تتنازع السيطرة على ليبيا القوى المسلحة والتي أغرقت البلاد في فوضى عارمة نتيجة لهذا الصراع. والذي في حقيقته هو صراع دولي على البلاد. وقد ظهر هذا الصراع مبكرا سنة 2011 أثناء اندلاع الثورة عندما أعلنت أمريكا تخليها عن قيادة عملية تدخل الناتو ضد القذافي، احتجاجا على عدم التنسيق معها من قبل الدول الأوروبية في ذلك التدخل، واستمر هذا الصراع قائما من خلال الأحداث الحاصلة طوال هذه السنوات الستّ المنقضية من عمر الثورة، وكثيرا ما كان يظهر جليا هذا الصراع في ممارسات بعثة الأمم المتحدة المتضاربة في كثير من قراراتها، وتصريحات القائمين على البعثة تشهد على ذلك.
والآن وبعد أن وصل الصراع فيما بينهم إلى منعطفٍ لا بد فيه من إجراء، إما الاتفاق أو خروج أحدهما من ساحة الصراع.
فقد وصلت حكومة السراج "حكومة وثيقة الصخيرات" الأوروبيةإلى وضع في غاية الحرج فهي لم تحصل على الاعتراف من مجلس نواب "طبرق"، الذي تقول الجهات الدولية بأنه هو المعترف به، وهي تستجديه مدة سنة كاملة، ولم تفلح الوساطات المتتالية من أجل مصالحة السراج بحفتر، وحفتر حتى هذه اللحظة بعد ثلاث سنوات من حركته الانقلابية لم يستطع السيطرة على البلاد، ولن يستطيع. وبالمقابل أيضا السراج لم يبسط سلطته على خارج العاصمة. والوقت لا يسمح بالانتظار لكليهما ووضع البلاد الأمني والاقتصادي يشارف على الانهيار، في هذا الوقت أعلنت حكومة (وفاق الصخيرات) عن بدء تشكيل لجان مشتركة بينها وبين القوات الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" لمتابعة الملفات الأمنية والعسكرية لدعم خطط المجلس الرئاسي في ترتيباته الأمنية والعسكرية، وجاء هذا الاتفاق خلال لقاء السراج مع قائد القوات الأمريكية في أفريقيا "توماس والد هاوسر" في مدينة شتوتغارت الألمانيةالأربعاء 5/4/2017.
والأمر الذي أصبح معروفا أن السراج منذ وصوله إلى طرابلس على متن الفرقاطة الإيطالية وبحراسة فرنسية قبل سنة وهو يحاول استرضاء أمريكا، ويحاول الدخول مع حفتر في تفاهمات، وتقاسم السلطة، نظرا لأنه لا يملك أية قوة عسكرية تحميه وتدعم سلطته، وحفتر يملك ذلك، غير أن حفتر هو من يرفض ذلك ولا يريد إلا أن يكون الأمر كله بيده، وهذا الإصرار على الرفض هو في حقيقته رفض أمريكي لا غير، فهل ينبئ هذا اللقاء بتغير في الموقف الأمريكي في المسألة الليبية؟!. حتى الآن لا يظهر ذلك رغم هذا اللقاء، ورغم ما صرح به الناطق باسم حكومة السراج (عن بدء تشكيل لجان مشتركة) مع الأمريكيين، لأن هذا الإعلان لا يعدو عن كونه فرقعة في الهواء لن يكون لها ما بعدها في نفس السياق، لعدة عوامل:
أولها: أن حكومة السراج ومجلسه الرئاسي في حالة صراع داخلي فيما بينهم، ولن يأخذ هذا الإجراء طريقه إلى التنفيذ. ففي هذه الحكومة من يعتبر حفتر انقلابياً مجرماً يجب محاكمته.
ثانيها: أن حفتر لم ينجز أي انتصار ولا زال عالقا في بنغازي ولا تظهر بوادر أنه سوف ينهي الأمر هناك.
ثالثها: أنه إذا نجح الأمر فهذا يعني أن أمريكا تبنت تهدئة الأوضاعوإيجاد وضعٍ مستقر وهذا لا يبدو ظاهرا في السياسة الأمريكية، فأمريكا سائرة في مخطط إنهاك البلاد وتعميق المأساة فيها.
رابعها: أن أمريكا والغرب كله لا يريد وجودا للإسلاميين في السلطة وهو يعمل على تصفيتهم، وخصوصا الذين لديهم شيء من القوة العسكرية، والسراج نفسه لم يسع للتفاوض معهم أو إشراكهم في السلطة، مع وجود العديد منهم الذي يرغب في ذلك، وعليه لا يزيد هذا الاتفاق "الإعلامي" عن كونه فقاعة إعلامية ورغبة أمريكية في إذلال السراج وحكومته والقوة الدافعة لهم، فأمريكا تأخذ ولا تعطي شيئاً.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار وجود كتائب مسلحة متعددة تناصب حفتر العداء، فإن أي توافقٍ بين السراج وحفتر يقود بالتأكيد إلى الاصطدام بهذه الكتائب وهذه ليست مضمونة الغلبة فيه للسراج، وهذا قد يخدم مشروع أمريكا في المزيد من التخريب ولكنه لا يخدم السراج في شيء. فما على الثوار المخلصين إلا توحيد صفوفهم والتصاقهم بشعبهم والتزامهم بأحكام الإسلام وحفظ أمن الناس في مناطق سيطرتهم، وأن ينبذوا القبلية بجميع أشكالها امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ فاسمعوا أيها الثوار إلى قوله تعالى: ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾.
بقلم: أحمد المهذب
رأيك في الموضوع