بنزول الوحي على رسول الله ﷺ بـ ﴿اقْرَأْ﴾ ثم ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ﴾ انقسم العالم فريقين؛ فريق مؤمن، وفريق كافر معاد له.
وكذلك عندما قامت دولة الإسلام في المدينة انقسم العالم دارين؛ دار إسلام ودار حرب، وكانت العلاقة بين الدارين علاقة عداء وحرب، قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ وأن الحرب مستمرة لن تتوقف أبدأ ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾.
فهذه حقيقة الصراع القائم بين الإسلام وبين سائر الأديان بأنه صراع حضاري عقائدي.
قال تعالى: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ وقال: ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾. وأكد ذلك ﷺ بقوله: «الْكُفْرُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ»، فكانت هذه القاعدة هي التي تحكم علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من دول العالم، وكل فقه المعاهدات والعلاقات الخارجية في الإسلام أساسه قاعدة "الولاء والبراء" التي قسمت العالم لدار إسلام ودار حرب، فالصراع صراع حضاري عقائدي.
وإذا استعرضنا التاريخ الإسلامي نجد أن الصراع لم ينقطع والحروب لن تنتهي إلى قيام الساعة، فالغرب الذي يحارب خمار امرأة لن يكون رحيماً بالمسلمين، والمجازر والإبادة الجماعية التي ارتكبها في حروبه الصليبية في الأندلس والمشرق الإسلامي وفي البلقان وفي كل مكان تشهد بحقده وجرائمه، علما أن الدولة الإسلامية طوال تاريخها لم تعتبر صراعها مع الشعوب، بل كانت مهمتها إخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن تسلط الحكام وظلمهم إلى عدل الإسلام ورحمته، وحضارة الإسلام شاهدة على ذلك.
إن أخطر حروب الغرب المستعمر على المسلمين وأكثرها بشاعة وإجراما وأعظمها أثراً على المسلمين هي الحرب التي انتهت بإسقاط الخلافة العثمانية وتفكيكها واستعمار بلادها جميعها.
لقد اتبعت الدول النصرانية أخطر ما تفتقت عنه العقلية الاستعمارية الخبيثة من خطط وإجراءات تمثلت فيما يلي:
* تقسيم البلاد الإسلامية إلى دويلات هزيلة ضعيفة فاقدة لكل مقومات الدولة، فاقدة القرار منهوبة الثروات.
* وزعت هذه الدول إلى مستعمرات على دولها الاستعمارية.
* رسمت الحدود بين الدول لتستبدل برابطة الإسلام التي توحد المسلمين رابطة وطنية عرقية طائفية مقيتة مناقضة لعقيدة الإسلام مانعة من وحدة المسلمين ونهضتهم.
* صاغت الدساتير والقوانين التفصيلية لكل جوانب الحياة لتكون خادمة للنفوذ الغربي.
* نصّبت حكاما موالين للغرب معادين لشعوبهم، لا يعرفون سوى خدمة المستعمر والحفاظ على عروشهم، وجمع الأرصدة في حساباتهم.
* أنشأت جيوشا وأشرفت على تدريبها وتسليحها حتى أصبحت تحمل عقيدة عسكرية مشوهة، دورها حراسة العروش وحماية العدو، ومنافسة شعوبها في التجارة ولقمة العيش.
ثم جاء المشروع الأخطر ألا وهو إنشاء وطن قومي ليهود في فلسطين لتحقيق أهدافهم الاستعمارية البعيدة المدى منها:
* فصل الجناح الآسيوي من البلاد الإسلامية عن الجناح الأفريقي لتركيز تمزيق البلاد الإسلامية.
* زرع كيان يهود ليكون القاعدة العسكرية المتقدمة للغرب في قلب البلاد الإسلامية.
* تزويد الكيان المسخ بكل أسباب القوة العسكرية والنووية ليكون قوة ردع وتفوق على دول المنطقة، وإضعاف الدول العربية ومنعها من امتلاك كل أشكال الصناعات المدنية والعسكرية ومنها النووية.
* تمكين الكيان اللقيط من الهيمنة على اقتصادات المنطقة من خلال مشاريع استثمارية واتفاقات تجارية، وإغراق المنطقة بالقروض الربوية.
* تمكين هذا الكيان من التفوق العلمي والتقني والصناعي.
* التحكم في طرق التجارة الدولية.
* الهيمنة على الثروات الطبيعية في المنطقة ومنها النفطية.
* الهيمنة على مصادر المياه وحرمان أهل البلاد منها.
* إنشاء منظمات إقليمية كجامعة الدول العربية التي كانت من أوائل المعترفين بكيان يهود، وكذلك الاتحاد الخليجي لتركيز القطرية ومنع الوحدة.
* توطين اليهود الذين أُحضروا إلى فلسطين كعصابات إجرامية مسلحة بعد طرد أهلها، وأشهرها هاجاناه، وشتيرن، وإرجون، وبيتار، وبلماح، التي سلحها ورعاها الانتداب البريطاني، فارتكبت أبشع مجازر الإبادة بالمدنيين العزل أهل القرى مثل كفر قاسم ودير ياسين وغيرهما، هذه العصابات التي اتحدت فيما بعد وشكلت جيشاً بعد ١٢ يوماً من إعلان إقامة كيان يهود عام ١٩٤٨م.
فكان وعد بلفور المشؤوم، في تشرين الثاني/نوفمبر من عام ١٩١٧م بإعطاء فلسطين لشعب غير موجود وعداً من مستعمر لا يملك لمن ليس أهلا.
ولا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من وحشية وقمع وقتل وتهجير وحرب إبادة مستمرة، آخرها ما نراه في غزة والضفة الغربية منذ أكثر من عام، أسفرت عن مئات آلاف الشهداء والجرحى، وما يزيد على عشرة آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
كل ذلك كان نتيجة لوعد بريطانيا المشئوم (بلفور) وما ترتب عليه ونتج عنه من مآس ونكبات ما زال أهل فلسطين يعانون منها وما زالوا.
لم يشهد التاريخ قيام دولة كقيام كيان يهود. لقد تم استقدام قتلة من دول شتى شكلوا عصابات مجرمة برعاية دولية، وتم تسليحها، وفي المقابل منعوا الشعب الفلسطيني من امتلاك سكينٍ للدفاع عن نفسه أمام عصابات أعطيت الضوء الأخضر لارتكاب أبشع المذابح في الأطفال والشيوخ والنساء، وجعلوا ذلك حقا له دفاعاً عن النفس بزعمهم.
لقد كان هذا الكيان نبتة شيطانية، عصابات شكلت جيشاً، ثم استُقدم شعب لصناعة الدولة، فصنع الجيش قبل وجود الشعب والدولة، فنجح الغرب نجاحاً عظيما في كل مخططاته بتمرير مشروعه.
هذا وعد بلفور، الذي صنع هذا الكيان ليصرف عداء المسلمين عن العدو الحقيقي الذي لا يزال يرعاه ويمده بكل أسباب القوة ويوفر له الغطاء السياسي والدولي، ويبرر له كل جرائمه.
وما يبعث على الأسى أن نناشد بريطانيا المؤسسة وأمريكا الحاضنة إنصافنا، الدولة المشاركة في ذبحنا، فجاء منها الرد إمعانا في إذلالنا بفرض التطبيع مع الكيان المجرم وفتح البلاد على مصاريعها ليتغلغل في البلاد ويقتل روح الجهاد وتحرير البلاد في نفوسنا مع كل ما يرتكبه من جرائم.
لقد جاءت عملية طوفان الأقصى لتظهر حقيقة الصراع وتكشف الستار عن حقد الغرب وزيف قيمه، وتظهر الكيان وشركاءه على حقيقتهم، وما يقوم به تحت سمع العالم وبصره من إبادة جماعية وهدم للمنازل والمساجد والمستشفيات والمدارس، ومن تعذيب وحصار وتجويع واستباحة للدماء والأعراض التي هي عند الله أعظم حرمة من الكعبة، ومن زوال الدنيا.
لقد جاءت ذكرى وعد بلفور المشؤوم لتعرفنا العدو الحقيقي، فنعرف حقيقة الصراع وأدواته، وحقيقة العلاج، وتقيم الحجة فلا يبقى عذر لمعتذر.
إن جراح الأمة النازفة منذ أكثر من مائة عام تنطق بأن قضية فلسطين هي قضية عسكرية لاستئصال هذا الورم السرطاني، وذلك بتحريك الجيوش في الاتجاه الصحيح، بإجبار الحكام على تحريك الجيوش وإلا فلا بد من هدم عروش صنائع الاستعمار وأدواته، ونزع القرار وعقد ألوية الحرب والفخار للشرفاء الذين انصهروا في دينهم ومع أمتهم ليسطروا أسماءهم مع الصحب الكرام الذي اهتز لهم عرش الرحمن.
بقلم: الشيخ سعيد رضوان أبو عواد (أبو عماد)
رأيك في الموضوع