أعلن الرئيس القرغيزي صدر جباروف أن الحكومة القرغيزية انتهجت سياسة خارجية متعددة الاتجاهات. جاء ذلك في مقابلته مع وكالة "كبار"، وقال جباروف في المقابلة المذكورة "منذ وصولي إلى السلطة، كنت أنتهج سياسة خارجية متعددة الاتجاهات على مدى أربع سنوات. وإذا لزم الأمر نُوَقّع على كل اتفاقية تعاون، حتى وقّعنا مؤخراً على اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي. نحن تعاونّا أيضا بشكل وثيق مع الدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة. لقد زاد حجم تجارتنا مع بعض أعضاء رابطة الدول المستقلة 7 مرات خلال السنوات الأربع الماضية. وإن حجم التجارة مع روسيا تجاوز 4 مليارات دولار".
جدير بالذكر هنا أن صدر جباروف أجاب على سؤال الصحفي في قناة روسيا-1 حول وجهة نظر الغرب في العلاقات بين روسيا ودول رابطة الدول المستقلة في 8 تشرين الأول/أكتوبر، فقال إن الدول الغربية "لا ينبغي أن تعطي تعليمات" لتعاون روسيا مع الدول الأخرى.
الواقع أن مصطلح "السياسة متعددة الاتجاهات" هو مصطلح يستخدمه في الغالب حكام الدول الضعيفة لتجنب الضغوط من القوى الكبرى. وتعني هذه الكلمة "فتحَ أبواب الاستعمار بالتساوي أمام جميع الدول الكبرى مثل روسيا والصين وأمريكا وأوروبا".
وكما هو معروف، فإن "السياسة متعددة الاتجاهات" تعمل اليوم لصالح الغرب المستعمر. ففي نهاية المطاف، تمهد هذه السياسة الطريق أمام دخول النفوذ الأمريكي والأوروبي إلى البلاد وإزاحة نفوذ روسيا والصين. لأن روسيا تعتبر قرغيزستان ملكا لها، وتريد دائما أن تُبقيها في براثنها في حالة من التبعية، ولهذا الغرض، فقد استفادت روسيا بشكل جيد من رابطة الدول المستقلة، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي التي كانت تقودها. ولكن بسبب ضعفها السياسي والاقتصادي، فإنها غير قادرة على منع الصين والدول الكبرى الأخرى من دخول قرغيزستان. ومع ذلك، بغض النظر عمن يصل إلى السلطة في قرغيزستان، فإن عليه أن يحصل على موافقة روسيا، وإلا فلن يكون من الصعب على روسيا أن تضع الحكومةَ الجديدة على وضع أكاييف وباكييف وأتامباييف وجينبيكوف.
وعلى الرغم من أن أمريكا لا تتمتع بالنفوذ نفسه الذي تتمتع به روسيا في قرغيزستان، إلا أنها تعمل على توسيع نفوذها من خلال جلب بعض الكوادر العميلة لها إلى السلطة ومن خلال وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية. كما أنها تستخدم المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة العالمية واليونيسيف بنجاح لنشر نفوذها. بالإضافة إلى ذلك، عقدت أمريكا قمة دول آسيا الوسطى وأمريكا (C5+1) التي توحد دول آسيا الوسطى، منذ عام 2018. وفي الواقع، فإن أمريكا تمارس سياستها تجاه قرغيزستان في إطار سياستها الاستراتيجية تجاه روسيا والصين. إن السياسة الأمريكية تجاه روسيا هي الاستيلاء على مستعمراتها وتحويلها إلى دولة صغيرة. وسياستها تجاه الصين هي حبسها في حدودها وعدم السماح لها بالتوسع إلى الخارج. في الوقت الحالي، يتكثف الهجوم الإعلامي الأمريكي على الصين، حيث إن التهديد التنافسي الذي تشكله الصين لأمريكا أقوى من التهديد الروسي.
والصين تواصل سياستها الراسخة المتمثلة في الاختراق البطيء في قرغيزستان. ولهذا الغرض، تقوم الصين، إلى جانب الدول الفقيرة الأخرى في المنطقة، بربط قرغيزستان بها من خلال الديون. وفي الآونة الأخيرة، عززت نفوذها في منظمة شنغهاي للتعاون وبدأت في تحقيق مصالحها في آسيا الوسطى ليس فقط في المجال الاقتصادي، بل أيضاً في المجال الأمني. ومن الأمثلة على ذلك مشروع بناء خط السكك الحديدية بين الصين وقرغيزستان وأوزبيكستان، واستغلال جميع الموارد المعدنية في البلاد تقريباً على يد الشركات الصينية المشركة، وتركيب الكاميرات الذكية.
وفي السنوات الأخيرة، حاول الاتحاد الأوروبي أيضاً تعزيز نفوذه في قرغيزستان، حيث تبذل أوروبا قصارى جهدها لإضعاف روسيا، خاصة بعد حرب أوكرانيا، وترتبط تصرفاتها ضد قرغيزستان بإضعاف روسيا. كما تم التوقيع على الاتفاقية التي ذكرها جباروف أعلاه في هذا الوقت المناسب.
ولذلك فإن تبرير جباروف لذاته كان يستهدف بشكل رئيسي المنظمات الدولية وعلى رأسها أوروبا وأمريكا. وبتعبير أدق، فإنه يشعر بالقلق من احتمال توقف التعاون الاقتصادي والاستثمار الذي تم تشكيله حديثا.
باختصار، فإن قرغيزستان تعيش تحت اضطهاد هذه الدول الاستعمارية. ولذلك، فَقَدَ الشعبُ ثقته بجميع ممثلي الحكومة والمعارضة تقريباً، الذين أصبحوا دمى في أيدي المستعمرين. الشعب يعرف جيدا من هو عميل للمستعمرين ومن يمارس الشعبوية. كل ما في الأمر أن الكثير من الناس لا يستطيعون رؤية أي طريق آخر غير ما يقترحه هؤلاء السياسيون. والطريق الآخر هو الإسلام. وبإرادة الله تنتشر المظاهر الإسلامية على نطاق واسع في قرغيزستان، ولكل داعية مسلم إسهام كبير في هذا. ولذلك، فإن جميع الدول الكبرى المذكورة أعلاه تتحد معاً وتبذل قصارى جهدها لتدمير هذه الدائرة الإسلامية. وعلى وجه الخصوص، يحاولون إخفاء الجانب السياسي للإسلام من خلال مشاريع مختلفة مثل "الإسلام المعتدل"، و"الإسلام التقليدي". لذلك ينبغي على المسلمين ألا يقعوا في فخاخهم وأن يحاولوا الحفاظ على بيئتهم الإيمانية، وذلك بأن يقوم بجميع أعماله على أساس الأحكام الشرعية التي تنبثق عن عقيدته.
بقلم: الأستاذ ممتاز ما وراء النهري
رأيك في الموضوع