لا يخفى على كل متابع للشأن السوري أن هناك تحركات دولية لإعادة شرعنة نظام الإجرام، والاعتراف به وتعويمه، وتقديمه على أنه النظام الشرعي الذي يحكم ويُمثل البلاد، وهذا الأمر لم يبدأ قريباً بل إنه منذ زمن بعيد إلا أنه يسير ببطء، وهذا أمر ليس عفوياً، بل هو جزء من مخطط مدروس يهدف لوأد الثورة وتصنيفها ضمن حركات التمرد أو وصفها كمعارضة تبحث عن بعض الحقائب الوزارية والإصلاحات الدستورية.
فمنذ انطلاقة الثورة في الشام، كانت الحكومات والأنظمة في العالم قد اتخذت موقفاً معادياً للنظام، فقامت الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا في الجامعة، كما أقدمت العديد من الدول على طرد السفراء، وهذا عمل سياسي يعكس موقف "عدم الاعتراف بشرعية هذا النظام دولياً"، وكذلك بالنسبة لكثير من وسائل الإعلام سواء الغربية أو العربية، فقد تعاطت مع النظام على أنه عصابات مُتسلطة على البلاد، أو تم وصفه بــ"المليشيات"، وحتى على المستوى الدولي فكانت تصريحات مسؤولي الدول الكبرى تُعبر بكل وضوح على فقدان نظام أسد للشرعية، والتأكيد على أنه نظام مجرم تجب محاسبته، وكل هذا أعطى زخماً كبيراً للثورة.
إلا أن التحركات الدولية لإعادة شرعنة هذا النظام كانت تسير ببطء منذ بداية الثورة، فالأمم المتحدة أبقت على ممثل النظام فيها، وبقي ممثل النظام المجرم يطرح رؤية نظامه للوضع في سوريا، ويعترض على مشاريع القرارات التي تستهدفه، وكانت روسيا في كل اجتماعات مجلس الأمن تستخدم حق النقض "الفيتو" دفاعاً عن هذا النظام، وسارت رؤية أمريكا للحل في سوريا حسب اتفاق جنيف، والذي بدوره يعترف بالنظام كمُمثل شرعي للبلاد، وكانت أولى تصريحات الاعتراف بالنظام دولياً على لسان مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا والذي صرّح في عام 2015م فقال "الأسد جزء من الحل"، ثم تبع هذه التصريحات مواقف من عدة دول، مثلاً كزيارة وفد من البرلمان الفرنسي لدمشق، ويُلحق به زيارة وفد من تونس كذلك، وكان هناك تصريح لوزير الخارجية التونسي الطيب البكوش، بأن بلاده ستفتح قنصلية في سوريا و"ترحب بعودة السفير السوري"، وتبعه موقف بريطانيا بأنها لم تعد مُصرّة على شرط رحيل أسد.
وعلى الصعيد الإعلامي فكذلك تغير خطاب كثير من القنوات الإعلامية، سواء تجاه الثورة أو النظام، فقناة العربية تحولت إلى قناة تصف الثائرين بـ(الإرهابيين)، بينما قناة الجزيرة باتت تنسب الأعمال العسكرية للفصائل بعد أن كانت تنسبها للثورة والثوار، وبدأت تعتبر بشار أسد "الرئيس السوري" بعد أن كان "رئيس النظام"، وكذلك صحيفة الرياض السعودية وصفت الثوار بـ"المتمردين"، ولهذا مدلولات تؤكد أن هناك تغيّرا نحو الاعتراف بالنظام، أما الإعلام الغربي فقد برز في الآونة الأخيرة أنه يُسوّق للنظام حيث التقت عدة وسائل إعلامية غربية مع المجرم بشار، وروّجت لروايته فيما يتعلق بالأحداث في سوريا.
وأخيراً فقد ذكرت وسائل الإعلام أن رئيس الحكومة في لبنان سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون وقّعا مرسوم تعيين سفير للبنان عند نظام بشار المجرم، ويُضاف إليه أن القائم بأعمال السفير السوري في الأردن ما زال يُمارس عمله حتى اليوم، وكذلك تصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قبل سنة من أنه واثق من استعادة علاقات بلاده الطبيعية مع سوريا.
وقد اشترك في جريمة الاعتراف بالنظام قادة الفصائل في سوريا بما قاموا به من توقيع العديد من الهدن مع النظام المجرم، وخوض غمار المفاوضات معه في جنيف وأستانة، فهذه الأعمال وبغض النظر عن نتائجها وما جرى فيها، فإن مُجرد القبول بها والسير وفقها فإنها تعني الاعتراف بالنظام وبشرعيته، وهذا خللٌ كبير وقعت فيه الثورة والقائمون عليها، فمفهوم الثورة يتطلب الثبات على مطالبها وعدم التفريط بثوابتها، والتي من أهمها إسقاط النظام، وإسقاطه يبدأ من عدم الاعتراف به ومن ثم العمل على إسقاطه.
إن اعتراف المجتمع الدولي ومنظماته بالنظام المجرم رغم كل ما ارتكبه من مجازر ورغم كل الجرائم التي قام بها خلال سبع سنوات، ليُؤكد حقيقة لا مراء فيها وهي أن ما يُسمى "المجتمع الدولي" وعلى رأسه الغرب، هو شريكٌ في الجريمة، وأنه لا يسعى سوى لتحقيق مصالحه ومصالحه فقط حتى ولو حالفَ المُجرمين ودافع عنهم، وما مواقفه المُعادية للنظام إلا مسرحية هزلية سرعان ما تكشفت حقيقتها، وما شعارات حقوق الإنسان والحريات التي يتغنى بها، إلا شعارات برّاقة يرفعها ليستر بها جرائمه، ويُدافع بها عن مصالحه وحلفائه، فشعار "مكافحة الإرهاب" أطلقته أمريكا لتُمرر مشروعها في تدمير البلاد ونهب ثرواتها، ولتغطية جرائمها المُرتكبة في الرقة والموصل وغيرها.
وإنه لمن المُعيب بعد تكشُّف هذه الحقائق عن الغرب أن تجد من يسير في مشروعه ممّن ثار على نظام الإجرام، فبعد أن صُدم الكثير بتصريح دي ميستورا قبل أكثر من سنتين بـ"أن الأسد جزء من الحل" تجدهم اليوم هم أنفسهم من يُشارك في جريمة اعتبار المجرم أسد جزءاً من الحل، فها هم اليوم قد حطّت رحالهم في أستانة لعقد المؤتمر السابع، وها هم أنفسهم يفتتحون مكتباً لمحاربة الفكر المتطرف، ليُثبتوا لهذا الغرب - الذي يعتبر المجرم أسد بريئاً من خطيئة - أنهم دعاة سلام وليسوا إرهابيين.
إن الثورة على نظام الإجرام في سوريا تتطلب من الثائرين الكفر بالمنظومة الدولية القائمة على تحقيق مصالح الدول الكبرى، ومحاربة الإسلام الذي يُعتبر أكبر تهديد لمصالحهم، وتتطلب كذلك الإيمان بأن النصر بيد الله، والعمل بما يُرضيه لا بما يُرضي أعداء الإسلام ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع