احتضنت الخرطوم في 27 و28 أيلول/سبتمبر الماضي اجتماعات لجنة أجهزة الأمن والمخابرات في القارة الإفريقية والمعروفة اختصارا بـ(سيسا) وسط حضور مدراء أجهزة المخابرات لأكثر من ثلاثين دولة إفريقية وممثلين لأجهزة الأمن في أمريكا وفرنسا والسعودية والإمارات. وتعتبر هذه الاجتماعات والتي استمرت ليومين هي اجتماعات الدورة الرابعة عشرة، وقد جاءت هذه الاجتماعات تحت شعار: الشراكة الاستراتيجية الشاملة لمكافحة (الإرهاب) وتحقيق الاستقرار السيادي في إفريقيا. وقد خاطب الرئيس عمر البشير الجلسة الافتتاحية واصفا المساعي نحو شراكة استراتيجية شاملة لمكافحة (الإرهاب) وتحقيق الاستقرار السياسي في إفريقيا بـ"الخطوة الموفقة". وفي ختام الاجتماعات جزم مدير عام جهاز الأمن والمخابرات الوطني (رئيس السيسا للدورة الحالية) الفريق أول محمد عطا المولى بأن المحافظة على الأمن والاستقرار متلازمان لا ينفصلان عن بعضهما البعض، وقال إن المؤتمر بحث بتروٍّ وتؤدة عبر خبراء تاريخ وجذور مشكلة (الإرهاب) حاضرها ومستقبلها، قاطعا بأن المشاركين في المؤتمر تواثقوا على الشراكة الاستراتيجية الشاملة لمكافحة (الإرهاب)، فضلا عن التوصية بشدة على تحقيق الاستقرار السياسي بالقارة.
من خلال الشعار المرفوع لهذه الاجتماعات وحديث رئيس الجمهورية وحديث مدير عام جهاز الأمن والمخابرات نرى أن التركيز على ما يسمى بمحاربة (الإرهاب)، أما الحديث عن الاستقرار السياسي للقارة الإفريقية فهو من باب نافلة القول وذر الرماد على العيون؛ فالموضوع الأساسي هو مكافحة (الإرهاب). فما هو الإرهاب الذي تجتمع له كل هذه الأجهزة الأمنية والمخابراتية بكل هذا الزخم لتضع استراتيجية شاملة لمحاربته أو مكافحته؟
إن كل متابع للسياسة الدولية التي تقودها أمريكا يعلم أن (الحرب على الإرهاب) هو مشروع أمريكا، فهي التي جندت كل العالم من أجل هذا المشروع، وقد انخرط كل عملائها في منطقة العالم الإسلامي وإفريقيا في مشروعها هذا مسخِّرين كل الأدوات والأجهزة والمؤسسات في سبيل نيل رضا أمريكا، فما هو (الإرهاب) الذي تريد أمريكا محاربته وينخرط حكام المسلمين وحكام إفريقيا بمن فيهم حكام السودان في محاربته؟
إن الحرب على (الإرهاب) الذي تعنيه أمريكا هو بلا شك الحرب على الإسلام، ولأنها تدرك أن إعلانها الحرب على الإسلام صراحة سيثير ضدها وضد عملائها ملياراً ونصف المليار مسلم، وتعلم - أي أمريكا - أنها ستكون خاسرة، فإنها والغرب كله يعلمون أن الإسلام لا يمكن مجابهته لا فكريا ولا عسكريا، وقد جربوا ذلك قرونا من الزمان وفشلوا، لذلك جعلوا الظاهر هو حربهم على الجماعات الإسلامية المسلحة مثل القاعدة وتنظيم الدولة، حيث جعلوا هذه الجماعات الذريعة والشماعة لكل جرائمهم وكذبهم وظلمهم، فإن أعمال تنظيم الدولة التي تبني عليها أمريكا أكاذيبها ومؤامراتها ضد الإسلام والمسلمين، هذه الأعمال تخدم عمليا سياسة أمريكا في حربها على الإسلام، وإن هذه الأعمال فيها من الشناعة وإثارة الاشمئزاز ما يحمل الناس على النفور منها والخوف من حكمها، وقد جاء التنظيم ليعلن (الخلافة) وليقول أن ما يطبقه هو الإسلام، وهذا يخدم المشروع الأمريكي في محاربته للإسلام بأيدي أهله وبما يسميه المشاركة.
إن الحرب على (الإرهاب) مؤامرة غربية أمريكية، وهي كذبة من أولها إلى آخرها، والحقيقة أنهم يحاربون الإسلام لأنه نظام سياسي وحضارة للناس كافة وطريقة عيش تهدد طريقة العيش الرسمألية التي أفسدت حياة البشرية كلها وجعلتها تتلظى في جحيم الجشع والظلم والفساد.
إن أمريكا تريد السيطرة على بلاد المسلمين والتحكم في ثرواتهم والذي يقف في وجهها هو الإسلام وأحكامه ودعاته المخلصون، ولذلك فهي تحارب الإسلام باسم الحرب على (الإرهاب) لاقتلاع الإسلام وإحلال الكفر محله، وتريد مع ذلك أن يساعدها المسلمون، ليس الحكام فقط وإنما الشعوب أيضا، إنها كمن يخوض معركة ضد عدوه ليقضي عليه ومن ضمن خططه إقناع أعدائه بأنه لا يحاربهم ولا يضمر لهم أي سوء وإنما هو يريد لهم التقدم والازدهار وبالتالي عليهم أن يثقوا به وألا يحاربوه ولا يخشوه بل أن يقربوا رقابهم إلى حد سيفه!! هذا بالضبط ما تتضمنه استراتيجية أمريكا ويجب أن يقوم به المسلمون أنفسهم تحت عنوان جميل وشعار جذاب هو المشاركة، وبهذا التعبير يشعر الرويبضات أنهم كبار وأنهم في شراكة مع دولة عظمى!!
إن الذي يُستغرب له حقا هو أن ينخرط نظام الإنقاذ في هذه الحرب القذرة ضد الإسلام وأحكامه ودعاته المخلصين، فهو الذي جاء يحمل شعارات الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية، ورغم أنها كانت مجرد شعارات لم تلامس أرض الواقع إلا أنها أثارت في أهل السودان الأشواق إلى حكم الإسلام وعدله، فها هي حكومة الإنقاذ الآن تقدم التنازل تلو التنازل من أجل أن ترضى عنها أمريكا؛ فتخلت عن شعارات الإسلام أو الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية، بل نقضت غزلها عندما تراجعت وألغت أحكاما معلومة من الدين بالضرورة لتكسب رضا الغرب وبخاصة أمريكا، وها هي أمريكا ترضى عنها جزئيا فترفع عنها عقوبات اقتصادية فرضتها عليها قبل عقدين من الزمان ولكنها وإمعانا في إذلال هذا النظام ما زالت أمريكا تضع السودان في قائمة الدول الراعية (للإرهاب)! فلو كانت الإنقاذ تفهم لفهمت أن المقصود (بالإرهاب) هو الإسلام وإلا فهل النظام يرعى الجماعات التي تحمل السلاح؟ بل إن المطلوب من النظام تقديم المزيد من التنازلات في محاربة الإسلام وأحكامه. فها هو القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالخرطوم (ستيفن كوتسيس) يقول إن الظروف غير مواتية في الوقت الراهن لإجراء حوار مع الخرطوم لرفعها من القائمة الأمريكية للدول الراعية (للإرهاب)، وأردف قائلا في المؤتمر الصحفي الذي عقده بمقر السفارة يوم السبت 7/10/2017م (... الحكومة تعرف تماما ما عليها فعله للخروج من القائمة ونامل أن تتحقق هذه الشروط قريبا) واللبيب بالإشارة يفهم.
إن أمريكا مهما فعلت في حربها على الإسلام ومهما جندت من أبناء المسلمين ممن باعوا دينهم بدنيا غيرهم ورضوا بأن يكونوا تبعا للغرب الكافر، فإن الله متم نوره ولو كره الكافرون والمنافقون، ومنجز وعده إن شاء الله بالتمكين لهذا الدين في ظل خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة؛ يعز فيها الإسلام وأهله ويذل فيها الكفر وتوابعه، واللهَ نسأل أن يكون ذلك قريبا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
رأيك في الموضوع