قام الرئيس الفرنسي ماكرون بزيارة لأمريكا ولقاء رئيسها ترامب حيث استقبل بحفاوة بالغة برزت فيها مظاهر الأبهة، وألقى خطابا أمام الكونغرس الأمريكي يوم 25/4/2018، وقد استقبله أعضاء الكونغرس بالتصفيق واقفين لمدة ثلاث دقائق في تصرف أمريكي مقصود لدغدغة مشاعر الرئيس الفرنسي والفرنسيين الذين يحبون مظاهر الأبهة والعظمة لاستمالتهم لتأييد السياسة الأمريكية، وبالتالي تسخيرهم في خدمة المصالح الأمريكية.
ولهذا بدأ ماكرون يدافع عن "أهمية المؤسسات العالمية التي أسست منذ الحرب العالمية الثانية بدعم من أمريكا" علما أن هذه المؤسسات أصبحت أذرعا للهيمنة الأمريكية العالمية التي أزاحت أوروبا ومنها فرنسا عن لعب الدور الرئيس في العالم لتنهب أكثرية ثروات العالم بأسلوبها الاستعماري الجديد.
وكذلك أبدى ماكرون ليونة، بل تنازلا أمام إصرار ترامب فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، فقال: "ترامب ومن خلال كل تصريحاته وآخرها لم يبد استعدادا للدفاع عن الاتفاق النووي. وأعتقد بأنه لن يتمسك بالاتفاق النووي، ولكنه (ترامب) أبدى انفتاحا لفكرة التوصل لاتفاق جديد أوسع ومنظم مع إيران"، وقال في مؤتمر صحفي مع ترامب: "نأمل اعتبارا من الآن العمل على اتفاق جديد مع إيران"، فهذا تراجع من قبل فرنسا بعدما كانت تعارض أمريكا في ذلك، وهي محاولة لإرضائها حتى تحفظ لفرنسا مكانها ومصالحها في أي اتفاق جديد. وقال "أريد تشكيل إطار دبلوماسي لكي نتصرف فورا في حال قررت أمريكا الخروج من الاتفاق النووي" مستسلما لقيادة أمريكا، ولأن هدف أمريكا إسقاط أوروبا من الاتفاق الذي فرضت نفسها فيه، لتمنعها من لعب دور دولي ولتحرمها من المكاسب الاقتصادية والسياسية. ولهذا ما إن عاد ماكرون إلى أوروبا حتى قامت المستشارة الألمانية ميركل بزيارة أمريكا ولقاء ترامب يوم 28/4/2018، في محاولة لإبقاء الاتفاق، ولكنها أظهرت تراجعا هي الأخرى على أمل أن تبقى ألمانيا فيه، فقالت: "الاتفاق النووي مع إيران غير كامل، ويجب احتواء نفوذ طهران في المنطقة".
وهكذا أظهر الأوروبيون ضعفا في مواجهة أمريكا واستسلاما لقيادتها حتى يحافظوا على ما حققوه ويضمنوا تحقيق وجودهم ومصالحهم في أي اتفاق نووي جديد. وجاءت زيارات رؤسائهم بعدما بذلوا كل مجهودهم وراء الكواليس لثني ترامب عن التخلي عن الاتفاق النووي الإيراني. فرأوا إصراره فبدأوا بالتراجع للحفاظ على مكتسباتهم من هذا الاتفاق. وبريطانيا تعارض إبطال هذا الاتفاق، ولم تتحرك رئيسة وزرائها بعد، منتظرة نتائج التحركات الفرنسية والألمانية والتفكير في أسلوب للتعامل مع الوضع. ولو شكل الأوروبيون جبهة معارضة قوية مضيفين إليهم روسيا والصين ومثيرين الرأي العام لأوقفوا أمريكا عند حدها ولجعلوها تتراجع.
وبالنسبة للوضع في سوريا قال ماكرون: "إن خروجنا النهائي الكامل من سوريا حتى لو كان سياسيا، في اليوم الذي ستكمل فيه الحرب ضد داعش سيعني تقديم كل شيء للنظام الإيراني وبشار أسد.. حتى بعد انتهاء الحرب على داعش ستلعب أمريكا وفرنسا وحلفاؤنا... دورا مهما لإنشاء سوريا جديدة.. أمريكا لا تزال لاعبا لا يمكن تبديله في الشرق الأوسط وستواصل فرنسا الاعتماد عليها في سوريا". وهذا استسلام من قبل فرنسا حتى تعطيها أمريكا دورا تلعبه في سوريا، وقد طمعت في ذلك عندما سمحت لها أمريكا بمشاركتها في الضربة الأخيرة على مراكز في سوريا بدعوى أن النظام استخدم السلاح الكيماوي في قتل 60 شخصا بدلا من السلاح التقليدي الذي تسمح له أمريكا باستخدامه لقتل مئات الآلاف من أهل سوريا.
ففرنسا تدرك أن أمريكا هي صاحبة النفوذ هناك، وهي التي سمحت لروسيا بالتدخل، وعندما كبر رأس روسيا أرادت أمريكا أن توجه ضربة لتهين هذا الرأس وتخفضه. فتأمل فرنسا أن تحلها أمريكا محل روسيا في سوريا. فهي تعترف بالدور الرئيس لأمريكا في المنطقة، لأنها لم تستطع فرض نفسها هناك رغم محاولاتها إذ عزلتها أمريكا كما عزلت الأوروبيين الآخرين.
ومن جانب آخر فإن إيران تلقى جزاءها، إذ سارت مع أمريكا وعملت على تقديم الخدمات العظام لها وللغرب بصورة عامة في العراق وأفغانستان واليمن وسوريا حيث حاربت حركة المقاومة الإسلامية الحقيقية ضد أمريكا والغرب في هذه البلاد، وحاربت حركة التحرر من ربقة الاستعمار والعودة إلى حكم الإسلام، وعملت على مساعدة أمريكا في تركيز عملائها وأنظمة الكفر العلمانية وتأمين الاستقرار لها في هذه البلاد، متوهمة أن أمريكا ستكرمها وتمنحها الفرصة لتصبح الدولة القوية في المنطقة لتحقق الآمال القومية كما عبر مسؤولون إيرانيون عن ذلك، علما أن كل ذلك مخالف للإسلام. ولا تدري إيران أن أمريكا تلعب بها؛ تارة تعطيها دورا في المنطقة وتارة تحسر دورها وتحصره في مهمات خبيثة، فهي تستخدمها كالحذاء، ثم ترميها على المزبلة عند الاستغناء عن دورها!
ومما يجب أن يعرفه الجميع عن فرنسا أنها دولة استعمارية لا تعير أية قيمة للإنسان والإنسانية، وتاريخها الدموي مشهور، فهي تعمل على إيجاد نفوذ لها في العالم ومستعمرات. وهي دولة خطيرة وإن كانت لا تتقن المناورات السياسية، فسياستها وأهدافها مكشوفة. وهي تسعى للبروز كدولة كبرى عالميا، وتحب الظهور بمظاهر الأبهة والعظمة واعتبارها دولة عظيمة. ولهذا كانت سهلة الاستخدام من قبل بريطانيا التي أدركت ذلك، وهي الآن سهلة الاستخدام من قبل أمريكا، وبدأت تترامى على أمريكا وتتزلف لها وتستعد للسير معها من أجل الحصول على بعض المكانة الدولية والمصالح، فتتبع سياسة خاطئة، إذ السياسة الصحيحة هي تحدي أمريكا ومنافستها والتصدي لسياساتها وتشكيل جبهات سياسية وإيجاد رأي عام ضدها. وقد فعلت مثل ذلك عام 2003 على عهد شيراك بمعارضتها لغزو العراق، فحققت نجاحا.
فنحن لا نرشدها، وإنما نبين حقائق سياسية، ففرنسا دولة استعمارية مجرمة لا تقل إجراما عن أمريكا وبريطانيا وروسيا. وتولي الاستعمار الثقافي أولوية، ولهذا تتخذ الإسلام عدوها الأول، لأنها ترى أنه الدين الوحيد القادر على تحدي الغرب وبما هو عليه من بطلان وفساد في ديمقراطيته وعلمانيته وثقافته وحضارته.
فالإسلام هو المبدأ الحق المقنع للعقل والموافق للفطرة، وعقيدته روحية سياسية ينبثق عنها نظام للحياة شامل، وفيه حضارة راقية تتحدى الحضارة الغربية المنحطة، ولديه قيم عليا تتحدى القيم الغربية السفلى، ونظام حكم شامخ عريق وعادل، وطراز عيش راق. وتتوجس فرنسا وكل الدول الاستعمارية من عودته متجسدا في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وخاصة أنها ترى الأمة وجماعاتها المخلصة الواعية وعلى رأسها حزب التحرير تعمل على ذلك لتخلص البشرية من ظلم المستعمرين ومبدئهم الرأسمالي الغاشم وسرقتهم لأكثرية أموال البشر وتركهم يعانون الفقر والحرمان والأمراض والحروب التي تشعلها الدول الاستعمارية.
رأيك في الموضوع