أُعلنت نتائج الاستفتاء الذي جرى يوم 16/4/2017 في تركيا على تغيير شكل الحكم من برلماني إلى رئاسي، فكانت 51,41% لصالح التغيير. ففرح بها مؤيدو أردوغان ظانين أنه سيُحدِث تغييرا جذريا في البلد، ومنهم المتوهمون بأن ذلك سيكون لصالح عودة الإسلام إلى الحكم، ومنهم من قال إن ذلك يمهد لعودة الخلافة!
أولا؛ هذا التغيير لا يمس الأساس العلماني القائمة عليه الدولة، وقد أكد أردوغان يوم 19/4/2017 على قناة الجزيرة أنه لن يتغير شيء في نظام الحكم العلماني القائم منذ عام 1923م ولا رجعة عنه، وإنما هو انتقال للصلاحيات (لتنفيذ قوانين الكفر) من رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية، فنظام الكفر باق غير منقلع، عجل الله في قلعه وإزالته عن الوجود.
وثانيا؛ هذا التغيير جاء بدعم من أمريكا، فكان رئيسها ترامب من أوائل المباركين لأردوغان حيث اتصل به تلفونيا كما نقلت جريدة الصباح المؤيدة له، مادحا إياه لأنه "سيّر حملة جيدة لذلك"، وأنه، أي ترامب، "تابع الحملة شخصيا من قرب"، وقال لأردوغان: "أعطي اهتماما لصداقتنا، وإنه توجد هناك أشياء مهمة جدا سنقوم بها معا"، وشكر أردوغان لتأييده الهجوم الأمريكي على قاعدة للنظام السوري. فأمريكا تريد أن تجعل كامل الصلاحيات بيد أردوغان حتى ينفذ لها ما تشاء دون عائق البرلمان. فطالما عرقل البرلمان التركي خططا أمريكية، فمثلا طلب أردوغان مشاركة تركيا في العدوان الأمريكي على العراق عام 2003، فرفض البرلمان تحت تأثير الرأي العام الذي عارض العدوان الأمريكي الغاشم والذي دعمه أردوغان. فعندما يصبح أردوغان صاحب الصلاحيات دون الرجوع إلى البرلمان يستطيع أن ينفذ لأمريكا ما تشاء كما نفذ لها كل ما أرادت في سوريا وآخرها خداع فصائل من الثوار وقعت تحت تأثيره وإخراجها من حلب وتسليمها للمجرمين روسيا والنظام وإيران ومليشياتها. فكانت طعنة غدر في ظهر الثورة لن يُمحى عارُها عن جبينه. والآن فإن ترامب يطير فرحا، ويقول له هناك أشياء مهمة جدا ستنفذها لنا ومعنا! وما ذلك إلا ما يتعلق بالمصالح الأمريكية من تركيز للنفوذ والاستعمار الأمريكي في المنطقة ومنع عودة الإسلام، حيث تجلى الصراع في سوريا بين الأمة وأمريكا. بل كل الدول مع أمريكا ضد إرادة الأمة في التغيير وقلع الاستعمار ونظامه العلماني الديمقراطي.
وثالثا؛ هذا التغيير موجه في الداخل إلى النفوذ الأوروبي، فكانت أوروبا من أشد المعارضين له، لأنه يعزز صلاحيات أردوغان الموالي لأمريكا، ويحد من صلاحيات البرلمان؛ القلعة الأخيرة التي للأوروبيين فيها مؤيدون وعملاء، وخاصة للإنجليز مثل حزب الشعب الذي له ربع المقاعد. فيدخل ذلك ضمن الصراع الأمريكي الأوروبي. فقد ضُرب النفوذ الأوروبي وخاصة الإنجليزي في الجيش والمخابرات، وفي القضاء وفي التعليم العالي، حتى في الإعلام والصحافة. والآن يُضرب في البرلمان! فذلك ما لم تستطع أوروبا أن تتحمله، فترى أنه سيضعف نفوذها إلى آخر حد كما ضعف في مصر التي تتبنى النظام الرئاسي التابع لأمريكا والذي يريده أردوغان لتركيا.
ورابعا؛ هذا التغيير غير ثابت، كما حصل في باكستان، فقد انتقل من برلماني إلى رئاسي ومن ثم العكس مرات عدة، حسب العميل الذي يوجد على رأس هرم السلطة ومصلحة الدول الاستعمارية المتصارعة أمريكا وبريطانيا. فالنظام الديمقراطي يسمح بذلك، فهو من صنع البشر وألعوبة في أيدي المتحكمين في مصير البشر! فلربما في المستقبل يجري استفتاء آخر أو انقلاب فيعود بالنظام البرلماني!
أما ادعاء أردوغانبأن "النظام الرئاسي سيضمن الاستقرار ويقضي على الانقسام الحاد في تركيا ويحول دون تعرض البلاد للانقلابات"، فذلك ادعاء غير صادق، فالانقسام الحاد قد ظهر من أول ساعة عقب إعلان نتائج الاستفتاء، فنصف الشعب تقريبا لم يؤيده، وسيّروا احتجاجات ضده، ولن يحول دون الانقلابات، حتى إن العاصمتين أنقرة واسطنبول وهما قلبا تركيا النابض وكانتا قلعتين مؤيدتين لأردوغان ظهرت النتائج فيهما عكسية، وهذا ينذر بأنه ربما يخسر في المستقبل، وأصحاب القوى والفعاليات أكثرهم في هاتين المدينتين وكل تركيا تتأثر بهما. وينذر ذلك بأنه ربما يحدث تحرك ضده على شاكلة احتجاجات منتزه غزي عام 2012 أو أشد، أو محاولة انقلاب كما حدث العام الماضي يوم 15 تموز، بعدما تشدق أردوغان كثيرا بأن عهد الانقلابات قد ولى، فتفاجأ به وكاد الانقلاب أن ينجح ويطيح به.
وأردوغان أعلن أنه يريد نظاما شبيها بالفدرالي كما تريده أمريكا، حتى يحل المشكلة الكردية، ولكنه يهيئ للأكراد الاستقلالية الذاتية، لأنه يحمل في طياته الانقسام كما حصل في العراق، وينذر بالانفصال والاستقلال.
وأما ادعاء أردوغانأن "النظام الرئاسي هو الأصلح لتركيا"، وأنه "لا يدافع عنه لهدف شخصي وهو الاستبداد بالسلطة" فهو مجانب للحق والصواب، فشكل الحكم سواء أكان برلمانيا أم جمهوريا أم ملكيا أم امبراطوريا كما هو الحال في الدول الديمقراطية العلمانية في الغرب والشرق لا يغير في الحقيقة شيئا، فهو نظام استبدادي سواء تفرد في الحكم شخص أو حاولت مجموعة أن تحكم، لأن أساسه هي العلمانية الباطلة التي تفصل الدين عن الحياة وعن الدولة. فهي عقيدة كفر صراح لا مراء ولا جدال فيها، تقر أن الله خالق ولا تقر بأن الله هو الحاكم، وهو القائل: ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.
ولذلك أخذ العلمانيون بالديمقراطية الفاسدة كنظام للحكم والتي تقول بحكم الشعب أي أن الشعب هو الذي يشرع ويحكم نفسه بتشريعاته وقوانينه فهي شرك بالله. وتعطي الصلاحيات التنفيذية إما لرئيس الجمهورية أو الملك أو الإمبراطور أو لرئيس الوزراء. فأغلب دول العالم الحالي قائمة على ذلك، فهل فيها صلاح؟! كلا، بل كلها ظالمة، مستبدة، كافرة بأنعم الله وبحكمه، تُتعِس شعوبها وتشقيهم، فيعاني أكثرهم ضنك العيش واضطرابات نفسية وروحية وأخلاقية لا مثيل لها، تتحكم فيهم القيمة المادية والنفعية. ولكن الدول تحتال عليهم بأساليب خبيثة حتى لا ينفجروا وينقضوا على النظام فيسقطوه، والذي تتحكم فيه زمرة مستبدة بالعباد ومستأثرة بالمال، عدا أنهم لا يرون نظاما بديلا حاليا يُسعدهم لغياب نظام الإسلام عن واقع التطبيق، فتحارب الدول العلمانية عودته والداعين له، وتشوه صورته وصورتهم حتى يبعدوا الناس عنه، فلا يفكروا فيه كاحتمال أن يكون بديلا، وإن كان هو النظام البديل بحق الذي أسعد البشرية ثلاثة عشر قرنا، وهو النظام الأصلح، بل هو الصالح لتركيا ولغيرها من بلاد الإسلام وللعالم كله، وهو يتجسد بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله، والذي سيبهر الشعوب ويجذبها إليه، فتتحقق بشرى رسول الله eبأن يبلغ ملك أمته ما زوي له من مشارق الأرض ومغاربها، وما ذلك على الله بعزيز.
رأيك في الموضوع