لم يكد العراق يطوي صفحة تنظيم الدولة حتى بات يلوح في الأفق أثر فتنة جديدة تحمل في طياتها - فيما يبدو - فصلا آخر من فصول تآمر أمريكي خبيث لم يشف غله ما جرى من تدمير شامل لديار أهل السنة، وسفك لدماء ساكنيها، فضلا عن تحميل ميزانية العراق الخاوية أصلا ديونا يصعب حصرها أو سدادها جعلت منه أنقاض بلد توقفت فيه الحياة والتنمية. ونحن على يقين أن ما جرى ويجري هنا أو في سائر بلاد المسلمين لا يشكل إلا قسطا ضئيلا مما تحويه جعبة الكفار من تآمر وحقد دفين على أمة الإسلام نبأنا الله عز وجل به فقال: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾، وكذا عن حربهم لنا بلا هوادة لسلخنا من إسلامنا الذي نحيا به وله فقال سبحانه: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾.
أما ما ألمحنا إليه، من بروز فتنة جديدة، فهو ما حملته إلينا أنباء تحركات جديدة للقوات المسلحة العراقية، بمعية الحشد الشعبي لمكافحة تنظيم جديد لا يزال في طور التشكل وحشد الأتباع المغرر بهم ممن حشروا شرع الله الواسع في زوايا ضيقة، متناسين سماحة أحكامه ويسر تشريعاته فغلظت قلوبهم، وقست أخلاقهم حتى باتوا سبة على الإسلام والمسلمين. والتنظيم الجديد هو ما بات يعرف "بتنظيم الرايات البيضاء" وفقا لما تناقلته وسائل إعلام متنوعة. وكان بدء العملية العسكرية يوم الأربعاء 7 شباط/فبراير الجاري، ضد هذا التنظيم في محافظة صلاح الدين، فأنجزت القوات المشتركة خلالها تحرير مناطق عدة وسيطرت على مقرات وأنفاق تابعة لجماعة "الرايات البيضاء" في جبال حمرين، وفقا لوكالة (آر. تي) الروسية.
وعناصر هذا التنظيم هم مجموعة مسلحة قوامها - حسب تقديرات متباينة - من 500 إلى 1500 مسلح بدأت بالظهور بعد إعلان القضاء على تنظيم الدولة من قبل رئيس الوزراء العبادي في 29 حزيران/يونيو الماضي، وبعد السيطرة على جامع النوري الكبير، في مدينة الموصل القديمة، والذي أعلن منه أبو بكر البغدادي خلافته المزعومة عام 2014. ولا تزال هوية التنظيم الجديد غير واضحة..! وربما هي في دور التبلور، وذكرت تقارير أمنية عراقية: "أن قائد هذا التنظيم يدعى أحمد حكومة، وكان من ناشطي تنظيم الدولة ويتحرك في القرى والبساتين وفي المحافظات التي أشرنا إليها - بحسب مسؤولين أمنيين في ديالى نقلته عنهم. (العربية).
والمساحة التي ينشطون فيها تمتد بين محافظتي ديالى وكركوك، مستخدمين جبال حمرين للقيام بهجمات ضد مواقع تابعة للجيش العراقي. وتحمل المجموعات المسلحة رايات بيضاء يتوسطها صورة أسد، وتنشط كما ذكرنا في محافظة صلاح الدين وخاصة في قضاء طوزخرماتو التي تبعد حوالي 70كم عن كركوك، وأشارت - التقارير الأمنية - إلى أن عمليات القصف، التي قامت بها أدت إلى نزوح حوالي 50 ألف شخص عن تلك المناطق، وفقا لقناة (السومرية نيوز) و(آر. تي). وكانت القوى الأمنية قد عقدت اجتماعا في كركوك برئاسة نائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبد الأمير يارالله لبحث سبل تأمين تلك المناطق، ومواجهة ظهور خليفة لتنظيم الدولة، مع تزايد المخاوف من ارتفاع عدد المنتمين لهذا التنظيم.
وأما عن حقيقة وجود هذا التنظيم، فقد كان أول ظهور لهم أواخر العام الماضي، على خلفية الأزمة بين بغداد وأربيل، وبعد هزيمة تنظيم الدولة، كما أقر مسؤولون في الجيش العراقي بوجود جماعة "الرايات البيضاء" لكنهم رفضوا التعليق بشأن العناصر التي تتألف منها أو ما يتعلق بقادتها. وعن هوية أصحابها فقد تباينت الآراء حولها، لكنها انحصرت في رأيين رئيسين، هما:
الأول: "أن من يسمون بأصحاب "الرايات البيض" هم بقايا فلول تنظيم الدولة، أكد ذلك القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني/حزب طالباني غياث السورجي، كاشفا عن وجود معلومات أمنية تؤكد بأن تلك الفلول موجودة في حوض جبال حمرين والمناطق المحيطة بقضاء طوزخورماتو جنوب كركوك بعد أن أعادوا تنظيم أنفسهم"، وقد أيد هذا الرأي بعض المسؤولين الأمنيين في محافظة ديالى في تصريحات صحفية "أن عناصر هذا التنظيم هم من بقايا أفراد تنظيم الدولة". (العربية).
الثاني: أنهم جماعة كردية ظهرت بسبب تعدد الصراعات في محافظة صلاح الدين، وأنهم لا ينتمون إلى تنظيم الدولة. صرح بذلك النائب عن المكون التركماني جاسم محمد جعفر، متهما قادة أكراداً بدعم مسلحي "الرايات البيضاء"، الأمر الذي أشارت إليه معلومات عن مصادر أمنية عراقية. كما دعم هذا الرأي المحلل الأمني هشام الهاشمي في بغداد، مضيفا "أن عناصر التنظيم الجديد هم من عداد الذين نزحوا من مناطق كركوك وطوزخورماتو، في تشرين الأول/أكتوبر عندما سيطرت القوات العراقية على المنطقة، وأنه لا توجد لهم أي علاقة بتنظيم الدولة ولا بحكومة إقليم كردستان". لكن الخبير الأمني عبد الكريم خلف عارض زميله قليلا في تصريح له قائلا: "إن نبأ هذا التنظيم تم تضخيمه إعلاميا، عادّاً إياه فصيلا كرديا برعاية سياسية كردية لتعويض مناطقهم وخسارتهم في كركوك وبعض المناطق المتنازع عليها". (العربية، سبوتنيك عربي، صوت العراق والسومرية نيوز).
وأيا كان الرأي الراجح فإن كلا الفريقين، فلول تنظيم الدولة أم العناصر الكردية، لن تصمد أمام الجيش العراقي، إلا أن يكون للكافر المحتل غرض آخر لمشاغلة العراق ثانية جراء إخفاقه في وضع حل ناجع ونهائي للأزمة السورية، وعندها سيعمل على إطالة أمد القضاء على التنظيم الجديد بألاعيبه المغلفة بدقة مواعيد الهجوم من عدمها، والاجتماعات الدورية في غرف العمليات مع القادة العراقيين، إلى ما هنالك من أمور لوجستية دأبت عليها أمريكا سابقا فأخرت القضاء على تنظيم الدولة قرابة ثلاث سنوات حتى تستغله على أكمل وجه في تحقيق أهدافها. ولقد أشرنا لغاية أصحاب "الرايات البيضاء" المتمثلة بضرب مواقع الجيش من جهة، وخلق حالة من الذعر لحمل السكان على النزوح. فاللهم أنجز لنا ما وعدتنا من النصر والتمكين لصد شرور الكافرين وأذنابهم ورفع الظلم عن المسلمين، واجمع شتاتهم في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وما ذلك على الله بعزيز.
بقلم: الأستاذ عبد الرحمن الواثق – العراق
رأيك في الموضوع