(مترجم)
صرح جينز ستولتنبرغ أمين عام الناتو في اجتماع وزراء دفاع الناتو في بروكسل يوم 29 حزيران/يونيو قائلاً "إن الدول الأعضاء في الناتو أكدت إرسال آلاف الجنود الجدد إلى أفغانستان. وأضاف أن وزراء الدّفاع في الناتو تعهّدوا مرةً أخرى بدعم قوات الأمن الأفغانية لجعل بلادهم أكثر أمانًا، وضمان أن أفغانستان لن تصبح مرةً أخرى ملاذًا آمنا "للإرهابيين" الدوليين. كما أكدّ ستولتنبرغ أن المهمة الرئيسية للناتو هي تدريب قوات الأمن الأفغانية ومساعدتها وتقديم النصح لها، كما أضاف أن الناتو لن يُعيد الانخراط في العمليات القتالية.
منذ الأول من كانون الثاني/يناير 2015، أطلق الناتو مهمته الجديدة تحت اسم "بعثة الدعم الحازمة" مباشرةً بعد نهاية 13 عامًا منذ أطول مهمة حرب أمريكية. وبعد سنتين من ذلك، اتفقت الدّول الأعضاء في المعاهدة مرةً أخرى مع أفغانستان على زيادة مستويات القوات بغرض تدريب قوات الأمن الأفغانية وإسداء المشورة لها ومساعدتها. ومن ناحية أخرى، شهدت أفغانستان أشد الهجمات دموية، وكانت أشد الهجمات المميتة في الأشهر الأخيرة التي أسفرت عن مقتل وجرح مئات المدنيين. ويبدو أن الناتو صرح أن السبب الرئيسي في زيادة وجود القوات في أفغانستان هو منع عودة "الإرهاب" وزيادة انعدام الأمن. وكانت سلسلة الانفجارات المستهدفة في الأشهر الأخيرة لأفغانستان قد كشفت بتعقدها وشدتها أنها تدار من قبل وكالات الاستخبارات الأمريكية. وعن طريق هذه الانفجارات، ترسل أمريكا إشارات إلى الدول الأوروبية مشيرة للأوروبيين أنه إذا انسحبتم من حرب أفغانستان، فإن "الإرهابيين" سيصبحون أقوى، وبالتالي سيتعين عليكم في نهاية المطاف محاربتهم في مُدنكم الأوروبية الكبيرة حيث ستكون التكلفة عليكم أعلى من كلفة القتال في أفغانستان.
لقد أصبح واضحًا للجميع أن أمريكا اليوم ليست هي نفسها أمريكا في أواخر القرن العشرين. كما أنها فاسدة من الداخل لأنها تعاني من أزمات داخلية عديدة. إن مسألة الصدمات الناجمة عن هذه الأزمات المزمنة، إلى جانب بعض الضربات القاتلة من قوة أخرى، هي مجرد مسألة وقت ستؤدي إلى إضعاف أركان هذه الإمبراطورية التي أوشكت على الانهيار. وقريبا سيدرك الرأي العام أن أمريكا ليست بالقوة التي يتم تصويرها بها. ولكن حتى في مثل هذه الحالات عندما يكون ضعف أمريكا واضحًا، فإن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي تبقى داعمة وسائرة على طريق أمريكا ونهجها. وهذا يعني أن المنفذين الرئيسيين والداعمين للرأسمالية يكافحون مع التدهور والتراجع التدريجي. ومن بين هذه الدول، لا يوجد بلد واحد يجرؤ على توجيه ضربة قاسية على رأس هذا المستبد الدولي (أمريكا).
ومن ناحية أخرى، ستعلن أمريكا في غضون أشهر عن استراتيجيتها العسكرية بشأن أفغانستان، وهذه الاستراتيجية تم تأجيلها مرارًا بسبب الخلافات الحادة بين إدارتي الأمن والعسكر في أمريكا. بيد أن أمريكا نجحت في الحصول على التزام أوروبي بشأن الحرب في أفغانستان قبل إعلان استراتيجيتها الخاصة، كما أجبرت أمريكا أوروبا على إرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان. وبالتالي، فإنه من الواضح أن أمريكا ستضع عبء الحرب الأفغانية على كاهل أوروبا، في حين هي تحافظ على نفسها بالتركيز على تحقيق أهدافها طويلة الأمد، وأهدافها الاستراتيجية في منطقتها وفي آسيا الوسطى وروسيا.
إن هدف أمريكا هو إبقاء الدول الأعضاء في الناتو ضالعة في حرب لا نهاية لها في أفغانستان حتى لا تتاح لها الفرصة للتفكير في تحرير نفسها من تأثير أمريكا المتراجعة على الساحة الدولية، كما تهدف لجعل الأوروبيين ينسون التخطيط والعمل من أجل الحصول على أوروبا قوية وموحدة. فقد قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بجرأة: "أنا لا أضع جدولاً زمنيًا للحرب. الحرب هي في الأساس ظاهرة لا يمكن التنبؤ بها".
وفي حين إن معاقل طالبان، بما في ذلك المكتب السياسي القطري، على استعداد للتفاوض من أجل السلام المشروط مع أمريكا والحكومة الأفغانية، فإن طلب طالبان لم يتم الاعتراف به. وحتى هذه البادرة الإيجابية لجماعة طالبان تتخذها مجموعة أخرى من طالبان لتتحداها نتيجة للسياسات الأمريكية. وفي الوقت نفسه، أوجدت أمريكا تهديدا جديدًا باسم تنظيم الدولة في خراسان لتهديد طالبان. وحتى لو جرت محادثات سلام مع طالبان، فقد تم بالفعل وضع مجموعة أخرى (التنظيم) لتصبح كمينًا يساعد على تدهور الأمن. ويأتي ذلك في وقت عملية محادثات السلام التي لم يتم ذكر أي شيء فيه ولا حتى عن تنظيم الدولة.
وهذا يوضح أن الحرب في أفغانستان لم تكن حربًا ضد "الإرهاب"، بل إن وجود أمريكا وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان هو الذي كثف "الإرهاب" والرعب وقتل المسلمين بالتزامن مع مواجهات القوات الحكومية بقوات المعارضة في أفغانستان والمنطقة. والواقع أن الحرب ضد "الإرهاب" هي ذريعة تسعى أمريكا من خلالها إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية والإقليمية.
رأيك في الموضوع