لقد زادت حدة الاحتقان والتوتر بين مصر والسودان، في الأيام الماضية، إلى مستوى تدخل وزير الدفاع السوداني، الفريق أول عوض بن عوف، يوم الأربعاء 12 نيسان/أبريل 2017م، ليقول إن الجيش السوداني يتعرض لـ"استفزازات ومضايقات" في منطقة حلايب المتنازع عليها مع مصر. (سودان تريبيون).
كذلك أحداث نقل التلفزيون المصري لصلاة الجمعة من مساجد مدينة حلايب، اعتبر الكثيرون هذه الخطوات استفزازا للجانب السوداني، وأنَّ فيها تصعيداملحوظا غير مسبوق، كما اعتبر البعض فرض حكومة السودان تأشيرة دخول للأراضي السودانية على المصريين (الذكور)، القادمين إليها من سن 18، واستثناء النساء والأطفال، وزيارة الشيخة موزة، زوجة أمير قطر السابق، إلى الأهرامات السودانية، في شمال السودان استفزازا للجانب المصري، وتم تسليط الضوء على قضية منطقتي حلايب وشلاتين، فازدادت حدة التوتر بين البلدين.
كانت المسألة قبل فترة محصورة في ملاسنات، بين بعض الإعلاميين من البلدين، وبعض الأفراد، في صفحات التواصل المجتمعي، ثم وصلت إلى مستوى تدخل الحكومتين بتصريحات، أو القيام بأعمال، الأمر الذي جعل وزير الخارجية المصري يأتي إلى السودان، ويتفق مع وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، على إبرام ميثاق شرف إعلامي بين البلدين، لتجنب أية إساءات متبادلة، في محاولة لتهدئة التوتر بينهما على خلفية أزمة منطقة حلايب المتنازع عليها وملفات عديدة أخرى. (الجزيرة نت). بناء على هذه الأحداث أحب أن أوضح الأمور الآتية:
أولا: أهل السودان وأهل مصر مسلمون، فقد كانوا كلهم بلدا واحدا، وجزءاً من دولة الإسلام، وما زالت تجمع بينهم أخوة الإسلام، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، ويقول النبي e: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ...». لذلك لا يجوز استخدام المقياس الشمولي لإظهار أن كل أهل مصر أو أهل السودان، مشاركون في حالة السباب والشتائم، التي تنشر في الإعلام، أو في وسائل التواصل المجتمعي.
ثانيا: إن المستفيد الأول من التوتر بين أي بلدين مسلمين هو العدو الكافر، الذي يذكي النعرات الدنيئة، ويصطنع قضايا عن الاختلاف في اللون، أو الجنس، أو القبيلة، أو المذهب؛ ليصطاد في الماء العكر، فيضمن ارتباط الحكام به؛ الذين يعلمون، أنهم لا يستطيعون البقاء في كراسي الحكم إلا بحبل من المستعمر، يتقوَّون به، ويأخذون منه المعالجات والحلول للمشاكل، كما يضمن تحكمه في بلاد المسلمين، عبر منظماته وعملائه، الذين يتدخلون باسم حقوق الإنسان، وفض النزاعات...الخ، كما يضمن العدو المستعمر بيعه للسلاح لكلا الفريقين. كما يستفيد من هذه الأجواء الحكام فيُظهِرون بها بطولات مصطنعة، يضمنون بها التفاف الشعب حولهم، وينسون بها معاناتهم في سوء الأوضاع وفساد منظومة الحكم، والأخطر من ذلك كله أن تظل الأمة مفرقةً، ممزقةً، تتقاذفها الأمم والشعوب كالريشة في الهواء.
ثالثا: إنَّ فكرة الوطنية شرٌ على المسلمين، لأنها شتَّتت جمعهم، وفرقت كلمتهم، واستفاد منها الأعداء لإضعاف وحدة المسلمين، والتحكم فيهم، على أساس قاعدة (فرِّق تسد)، ثم إن الأنظمة الوطنية القائمة في بلاد المسلمين، لا تتورع في أن تقوم بأيِّ شيء يخدم مصالح الدول التي تخضع لها وإن كان في ذلك تفرق المسلمين وتمزيق بلادهم.
رابعا: إن قضية حلايب كغيرها من قضايا المسلمين التي تأثرت بغياب الإمام، الراعي؛ الذي يحفظ بيضة الإسلام، ويحمي وحدة المسلمين، قال e: «إِنَّ الإِمَامَ جُنَّةٌ، يُقَاتِلُ مِنْ وَرَائهِ وَيُتَّقَى بِهِ»، وبغياب هذا الراعي، صارت بلاد المسلمين مزقاً، يتحكم فيها حكامٌ فرطوا في البلاد، وأساءوا رعاية العباد، وعجزوا عن علاج المشاكل التي تنشأ في بلاد المسلمين لأنهم لا يملكون معالجات مبدئية حقيقية، فخضعوا صاغرين لإملاءات، ومؤامرات العدو المستعمر، وأفسدوا، وما أصلحوا، كما جاء في تصريح وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور الذي قال يوم الخميس 13/4/2017م: "إن فصل الجنوب كان في الأساس مؤامرة قَبِلْنَا بها، وما يجري الآن هو نتائج هذه المؤامرة ويتحملون وزرها كاملاً"، وكان ذلك ردا على حديث لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي قال فيه "إن إدارة أوباما طلبت من حكومة عمر البشير الموافقة على تقسيم السودان إلى جزئين لمعالجة مشكلتها مقابل عدم تقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية". وكما كانت اتفاقية كامب ديفيد (الخيانية) التي وقعها الرئيس المصري السابق (السادات) مع كيان يهود المحتل. ثم إن إيواء النظامين في مصر والسودان، لمعارضين، يجعل توتر الأجواء عاملا مساعدا لهذه الأنظمة من استخدام حالة الشحن والاحتقان كورقة ضغط يحقق بها كل طرف بعض المكاسب على الطرف الآخر.
ومما لا يخفى على أحد أنَّ كلا النظامين في السودان ومصر عاجزان عن علاج كثير من الملفات مثل الملف الاقتصادي وتدني سعر الجنيه السوداني والجنيه المصري، وارتفاع معدلات الفقر، والأمراض في البلدين، وضعف الناحية الأمنية في تأمين البلاد وحماية العباد وغيرها من الملفات. هذا في الأماكن التي تحت سيطرتهم فما بالك بالأماكن الأخرى التي هي خارج تحكمهم؟
إن هذا التوتر الحاصل بين البلدين يوضح بجلاء أهمية أن يكون للمسلمين دولة واحدة، تعيدهم أمة واحدة، تحت راية واحدة، يقودهم حاكم واحد، ويرعاهم، فيقيهم الفتن والمحن، فعلى أهل السودان، وأهل مصر، أن يعلموا علما يقينيا، وهم المكتوون بنار الأوضاع، أنَّه لن تحل مشاكلهم ولن تعالج قضاياهم علاجا ناجعا، إلا بإقامة دولة تعبر عنهم، توحدهم، وتجمع بينهم برباط الإسلام، يقيمون بها أحكام دينهم، ويعظمون بها شرع ربهم، فيرضون بها الله تعالى، ويوقفون بها الأزمات، ويفوتون بها الفرصة على سماسرة الحروب، وتجار السياسة، ولا دولة تقوم بذلك إلا الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وعد الله سبحانه وبشرى رسوله e، فبها يعودون، كما كانوا وكما أراد الله لهم أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس.
بقلم: محمد جامع (أبو أيمن)
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير ولاية السودان
رأيك في الموضوع