قال الجهاز المركزي للإحصاء في السودان، إن التضخم زاد إلى 63.87%، على أساس سنوي في حزيران/يونيو الماضي، ويعاني السودان نقصاً حاداً في النقد الأجنبي، حيث ارتفع الدولار في السوق الموازي، لما يقارب الخمسين جنيهاً للدولار، في حين إن سعر الصرف الرسمي 29.3 جنيها للدولار، وتزايدت الأسعار بصورة غير مسبوقة، ووصلت لأرقام خرافية في بعض السلع والخدمات، وبخاصة السلع الاستهلاكية الضرورية... فما هي الأسباب التي أدت إلى هذا التضخم، وما هي الحلول الصحيحة للتضخم وجميع مشاكل السودان؟
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة، لا بد من تعريف ماهية التضخم، فهو من الاصطلاحات الاقتصادية الأكثر شيوعاً، إلا أنه لا يوجد اتفاق بين الاقتصاديين بشأن تعريفه، ويرجع ذلك إلى انقسام الرأي حول تحديد مفهوم التضخم، وما يهمنا هو أنه عندما يُطلق مصطلح التضخم، دون تمييز الحالة التي يطلق عليها، فإن المقصود هو ارتفاع الأسعار، وهي الحالة التي يعيشها السودان اليوم، وإذا أردنا تبسيط مفهوم التضخم، فهو أن الشخص مثلاً كان يشتري أربع قطع من الخبز بجنيه، ثم صارت قطعتين بجنيه، والآن قطعة واحدة بجنيه، فالذي تضخم هو عدد النقود التي تدفعها لشراء الخبز، فبعد أن كنا نشتري أربع قطع من الخبز بجنيه، نحتاج الآن إلى أربعة جنيهات لشراء القطع ذاتها من الخبز التي كانت بجنيه واحد، وهذا ما يسمى بانخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية.
إن السودان يعتمد بنسبة كبيرة على استيراد الوقود، والقمح، وغيرها من السلع التي لا تُنتج فيه، وهذا يحتاج للعملة الحرة (الدولار)، وهذا الدولار لكي تتحصل عليه الدولة لا بد من التصدير لما تنتجه من مواد أو موارد، ومعلوم أن السودان كان يعتمد في السابق على مشروع الجزيرة، الذي كان ينتج القطن، فيصدر للخارج، وتحصل الدولة على الدولار، وعندما ظهر البترول في السودان أهمل مشروع الجزيرة، بل أهملت كل المشاريع الزراعية، وكذلك المصانع التي انهارت جراء استيراد كل السلع والبضائع من الخارج، وفرض رسوم عالية على المصانع المحلية مما جعلها تتوقف عن العمل والإنتاج، وعندما تمت جريمة فصل جنوب السودان، ذهب أكثر من 75% من البترول للدويلة الوليدة، ولم يجد السودان إلا بعض ما تم الاتفاق عليه مع الجنوب الذي يمر بتروله عبر الأنابيب في الشمال... وهذا أيضاً ضاع بسببب الحرب الدائرة في الجنوب فتعطل إنتاج البترول، فبدأت منذ ذلك التاريخ، الأزمات، في ظل ترهل حكومي، وصرف بذخي، اعتادت الحكومة عليه قبل الانفصال، فاتجهت لزيادة أسعار المحروقات، بدعوى رفع الدعم مرتين خلال عامين فقط، ثم كان أن تم رفع أسعار القمح والدقيق، وانخفضت قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار؛ الذي كان جنيهان منه يساويان دولاراً واحداً، حتى وصل في بداية العام الحالي 2018م إلى ما يقرب من الثلاثين جنيهاً للدولار الواحد... ثم حركت الحكومة الدولار الجمركي من 6.9 جنيها للدولار إلى 18جنيهاً للدولار، مما تسبب في ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج... وفي هذه الأثناء كان صندوق النقد الدولي يطالب الحكومة بتعويم الجنيه، أي جعله حراً يتحكم فيه السوق، وبما أن الحكومة تعلم أنها لا تستطيع أن تفعل ذلك، لأنها لا تملك دولارات تتحكم بها في السوق، نفذ البنك المركزي سياسة ما يسمى (بالتعويم المدار) للجنيه السوداني ظناً منها أنها بذلك يمكن أن تتحكم في سعر الصرف... وبالرغم من كل الإجراءات التي قامت بها الحكومة من أجل كبح جماح الدولار، إلا أنه لم يقف عند الحد الذي حدده.
لقد صارت الحياة في السودان جحيما لا يطاق؛ أزمات بعضها فوق بعض، بل إن الناظر إلى حال السودان يترقب الانهيار التام في أية لحظة، فما زالت الصفوف أمام محطات خدمة الوقود هي السمة البارزة واليومية لحال انعدام الجازولين والغاز، مما انعكس على تنقلات الناس، فأصبحت مواقف المواصلات خاوية إلا من أرتال الناس الساخطين، ثم أضف لهذه المعاناة في هذه الأيام، ندرة في الخبز، فازدحمت المخابز بطالبي الخبز... لقد صارت الصفوف في كل مخبز أمراً مألوفاً، في ظل سكوت الدولة، بل عجزها التام عن أي حل. وفي ظل هذه الظروف حاولت الحكومة أن تمتص غضب الجماهير بادعائها محاربة الفساد والمفسدين، فقامت بالقبض على بعض النافذين، وبعض التجار، وبدأ الحديث عن (القطط السمان)، ولكن الناس لم يروا قطاً سميناً أو حتى ضعيفاً أقيم عليه الحد، رغم الفساد الذي أزكم الأنوف، وأصبح معلوماً حتى لرعاة الشاة في الخلاء!
فما هو الحل إذن؟ وقبل أن نتحدث عن الحلول الصحيحة، لا بد أن نؤكد أن هذه الحالة من الغلاء الطاحن والأزمات المتلاحقة، إنما هو أمر مصنوع وغير عادي، لأن المعروف عن السودان، أنه بلد غني بثرواته الظاهرة والباطنة، وما قيل عن أن السودان سلة غذاء العالم ليس مزحة، وإنما هي حقيقة، لو كانت هناك فكرة سياسية راشدة يُحكم بها السودان، وتدار ثرواته لمصلحة الأمة لا لمصلحة أعدائها، كما هو حادث اليوم، بالركون إلى روشتات صندوق النقد الدولي، التي تعمل عبر القروض الربوية، والاستثمار الذي هو في حقيقته إعطاء ثروات البلاد لشركات الدول الرأسمالية الكافرة بثمن بخس.
إن الحل لا يكون إلا إذا قامت الدولة في السودان على أساس العقيدة الإسلامية، وطبقت أحكام النظام الاقتصادي في الإسلام، بعد تطبيقها نظام الحكم في الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فتقوم الخلافة حينئذ بقطع يد الغرب الكافر العابث في بلادنا، وتدير هذه الثروات الهائلة لمصلحة الأمة، فتعيد مشروع الجزيرة، وغيره من المشاريع الزراعية، ليكتفي الناس بالزرع والضرع، ويصدرون إلى كل العالم، ثم تلغي كل القيود على الصناعة، بل وتعمل على توطين الصناعة الثقيلة، حتى لا نعتمد على غيرنا في الصناعات... كما أن الدولة ستجعل عملتها تعتمد على الذهب والفضة، لا على الدولار الذي لا يساوي قيمة الورق الذي طبع عليه، وبالجملة ستعود للأمة قوتها ومجدها وعزها، فتنشر العدل والخير في ربوع العالم، وتقوده نحو الحق والطريق المستقيم، فيهنأ العالم بوجود دولة مبدئية همها إخراج الناس من الظلمات إلى النور، لا أكل أموالهم ونهب ثرواتهم، وجعلهم يعيشون في شقاء وتعاسة، كما هو الحال في ظل الأنظمة الرأسمالية الجشعة...
هذا هو الطريق الذي يجب أن يسلكه أهل السودان للخروج من هذا النفق المظلم.
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية لسودان
رأيك في الموضوع