمريكا والناتو، كلها أمور تدفع أمريكا نحو ضرورة التمسك بأفغانستان، وقيادة (الحرب والسلم)، دون مشاركة أطراف أخرى كالصين وروسيا.
وأما في الملف السوري، فعندما وجدت أمريكا نفسها غير قادرة على الدفاع عن النظام بدعم من مليشيا حزب الله اللبناني، والحرس الثوري الإيراني، ومليشيات عراقية وأفغانية وباكستانية، استجلبت روسيا، وبعد الضعف الروسي أدخلت تركيا أيضا إلى الساحة، وعززت دور السعودية وقطر وتركيا لإحداث انحراف في مسار الثورة، وهو ما سبب بقاء النظام المستبد، وهزيمة مفصلية للثورة السورية. فأمريكا أدخلت روسيا إلى المأزق السوري بطريقة لا يُمكن لموسكو الخروج منه إلا بإرادة أمريكية. ومن جهة أخرى فإن تحمُّل روسيا لأعباء الحرب في سوريا يُعتبر ضربة اقتصادية كبيرة لروسيا. ومن هنا، تحاول روسيا عبر محادثات السلام السورية الخروج من المستنقع السوري، والحال أن الخطوط العريضة لهذه المحادثات تم وضعها من قبل أمريكا في جنيف والرياض، وأنقرة هي المسؤولة الإجرائية عن تقييم التطورات.
لكن في عملية السلام الأفغانية بالرعاية الأمريكية، وبعد أن عيّنت أمريكا زلماي خليل زاد، سفير أمريكا السابق في العراق وأفغانستان والأمم المتحدة، بعد أن عينته مندوبا خاصا من الخارجية الأمريكية لعملية السلام في أفغانستان، قام خليل زاد بزيارة استغرقت عشرة أيام إلى كل من أفغانستان وباكستان وقطر والإمارات والسعودية، وأوصل الرسالة الأمريكية إلى جميع أطراف النزاع الأفغاني، ومنهم حركة طالبان، وقام بتبادل رسائل خاصة بين هذه الأطراف.
بُعيد التحرك الأمريكي شهدت الساحة الأفغانية سلسلة من الاغتيالات الغامضة طالت رموزا معادية لطالبان. فقد لقي في هذه السلسلة الدموية الجنرال عبد الجبار قهرمان وهو من المعارضين الأشداء لحركة طالبان، لقي مصرعه في ولاية هلمند حيث كان يخوض حملة انتخابية للفوز بمقعد في البرلمان. وبعد يوميْن من الحادث تم اغتيال الجنرال عبد الرازق قائد شرطة ولاية قندهار والذي كان يحظى بدعم شعبي واسع، ويتمتع بقدرات قتالية، وكان قد اشتهر بعدائه الشديد لطالبان. وحدث اغتياله بعد لقاء جمعه مع قائد القوات الأجنبية في أفغانستان.
بعد أسبوعيْن من هذيْن الحدثيْن، لقي فريد بختور رئيس المجلس المحلي لولاية فراه حتفه إثر حادث تحطم مروحية، وكان من الشخصيات المؤثرة في هذه الولاية. وكان بختور يقاتل طالبان بشكل واسع، حتى حين تراجعت القوات الحكومية أمام تقدم طالبان إلى مركز الولاية بقيت قواته هي التي تدافع عن المدينة. وهذه السلسلة من الاغتيالات تبنت حركة طالبان المسؤولية عنها.
مقتل الجنرال عبد الرازق حدث من الناحية الفنية والسياسية في ملابسات غامضة ومهمة للغاية، ولا يُمكن إنكار التدخل الأمريكي المباشر أو غير المباشر في الأمر. والأجواء العامة في الشارع الأفغاني، تقطع بأن أمريكا هي التي تقف وراء تصفية الجنرال عبد الرازق. فمقتله ينفع باكستان وطالبان وأشرف غاني في أمور عدة: إذ إنه كان يعارض بناء حائط من الأسلاك الشائكة على خط (ديوراند) الحدودي بين أفغانستان وباكستان. وكان مشهورا بعدائه الشديد مع طالبان، وحتى إنه اشتهر بقتل وتعذيب أعضاء حركة طالبان. وكان يعارض الرئيس أشرف غاني ويُعتبر عائقا أمام فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة في المناطق الجنوبية من أفغانستان. لذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، غير ما تم ذكره، ما هي المصلحة التي دفعت أمريكا للتضحية بقائد مخلص وموثوق به؟
وفيما يبدو استمرارا لهذه السلسلة من الاغتيالات، لقي مولانا سميع الحق زعيم جمعية علماء الإسلام الباكستانية، ووريث المدرسة الحقانية، والمشهور بـ"الأب الروحي لطالبان"، لقي مصرعه في هجوم بطعنات سكين وإطلاق نار من قبل شخص مجهول في مدينة راولبندي الباكستانية. وكما تزعم إذاعة بي بي سي، فإن الحكومتين الأفغانية والأمريكية كانتا تعتبران سميع الحق عائقا أمام جهود عملية السلام، وقامتا بالتواصل معه للحصول على دعمه وتأييده لعملية السلام ولكنهما لم يلقيا ردا إيجابيا من سميع الحق.
وبعد مقتل الجنرال عبد الرازق، تم إطلاق سراح أحد مساعدي الملا عمر الزعيم الشهير لطالبان من السجون الباكستانية، وهو الملا عبد الغني برادر نتيجة مقترح من زلماي خليل زاد مندوب أمريكا الخاص لعملية السلام الأفغانية. وفي خطوة أخرى، رُفع أيضا الحظر عن خمسة آخرين من سجناء غوانتانامو الذين كان قد تم إطلاق سراحهم بحظرهم من السفر والتحرك.
فهذه التحركات المتتالية ربما تشير من الناحية السياسية إلى أرضية للسلام في أفغانستان حسب الرغبة الأمريكية. فأمريكا تكثّف هجماتها على طالبان من جهة وتسيّر عملية تفاوضية مع الحركة أيضا، وإطلاق سراح سجناء طالبان من قبل أمريكا يهدف إلى تعزيز جهود السلام أيضا. ومن جهة أخرى، تبدو أمريكا عازمة أمرها على تصفية معارضي عملية السلام في أفغانستان وباكستان، وإلحاق بعض المجموعات المسلحة المعارضة بعلمية السلام مع الحكومة التابعة لها في أفغانستان. وهذا سوف يؤدي إلى بقاء بعض المسلحين بدون قيادة، مما سيدفعهم إلى حركات مسلحة أخرى، وهو ما سيبرر الوجود الأمريكي وحرب واشنطن المدمرة في أفغانستان.
علينا أن نُدرك الأبعاد الإقليمية والدولية للحرب الأفغانية بطريقة واضحة، وأن لا نسمح للمستعمرين الذين يتنافسون على قتل المسلمين، بأن يلعبوا بمستقبل الشعب الأفغاني والأطراف المعنية بأمر أفغانستان. وعلينا أن نسعى إلى إدراك القضايا السياسية من زاوية العقيدة الإسلامية، وأن نعمل على نهضة الأمة الإسلامية، ومنع سقوطها في فخ المستعمرين، وذلك من خلال إظهار الوقائع، وكشف مشاريع الأعداء المدمرة.
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية أفغانستان
رأيك في الموضوع